"كنت في المطبخ، وكانت الساعة الثامنة الا عشر دقائق. جاء بسام يحدثني قبل خروجه، ثم نزل من البيت في طريقه الى دار البلدية كما اعتاد ان يفعل كل صباح. فجأة سمعت انفجاراً قوياً، وتحطمت كل نوافذ البيت. اعتقدت ان الصوت صوت طائرة أو شيء من هذا القبيل، لكني سرعان ما سمعت ابنتي راضية، ذات الأربعة أعوام تصرخ وتبكي في الحديقة مولولة "بابا... بابا". ركضت. كان هناك دخان يصعد من السيارة. فتح بسام باب السيارة وارتمى قربها. ركضت اليه مع ابني عيسى. أردنا ان نرفعه، وفي تلك اللحظة أدركت، مرعوبة، ان رجليه بقيتا داخل السيارة. حملناه الى الشرفة ثم حاولنا أن نوقف سيلان الدم بكميات من القطن. أردت أن أتلفن لكني أدركت بسرعة ان الهاتف مقطوع، مع أنه كان يعمل لنصف ساعة خلت...". هذا ما ترويه السيدة الشكعة زوجة عمدة نابلس، في ذلك الحين، بسام الشكعة الذي اختارت الاستخبارات الإسرائيلية يوم الثاني من حزيران من العام 1980، لكي تحاول اغتياله بتلك الطريقة المرعبة... لكنه لم يكن الوحيد المستهدف، اذ في الوقت نفسه، وفي مدينة رام الله تعرض للاغتيال أيضاً، وبالأسلوب نفسه كريم خلف عمدة المدينة. ابراهيم الطويل، عمدة مدينة البيرة، علم من فوره بما حدث فأسرع الى المستشفى ليكون الى جانب صديقه عمدة رام الله، وفي الوقت نفسه كانت سيارته التي تركها في مرآب عمه، تنفجر بالطريقة نفسها في وجه خبير درزي جاء ليفحصها بناء على أوامر القيادة العسكرية. احترق وجه الخبير في الوقت الذي كانت فيه الأنباء تتوارد عن القاء قنبلة على مدرسة للصبيان العرب في الخليل أوقعت سبعة جرحى في الصورة بسام الشكعة مقطوع الرجلين في المستشفى. كان من الواضح بالنسبة الى العرب الفلسطينيين ان العمليات الأربع تعتبر اشارة لحرب جديدة عليهم، حرب اسرائيلية موقّعة بعناية، هدفها ان تقتل عدداً من كبار وأهم المسؤولين الفلسطينيين في الداخل، أن ترعب من في الخارج، وأن تقول أن اسرائيل يدها طويلة وان في إمكانها ان تستخدم هذه اليد متى تشاء. طبعاً ستقول السلطات الإسرائيلية أن هذه الأعمال الارهابية التي ستكون جزءاً من سلسلة لن تنتهي أبداً، انما هي من فعل متطرفين صهاينة، وبالأحرى من فعل نشطاء في واحدة من حركتين صهيونيتين متطرفتين هما "غوش ايمونيم" و"كاخ" ولكن، بما أن معظم العمل العسكري الذي اعتادت الصهيونية أن تمارسه سواء كانت في الحكم أو في المعارضة، او سواء بصورة رسمية أم شبه رسمية، كانت الدولة الإسرائيلية هي المستفيد الأساسي منه في نهاية الأمر. كان واضحاً، من خلال العمليات الأربع، أن المستهدف هو نفوذ منظمة التحرير الفلسطينية داخل فلسطينالمحتلة، في وقت كان من الواضح أن الوضع الداخلي الفلسطيني، لا سيما في اعمال المقاومة السلبية أو الإيجابية ضد الاحتلال الصهيوني، بات ينحو نحو شيء من التنظيم، بعد تشتت وفوضى طويلين. وكانت الانتخابات البلدية حققت للمنظمة انتصارات كبيرة وأتت الى رئاسة البلدية بجيل جديد من المسؤولين الذين لا يتورعون عن اعلان عدائهم للاحتلال وتغليبهم السياسي على الاجتماعي في عملهم، وهو ما يتناقض مع ما كان عليه الأمر قبل وصول أشخاص مثل بسام الشكعة وكريم خلف وابراهيم الطويل الى الامساك بمقدرات مجتمعات الداخل الفلسطينية. بالنسبة الى اسرائيل، الرسمية وغير الرسمية، كان من الواضح ان هذا النوع من العمل السياسي الفلسطيني يشكل خطراً حقيقياً عليها، لهذا كان لا بد من التخلص من هؤلاء العمد المزعجين. فمن يقوم بالعملية؟ ليس هذا هو السؤال، طالما ان الحدود شديدة التعرج في الدولة الصهيونية بين ارهاب الدولة وارهاب المتطرفين. المهم كان ان العملية الرباعية جرت، لكنها لم تقتل المستهدفين، بل انهم شفوا من جراحهم، وواصلوا رسالتهم على رغم تشوههم. وتمكن الرأي العام العالمي أن يشهد بأم العين عجز اسرائيل عن مجابهة مقاومة الداخل وثورته، هي التي كانت - وأحياناً بكل سهولة - تجابه مقاومة الخارج، وتكاد تقضي عليها. من هنا لم يكن بعيداً عن الصواب ذلك الذي كتب في "النوفيل أوبسرفاتور" الفرنسية معلقاً على ما حدث: "يوم الاثنين في 2 حزيران، في نابلس، في رام الله، في الخليل، في البيره، ان وحدة الجيش الاسرائيلي هي التي نسفت على الأرجح. والسؤال هو: من في اسرائيل هو الطرف الذي يملك السلاح والدوافع التي تمكنه معاً من أن يقوم بمثل هذه العمليات الارهابية؟".