يصعب اخلاقياً وقيمياً بلع الوصف الصحافي البالغ الخفة الذي يتحدث عن "قنبلة نووية اسلامية" عقب الاعلان الباكستاني الرسمي عن امتلاك هذه القنبلة القاتلة. يصعب ذلك لأن السلاح النووي لا دين له وهو ضد الحياة والبشر والكائنات الحية وكل ما جاءت الاديان للحفاظ عليه. ولن يكون من المفاخر الكبرى ان ينسب للاسلام امتلاكه هذا السلاح المتحالف مع التدمير الشامل والذي لا يفرق بين مقاتل ومدني، بين معسكر وحديقة، بين طفل يجري في حارة وقائد عسكري ميداني، والمتحالف مع نظريات الإبادة المليونية التي تهون ازاءها كل ما شهدته البشرية من حروب وكوارث. وإذا كان الغرب امتلك ذلك السلاح فانه ما سيطر على العالم باستخدامه بل باستخدام السلاح التقليدي، وأياً ما كان الامر، فإن وحشية الممارسة لا تغري بالتقليد خاصة في الغرب، والا لكان حرياً بالآخرين، ومنهم العالم الاسلامي، الاقتداء بالنازية والفاشية ايضاً لقدرتها الفائقة على "حسم" الخلافات الاثنية و"القضاء" على التباينات القومية! ثم، وأبعد من ذلك، يتوجب علينا في العالم الاسلامي تقديم نموذج مفارق لما هو قائم من نماذج للعلاقات الدولية القائمة على القوة العمياء والمصلحة العارية عن المبدأ. نموذج ينيط تقديم البشر وحياتهم على الدول ومصالحها المطلقة، وإلا فإن ما سيتم انجازه هو نسخ المسار الغربي وانساقه الدولية كما هو بكل شروره، والانخراط في دورة دموية جديدة من الحروب العالمية، بقنابل دينية هذه المرة. فضلاً عن ذلك وتأملاً في دوائر البحث والاكاديميا ذات العلاقة بالنظريات الدولية، فان وجهة راهنة لا تني تتقدم على جبهة تلك النظريات، يقودها منظرون انسانيون ناقمون على تسيد الانماط الاخلاقية في السياسة، وهي وجهة تدفع نحو تعزيز مفاهيم القيم ضد مفاهيم المصالح المطلقة، وهذه الوجهة هي رافضة بالطبع التسلح النووي، تلتقي مع النظريات والرؤى الاسلامية اكثر بكثير مما تلتقي معها الوجهات والرؤى التي تقدم الأولوية القصوى للمصالح. وعلى ذلك فانه يكفي القنبلة الباكستانية ان تكون باكستانية فحسب، وليس اسلامية، كما ان تكون قنبلة الهند هندية وليس هندوسية، وان تكون قنبلة الصين صينية وليس كونفوشيوسية، كما ان تكون القنابل صاحبة السبق السيء في الغرب اميركية وبريطانية وفرنسية لا مسيحية، وإلا فان على الجميع ان يرحبوا بحقبة جديدة من صراع الاديان والحضارات ويتوجوا صاموئيل هنتنغتون سيداً جديداً لهذه الحقبة. يجب التوقف برهة وبرهتين وسط هذا الضجيج والهيجان العاطفي لنتأمل في الفرق الجوهري والهائل بين السلاح التقليدي والسلاح النووي، كي لا يُنسب هذا الاخير الى الاديان والمذاهب التي جاءت تعلي من القيم وتناصر اخلاق الحياة مقابل انعدام تلك القيم وتفاخر انصار القتل والتدمير. السلاح التقليدي ما زال خاضعاً لقدرة الانسان على التحكم به، وهو وإن استخدم، وما زال في الامكان استخدامه، ضد المدنيين، فإن نطاقه التدميري يظل دون ما يحدثه السلاح النووي بما لا يقارن. وإذا ما خرج قائد عسكري او زعيم سياسي عن طوره في لحظة جنون عسكرية او سياسية، تحت ضغط هزيمة ميدانية، او هروباً من ازمة داخلية، او تشاوفاً على خصوم محليين، او سوى ذلك من الحجج، واستخدم السلاح التقليدي ضد البشر لا ضد الجيوش فإن المأساة، على رغم هولها، لن تقارن بمثيلتها فيما لو ثارت لحظة الجنون تلك في عقل من يملك التحكم في "الزر النووي"، واتخذ قراره البطولي! ومفارقة السلاح النووي الذي يمتص الآن ثروات ومصادر بلدان معدمة كالهند وباكستان والمتهم بسرقة قوت الناس العاديين وحرمانهم من ابجديات الحياة الكريمة، هي انه مستحيل الاستخدام اذا تحكم العقل في القرار، وهي انه كارثي النتائج ان تحكمت النزوات والعواطف في القرار. وفي الحال الأولى يغدو اذاً تكريس كل المصادر الاقتصادية والمالية واستعبادها لخدمة السيد النووي اشبه بلعبة بالغة السخافة والكلفة. وفي الحال الثانية يصعب تخيل حجم الكارثة وعشرات الملايين المبادين جراءها فذاك يحتاج الى خيال روائي مبدع في التشاؤمية. خلاصة ذلك كله، وبعيداً عن حسابات الاستراتيجيات ومصالح الدول القومية والتشاطر في رسم التوازنات الاقليمية والدولية، يتحول وصف القنبلة الباكستانية بأنها "اسلامية" الى ادانة اكثر مما ان يكون تكريماً للاسلام. وإذا كان هذا الكلام قد يهزأ به باعابار ان "السن بالسن والعين بالعين" فأين المفتي او عالم الدين صاحب الجرأة الاخلاقية! غير المتخيلة الذي يمكنه ان يجيز استخدام هذا السلاح ضد الهند مثلاً، او ضد اي كان، عندما يقف بالدقة على حقيقة الاعداد المليونية التي ستسحق، والملايين التي ستظل تحمل تشوهات تلك اللحظة الجنونية لعقود قادمة من السنوات؟ بكلمة واحدة، قنبلة الباكستان باكستانية، ولتترك بعيداً عن الاسلام، فهي صنعت لخدمة مصالح دولة لا مصالح الاسلام، ولا هي تستحق هذا الهيجان العاطفي عبر العالم الاسلامي اجمع وكأنها سوف تستخدم في كل مناطق هذا العالم، فتدفع الصرب عن كوسوفو وتؤمن الاستقلال الكامل للبوسنة، ثم تناصر جبهة مورو في الفيليبين، بعد ان تحرر فلسطين كتحصيل حاصل