يتوقع محللون اقتصاديون في جاكرتا افلاس عدد كبير من شركات ومصارف القطاع الخاص الاندونيسي المثقلة بالديون في الاشهر القليلة المقبلة، على رغم موافقتها اخيراً على اعادة جدولة نحو 68 مليون دولار من ديونها الى المصارف الاجنبية. وستخفف صفقة اعادة جدولة الديون التي تم الاتفاق عليها رسمياً الخميس الماضي في فرانكفورت، قليلا على الشركات الاندونيسية التي تعاني منذ نحو عام بسبب انهيار العملة الاندونيسية. لكن بعض هذه الشركات يبذل جهوداً مضنية، قد لا تفلح، من اجل الوفاء بدفع فوائد الديون في المواعيد المحددة التي لا يغطيها اتفاق اعادة الجدولة. واتفاق اعادة جدولة الديون الذي جرى التفاوض في شأنه على مدار اشهر بين مسؤولين في الحكومة الاندونيسية ومصرفيين اجانب، اتفاق طوعي يتيح للشركات الاندونيسية تسديد ديونها الخارجية على مدار ثماني سنوات بما فيها فترة سماح تمتد ثلاث سنوات، يتعين على الشركات فيها الاستمرار في دفع الفوائد على الديون لكن من دون تسديد اصولها. وسيسمح للمصارف الاندونيسية، بموجب الاتفاق، والتي كانت اقترضت نحو 9.2 بليون دولار من العملات الاجنبية، باطالة فترات السداد الى اربعة اعوام. اما المقرضون للتجار الاندونيسيين المستوردين للسلع الاساسية مثل الرز، فيلزمهم الاتفاق تقديم التمويل نفسه الذي قدموه في نيسان ابريل الماضي، قبل انفجار الاضطرابات التي استهدفت الرئيس السابق سوهارتو وادت الى انهيار الثقة في البلاد. اتفاق ايجابي وقال اغنيس سفورد رئيس شركة "اي بي ان - امرو هورغوفيت" الناشطة في مجال الوساطة في جاكرتا ان الاتفاق ايجابي "لان الوضع كان يتطلب التوصل الى اتفاق ما". لكن سفورد الذي كان مصرفيا في السابق، لفت الى ان فترة السماح في الاتفاق، كونها لا تغطي تسديد الفوائد على القروض، ستؤدي الى افلاس بعض الشركات. يذكر ان الشركات والمصارف الأندونيسية كانت اقترضت مبالغ ضخمة بالعملات الاجنبية خلال التسعينات لان اسعار الفائدة في الدول الصناعية كانت ادنى بكثير مما كانت عليه في اندونيسيا. وقال كبير المسؤولين التنفيذيين في مصرف غربي متوسط الحجم ينشط في اندونيسيا، والذي كان مطلعاً على سير المفاوضات الخاصة باتفاق اعادة جدولة ديون القطاع الخاص الاندونيسي، ان معظم الاقراض جاء اساساً من مصارف تفتقر الى شبكة فروع في اندونيسيا. واضاف "كانت هناك المئات من مصارف الاوفشور المتشوقة للاستفادة من سير قافلة النمور الآسيوية، والتي ارادت ان تستقطع حصة من الموجودات الآسيوية من دون سابق معرفة بالوضع الفعلي داخل تلك الدول". فوائد القروض الاجنبية كانت الفوائد على القروض الاجنبية غالباً ما تتدنى الى مئة نقطة اساسية اعلى من الفائدة التي تتقاضاها مصارف لندن في ما بينها ليبور، ما يعني ان هذه الفوائد كانت متدنية لا سيما وتاريخ اندونيسيا اتسم دوماً بعجز شركاتها الكبيرة عن تسديد الديون في ظل افتقار اندونيسيا الى قوانين خاصة بالافلاس تمكن المقرض من تصفية المقترض. وكان بعض القروض يستخدم في تمويل مشاريع البنى التحتية والمشاريع الصناعية، لكن بعضها كرس لإقامة مبان فخمة وشاهقة تزين حاليا افق جاكرتا وان كان معظمها لا يزال قيد الانشاء او فارغاً بسبب الازمة الاقتصادية. وكان رهان القطاع الخاص الاندونيسي على عدم هبوط قيمة الروبية حيال الدولار الاميركي، لكن هذا ما حصل فجأة في تموز يوليو الماضي بعدما هزت موجة من القلق الاسواق المالية كافة في جنوب شرق آسيا. القطاع الخاص الاندونيسي قال احد كبار المصرفيين الاوروبيين، طلب عدم ذكر اسمه، انه لم يخطر ببال عدد كبير من المصرفيين فكرة التحوط ضد المخاطر في اندونيسيا. ويتكبد عدد كبير من شركات القطاع الخاص الاندونيسية حالياً خسائر فادحة بسبب عمليات صرف العملات الاجنبية. واعلنت اخيرا شركة "بي تي اندوفود سكسس مكمور" التي تصنع الشعرية الجاهزة للاكل - الغذاء الاساسي لفقراء اندونيسيا - ان ارباحها تدنت بنسبة 70 في المئة الى 28.3 بليون روبية 2.3 مليون دولار. وفي تقدير رئيس قسم الابحاث في مؤسسة "ووترفرنت سكيوريتيز" للوساطة المالية كيفن اورورك ان نحو 30 او 40 شركة فقط من اصل مئتين وعشرين شركة مدرجة في البورصة الاندونيسية تجني من العملات الاجنبية ما يمكنها من تغطية او تعويض التزاماتها غير الاندونيسية. ويجني معظم الشركات الاخرى دخله بالروبية لكنه مدين بالدولار الاميركي. وقال اورورك "الشركات الاندونيسية غير الناشطة في مجال التصدير تشهد معاناة كبيرة". ويتوقع معظم المراقبين ان ينكمش الاقتصاد الاندونيسي بنسبة عشرة في المئة على الاقل في السنة الجارية فيما يتوقع البعض نسبة انكماش قدرها عشرين في المئة، ما يعني مزيداً من المعاناة لأهل اندونيسيا البالغ عددهم 200 مليون نسمة. ومن المحتمل ان يكون مبلغ ال 68 مليون دولار المدينة به شركات ومصارف القطاع الخاص الاندونيسي اقل من الدين الفعلي، لان المستقبل القريب ربما شهد مزيداً من الافلاسات من طريق المشتقات والضمانات الممنوحة للتمويل التجاري والتي لم يتم كشفها حتى الآن. وقال مصرفيون ان المفاوضات حول اعادة جدولة الديون كانت طويلة وصعبة لأسباب، منها ان الحكومة الاندونيسية لم ترغب في ان ينتهي الامر بها الى انقاذ قطاعها الخاص، ومنها كذلك ان بعض المصارف المقرضة، لا سيما الياباني منها، كان يطالب بفترة سداد اقصر مما كان يقبله الاندونيسيون. وفي النهاية، وافقت الحكومة الاندونيسية على انشاء وكالة اعادة جدولة الديون الاندونيسية ايندرا التي ستتولى بيع الدولار للشركات المحلية بسعر الصرف السائد في السوق في الفترة بين الآن ونهاية حزيران يونيو من سنة 1999، فإذا تدنت قيمة الروبية حيال الدولار بعد ذلك التاريخ، يتعين على حكومة اندونيسيا التكفل بدفع الفرق في السعر، لكنها وبموجب الاتفاق، غير مجبرة على تحمل ديون القطاع الخاص في بلادها.