الصين تُبدي اعتراضها على تهديدات ترمب الجمركية وتتعهد بالرد    تراجع التضخم في فرنسا إلى أدنى معدلاته خلال 4 سنوات    مصدر إسرائيلي: لا التزام بالهدنة دون تفكيك حماس    "سلمان للإغاثة" يوقع اتفاقية تعاون مشترك مع منظمة اليونيسيف    «نزاهة»: إيقاف 131 متهماً في قضايا فساد خلال فبراير 2025    مترو الرياض يعلن مواعيد العمل الجديدة خلال شهر رمضان    محافظ خميس مشيط يدشن معرض يوم بدينا لجسفت عسير    "الغذاء والدواء" تحذّر من منتج مرقة الدجاج للعلامة التجارية (maragatty)    الأرصاد: سحب ممطرة على الرياض ومكة المكرمة والباحة وعسير    ال«Clasico».. هيمنة وسيطرة وتفوق أزرق    العروبة ينتظر «النصر»    القادسية يتفق مع هيئة الصحفيين على «شراكة إستراتيجية»    مبادرة أمانة الطائف توفر كراسي متحركة لخدمة كبار السن وذوي الإعاقة    الجوير وموسكيرا وبلان يحصدون جوائز الافضلية لشهر فبراير    ديوانية القلم الذهبي تتناول الرواية وعلاقتها بالسينما في لقاءها الأسبوعي    أمانة القصيم وبلدياتها تستعد لشهر رمضان ب 18,729 جولة رقابية    شراكة إستراتيجية بين نادي القادسية وهيئة الصحفيين السعوديين    اختتام بطولة الخليج للجولف بتتويج الأبطال    خدمات رمضان جندي خفي في مناطق الصراع    أمير تبوك يستعرض التقرير السنوي لقوات الأمن والحماية    العديلي يعود للقصة ب«وقت للحب وقت للحرب»    مثقفون يخصصون «رمضان» لإنجاز مشاريعهم المؤجلة    المفتي العام للأئمة عبر «عكاظ»: ترفقوا بالناس في الصلوات    لا«عبور».. كل شيء تحت الرصد    5 خطوات لتعزيز صحة قلب الأطفال    لاعبون مصابون ب«فوبيا الطيران»    كل ساعة لطفلك أمام الشاشة تضعف نظره    الصين.. حوافز مالية للإنجاب!    زراعة عسير تستعد ب 100 مراقب لضبط أسواق النفع العام والمسالخ    الذكاء الاصطناعي يجعل الناس أغبياء    تنفيذ أكثر من 26 مليون عملية إلكترونية عبر منصة «أبشر» في يناير 2025    البكيرية تحتفل باليوم العالمي للفراولة    التسوق الرمضاني    جازان تودِّع أبطال المملكة للسهام بالفل والكادي    الأولمبية والبارالمبية السعودية تدعو لانعقاد جمعيتها العمومية    مع عيد الحب    «فنّ المملكة» في جاكس    تراثنا في العلا    كل عام منجز جديد    صائم ونفسي رأس خشمي    لن أقتدي بمنافق!    روحانية دون نظير    الاتحاد نجم الكلاسيكو    هل انتهت حرب غزة فعلاً؟!    السعودية مفتاح حل أزمة روسيا أوكرنيا    روسيا تغزو الفضاء    أمير منطقة تبوك يستقبل قائد القوات الخاصة للأمن والحماية    أمير منطقة تبوك يستقبل مدير مكافحة المخدرات بالمنطقة    نجاح فصل التوأم الملتصق البوركيني "حوى وخديجة"    أمير الشرقية يدشن حملة "صحتك في رمضان ويطلع على إنجازات جمعية "أفق" ويتسلم تقرير الأحوال المدنية    "الحياة الفطرية" يطلق 10 ظباء ريم في متنزه ثادق الوطني    جامعة أمِّ القُرى تحتفي بيوم التَّأسيس لعام 2025م    نائب أمير مكة يكرم متقاعدي الإمارة    المحكمة العليا تدعو لتحري رؤية هلال رمضان غداً    أمير المدينة: حريصون على تحقيق الراحة للمصلين في المسجد النبوي    الأردن يؤكد دعم سيادة سوريا والتنسيق لضبط الحدود    أمير تبوك يواسي بن هرماس في وفاة والده    أمير تبوك يترأس اجتماع الادارات الحكومية والخدمية لاستعدادات رمضان    









مخاوف القوى الكبرى من عدم الاستقرار في الدول النووية الناشئة ستؤدي الى "تنفيس" العقوبات . باكستان : سلسلة اختبارات ... للعلاقات مع اميركا
نشر في الحياة يوم 02 - 06 - 1998

عندما اجرت الهند تجاربها النووية الخمس على مرحلتين في 11 و13 الشهر الماضي، لاحظ الخبراء الإستراتيجيون ان اجهزة الرصد سجلت في كل مرحلة تفجيراً واحداً كبيراً. ووجدوا لذلك تفسيرين: اما ان تكون التجارب الخمس قريبة من بعضها ومتزامنة الى درجة يصعب معها رصدها على حدة او ان تجربة واحدة قوية طغت على الاخرى أو ان تكون تجربة حرارية تهدف الى تطوير قنبلة هيدروجينية أشد فتكا من النووية. وخلصوا الى ان اعلان الهند عدم حاجتها الى مزيد من التجارب، يدل على القدرات التكنولوجية الهائلة التي اصبحت تمتلكها وغدت بفضلها قادرة على تطوير قنابل باستخدام تقنية متطورة للتجارب عبر الكومبيوتر، من دون حاجة الى مزيد من التفجيرات.
الملاحظة نفسها تكررت الخميس الماضي عندما اجرت باكستان تجاربها النووية الخمس دفعة واحدة في وادي شاغاي قرب الحدود مع ايران وألحقتها بتجربة السبت. وسجلت الارصاد في تجارب الخميس تفجيراً تتجاوز قوته ثلاثين كيلوطن في حين بلغت قوة تفجير السبت 18 كيلوطن. لكن الفارق بين التجارب الهندية والباكستانية هو افتقاد باكستان للمعدات التقنية المتطورة التي تمكنها من اجراء تجربة حرارية وتغنيها عن تكرار التجربة السبت وبهذه القوة التي عرضتها الى مزيد من السخط الغربي.
ولا تخفي المصادر الباكستانية حنقها لأنه في وقت ظلت إسلام آباد محرومة منذ 1990 من المعدات الاميركية ذات الاستخدامات العسكرية، كانت الهند تتبضع بحرية من المخزون التكنولوجي العالي التطور من الولايات المتحدة. لذلك كان لا بد من استكمال التفجيرات الباكستانية على رغم ردود الفعل المتوقعة حتى لا يكون البرنامج الباكستاني ناقصاً.
ويتخوف البعض من ان ينسحب هذا النمط "التمييزي" القائم منذ عشرات السنين في التعامل الاميركي والغربي مع الدولتين، على العقوبات المفروضة عليهما نتيجة التجارب التي اجرياها.
وفي هذا السياق، لاحظ مراقبون اقتصاديون انه بعد مرور اسبوعين على اجراء نيودلهي تجاربها، ظلت المصارف الهندية في الولايات المتحدة تزاول اعمالها بشكل طبيعي شأنها في ذلك شأن المصارف الاميركية في الهند. وفي المقابل اضطرت المصارف الباكستانية والبورصة الى اغلاق ابوابها في "عطلة قسرية" اياما عدة، لتفادي اي اقبال جماعي على سحب الودائع بالعملة الصعبة، ما يعرض البلاد لخطر الافلاس.
لكن كثيرا من المحللين الإستراتيجيين لا يخفي ان العواصم الكبرى لا تستطيع المضي في التمييز متجاهلة مخاطره على "توازن الرعب" الذي اصبح قائما في المنطقة. ويكاد يكون مستحيلا على الدول الكبرى ان تطبق عقوبات على دولتين نوويتين بالحماس نفسه الذي تطبق فيه العقوبات على دول لا يتعدى تسليحها ان يكون تقليديا.
ومن البديهي ان الدول الكبرى التي تتخوف من وصول قدرات نووية الى اياد غير مسؤولة، لا ترغب في رؤية دولة نووية في حال عدم استقرار ومعرضة نتيجة الضائقة الاقتصادية الناجمة عن العقوبات، الى اضطرابات تؤدي على المدى البعيد الى سيطرة قوى متطرفة على السلطة والسلاح النووي.
ومن هذا المنطلق، يفسر كثيرون مواقف عواصم اوروبية مثل فرنسا والمانيا وموسكو، نأت بنفسها عن الدخول في لعبة العقوبات الخطرة، خصوصا ان هذه العواصم تدرك كما تدرك الادارة الاميركية ان قرار التجارب النووية الباكستانية إتخذ في ظل ضغط هائل من الجيش وهو الضغط الذي تجلى في تصريحات وزير الخارجية جوهر ايوب خان المحسوب على المؤسسة العسكرية وأصر منذ حصول التجارب الهندية على ان تجارب باكستانية ستليها لا محالة، علما ان وزراء آخرين محسوبين على رئيس الوزراء نواز شريف، كانوا مترددين في حسم الامر.
وعلى رغم اجراء التجارب النووية، لا يتوقع المحللون في الغرب زوال التباين في وجهتي نظر الحكومة والعسكر. ومن الناحية السياسية لا ترى الحكومة ان القوة النووية تحسم النزاع على كشمير وترى ان هذه القوة لا تعدو كونها رادعا وسلاحا يمكن استخدامه للتخويف من اعتماد باكستان سياسة "الضربة الاولى" في استخدام القدرة النووية قبل ان يعمد الهنود الى تدميرها في هجمات خاطفة.
في الوقت نفسه، بدأ العسكريون يميلون الى ضرورة مجاراة الهند في إستراتيجيتها القائمة على توزيع المخزون النووي الموجود لديها على عدد من الرؤوس الصغيرة والقادرة على ضرب اهداف عسكرية عدة في آن واحد، عبر صواريخ "بريثفي" التي تطلق من منصات متحركة او بواسطة صواريخ تحملها طائرات "جاغوار" و"ميراج" التي يملكها الهنود.
ومن هنا يمكن تفسير تحذيرات المسؤولين الاطلسيين من ان البلدين لا يملكان خبرة في تطبيق نظرية "الردع النووي المتبادل" التي تسمى بنظرية "الرجل المجنون" التي كان وزير الخارجية الاميركي السابق هنري كيسنجر اطلقها في مواجهة التهديد النووي السوفياتي في حينه.
ولا يعني ذلك ان التجارب النووية الباكستانية لم تعد التوازن في المنطقة الى نصابه بل اعادت توازنا سياسيا إستراتيجيا وعسكريا، الامر الذي يفرض على المجتمع الدولي الحصول على تعهد من الجانبين بوقف التجارب والتوقيع على معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية، لتفادي دخول البلدين في سباق لتطوير الصواريخ، بدا ظاهرا اكثر من قبل.
لكن المراقبين يحملون "رائدتي" لعبة الردع النووي في العالم، الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي مسؤولية غض الطرف عن سباق التسلح النووي السري الذي خاضته الهند وباكستان منذ مطلع السبعينات. ولا يتمالك البعض التساؤل عن مغزى تغاضي واشنطن عن امتلاك باكستان القدرة النووية فعليا منذ 1984، عندما كانت إسلام آباد حليفة الاميركيين في مواجهة الغزو السوفياتي لافغانستان، فضلا عن دورها في فتح ابواب الصين امام الاميركيين. وكان البعض يرشح باكستان للتعاون مع الصين في تشجيع كوريا الشمالية على الإنفتاح على الغرب واصبح الآن يتخوف من تعاون نووي باكستاني- كوري شمالي.
غير ان الشعور الذي ساد قطاعات مختلفة في باكستان وعكس خيبات الامل الباكستانية المتكررة تجاه الوعود الاميركية يضاف اليه احساس باكستان بأن الضمانات الاميركية لن تكون كافية مستقبلا، امران حسما قرار اجراء التجارب النووية التي يمكن ان تشكل مستقبلا اختبارا لمدى رغبة واشنطن في الحفاظ على علاقات مميزة مع إسلام آباد، اذا كانت مصالحها في المنطقة تقتضي ذلك.
لذلك كان كثيرون في باكستان يأملون في ان تعرض واشنطن مساعدتها في خفض جزء من الديون الباكستانية الخارجية التي تناهز 52 بليون دولار، هي التي رضيت بمد يد الصداقة الى الجنرال ضياء الحق على رغم مسؤوليته عن مقتل رئيس وزراء مدني منتخب بغالبية شعبية ساحقة هو ذو الفقار علي بوتو.
لكن الولايات المتحدة التي فقدت اهتمامها بباكستان عقب زوال الخطر السوفياتي عمدت الى حرمان إسلام آباد من مساعدات انسانية وعسكرية تقدر بنحو 650 مليون دولار سنويا، عوضا عن مكافأتها لمواقفها السابقة. وفي غياب الاهتمام، كان لا بد للباكستانيين من اعادة اختبار علاقتهم مع الاميركيين حتى لا تفرض التجارب الهندية واقعا جديدا يتمثل في تعامل هندي - اميركي يستبعد الباكستانيين من أي معادلة مستقبلية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.