الكتاب: "من ذاكرة أبي" ذكريات العقيد توفيق بشور المؤلف: حنا توفيق بشور الناشر: مكتبة الشرق الجديد - دمشق ، 1998 شهدت الحياة الثقافية السورية منذ بداية التسعينات نشاطاً واضحاً باتجاه البحث في التاريخ المعاصر، فكان النصف الاول من هذا القرن يثير رغبة الكتاب لقراءة احداثه وتحليل آلياته لفهم مجريات الامور داخله. ولهذا النشاط ما يبرره سواء على صعيد الشكل التاريخي المتبدل الذي شهدته سورية، او الازمات والاسئلة التي بقيت مفتوحة حتى نهايته من دون ان تحسم في مجالي الفكر والتطبيق. وكانت السيرة الذاتية جزءاً مهماً من عملية البحث هذه، فظهرت مذكرات معظم السياسيين والعسكريين، وصدر عدد من الكتب التي تتحدث عن ذكريات بعض الاشخاص مع أعلام هذا القرن. ويأتي كتاب "من ذاكرة أبي" لحنا بشور ضمن هذه الحركة الثقافية التي تنظر مع نهاية القرن العشرين الى بدايته، وتحاول الاضاءة على الملامح التاريخية من خلال السيرة الذاتية لمن شاركوا في صياغة الاحداث. يبدأ الكتاب بالحديث عن عائلة بشور التي يرجعها المؤلف الى الغساسنة الذين كانوا يقيمون في حوران، وهاجر اجدادهم الى الشمال وتوزعوا في معظم المدن السورية. وكان ممن قدم الى صافيتا ثلاثة اشقاء هم بشور وجبور وحنا، وتجمع المصادر على ان هؤلاء الاخوة سكنوا في برج صافيتا العام 1742 وكانوا يحملون كنية الحداد. ويشرح بالتفصيل تطور العائلة وتشعب اعمالها منذ سكنت صافيتا فبدأت بالثراء التدريجي، وخلال حملة ابراهيم باشا على سورية اراد ضمان ولاء المناطق الساحلية فاقطع ابراهيم بشور ثلاث قرى. ويروي المؤلف جملة من الروايات حول بعض الشخصيات من آل بشور وصولاً الى جده الذي هاجر الى اميركا وعاد بسرعة ووالده توفيق بشور المولود سنة 1899. كانت بدايات النهضة التعليمية في صافيتا عندما استدعى بعض الاغنياء من آل بشور اساتذة من طرابلس لتعليم ابناء البلدة. وأقبل هؤلاء على التعليم ومن بينهم توفيق بشور. وبعد ذلك قدمت البعثات التبشيرية وافتتحت المدرسة الانجيلية، فدخلها توفيق بشور على رغم القسط المدرسي المرهق خصوصاً ان العائلة عانت في تلك المرحلة من الفقر. وفي العام 1919 وصل صافيتا ضابط فرنسي خلال فترة الانتداب وفتح باب التطوع، واعلنت فرنسا انها تريد تشكيل فرقة جديدة من ابناء المنطقة لتكون تابعة للفرقة السورية المختلطة الاولى. و تطوع توفيق بشور فيها وعيّن قائد فصيل الخيالة وكانت معرفته للغة الفرنسية سبيله للدخول في هذه الفرقة. وكان مترجماً بين الفرنسيين والشيخ صالح العلي بعد ان سلّم الاخير نفسه حقناً لدماء الابرياء. ومع انتهاء ثورة صالح العلي حلّت الفرقة المختلطة فتطوع توفيق بشور بالجيش الفرنسي ودخل الكلية العسكرية العام 1923، وفي العام 1926 تم ايفاده الى فرنسا لمتابعة دراسته العسكرية وعاد بعد عام واحد الى سورية حيث عُيّن في الكتيبة الثانية باللاذقية، ثم انتدب للعمل كمترجم في الكتيبة الخامسة المتمركزة في جبل العرب. ويروي المؤلف قصة مشاركة توفيق بشور في الافراج عن التموين الخاص بسلطان باشا الاطرش بعد توجهه الى شرقي الاردن. وفي العام 1933 نقل الى الكتيبة السابعة في منطقة الجزيرة السورية بعد ترفيعه الى رتبة نقيب. ولم تكن الجزيرة خاضعة للسلطة السورية بشكل قوي وفعّال، بل كانت واقعة تحت نفوذ رجال الاستخبارات الفرنسية ومجموعة من المستشارين، فعانت كثيراً من الفوضى. ونظراً الى تعاطف توفيق بشور مع الحكم الوطني في سورية ووقوفه بوجه الاحداث التي حاولت فصل الجزيرة عن البلاد تم وضعه تحت الاقامة الجبرية لمدة خمس سنوات انتهت العام 1944، وفي العام 1945 صدر مرسوم بقبوله في قوات الدرك السوري واعطي رتبة مقدم. اما في فترة الاستقلال فيروي المؤلف الدور العسكري لتوفيق بشور في معركة عكوش الاولى والثانية اثناء حرب فلسطين، وتحذيراته الى حسني الزعيم من مخاطر شن الهجوم وان مصيره سيكون الاخفاق. ويذكر ايضاً مشاركته في الانقلاب السوري الاول والملابسات التي رافقته، ثم ينقل عن مذكرات نجيب بولس محاولات توفيق بشور انقاذ انطون سعادة عبر اقناعه بمغادرة البلد قبل تسليمه للامن العام اللبناني. وفي فترة حكم العقيد اديب الشيشكلي عيّن توفيق بشور ملحقاً عسكرياً في القاهرة ثم آمراً لموقع دمشق، وبعد اغتيال قائد سلاح الجو السوري محمد ناصر عيّن آمراً للواء الثالث، اخيراً أُحيل على التقاعد بتاريخ 15/5/1951 بسبب خلافاته مع العقيد اديب الشيشكلي، وانتهت بذلك حياته العسكرية في أحرج فترة من تاريخ سورية… وآثر العزلة حيث عمل بالزراعة الى ان توفي في العام 1992. الكتاب يحوي رسائل كثيرة لها علاقة بالمرحلة اضافها المؤلف كجزء من سيرة والده، لكنها في الواقع قدمت صورة عن الحياة السيايسة والعسكرية في مرحلتين: الانتداب وما رافقه من تطورات، والاستقلال الذي ضمّ ايضاً صراع المفاهيم والتقلبات. واحتوى الكتاب ايضاً ملحقاً وثائقياً عن تلك المرحلة خاصاً بالعقيد توفيق بشور قدم بانوراما لحياته واحداث عصره عبر الوثائق السياسية والعسكرية