لولا ضيق المكان لنشرت هنا نص مقال طريف في مجلة "لا" التي تصدرها رابطة الأدباء والكتاب في ليبيا، عدد شهر الماء أيار/ مايو، فقد كان المقال تعليقاً على قولي في مقابلة تلفزيونية للعقيد معمر القذافي ان تسمية "الجماهيرية" خطأ لغوي لأن النسبة في العربية تُبنى على المفرد عادة. ومع ذلك سأحاول نشر أكبر قدر ممكن، فالمقال يقول: ما شاء الله... ما شاء الله! فها نحن نتعلم أن أبا العروض ومنشئ أول معجم في العربية "كتاب العين" واللغوي الأشهر، الفراهيدي يجب أن يصحح لقبه الى "الفرهودي"، لأن الفراهيد جمع فرهود... ولا تصح النسبة إليها. كذلك يجب تصويب اسم أبي منصور الثعالبي، صاحب فقه اللغة وسر العربية وغيره من المؤلفات، الى الثعلبي، لأن الثعالبي جمع ثعلب. والأمر ينطبق على المدائني، لأن المدائن ليست فقط جمع مدينة، بل هي جمع الجمع: مدينة، مدن، مدائن. فالتصويب هنا أصوب! وماذا عن الجواليقي، ونسبته الى الجواليق، جمع جوالق من المفرد جولق؟! وحسب رأي الأستاذ الخازن يجب ألا نقول: فلان الانصاري، ولا فلان الصحابي، الأولى نسبة الى الأنصار والثانية الى الصحابة، جمع صاحب. وعبدالرحمن الكواكبي الكاتب الثائر الأديب اللغوي صاحب "طبائع الاستبداد"، و"أم القرى" يصير الكوكبي إرضاء للسيد الخازن. والخطاط الشهير الدواويني، يصبح الديواني، والكاتبة وداد السكاكيني تتحول الى وداد السكيني، والمؤلف المترجم جورج طرابيشي يتغير الى جورج طربوشي، لأن الطرابيش جمع طربوش. ونجيب هواويني خطأ وصوابه هاوني - نسبة الى الهاون "المسحن" - في لهجتنا: المسحان. ولكي يزداد السيد الخازن رضا على رضا ننصحه بأن يتوقف عن حضور أية مراسم طقوسية إذ لا تجوز النسبة الى طقوس الصلاة مثلاً، وهو طبعاً لن يستمع الى أية موسيقى جنائزية، بل يفضل الموسيقى الجنازية، وسيلغي من كتاباته أية نسبة الى بيروت لأن اسم العاصمة اللبنانية صيغة جمع قديمة للبير البئر، وسيلغي أية مقالة تتحدث عن الفلسفة الذرائعية لأنها نسبة الى جمع ذريعة ذرائع. وطبيعي ألا ينشر شيئاً في صفحة الثقافة يذكر فلاناً الطبائعي في العلوم الفيزيائية أو فلاناً الفرائضي في باب الإرث الاسلامي، أو فلاناً الخرائطي عند الحديث عن الجغرافيا ورسم الخرائط، وهذه كلها نسبة الى الجمع مشهورة. وسيحذر كتاب "الحياة" من ايراد مصطلح المعلوماتية، فهو نسبة الى المعلومات جمع معلومة، وكذلك يمنع الكلام عن النجومية، وسيصححها الى النجمية... إن شاء الله. وماذا نفعل عندما يعبر كاتب عن شجب الشعوبية؟ هل نصححها الى الشعبية ليستقيم الأمر للسيد رئيس تحرير "الحياة"؟ نسي - بسلامته - أو تناسى مواقف الجماهيرية التاريخية القومية والعالمية. تناسى صلابتها في سبيل قضايا أمتها العربية ومساندتها القوية الدائمة لقوى التحرر. تناسى بناءها الداخلي وتنميتها وصراعها ضد قوى البغي والعدوان. تناسى الهامة المرفوعة في وجه الأعاصير والمؤامرات، والمبادئ التي تدافع عنها والشعارات التي تعلنها. تناسى الصوت الرافض للاستسلام، والصلابة في الحق. وما بذلت هذه "الجماهيرية" من مال وقدمت من تضحيات لكي تزأر في وجه من يمس الكرامة: قف! وما سبق يمكن أن يقسم الى ثلاثة أقسام، فأوله يورد اسماء ناس ولدوا بهذه الأسماء، ولا اعتقد ان الفراهيدي أو الثعالبي، رغم علو كعب كل منهما صرفاً ونحواً، كان سيصرف اسم أسرته ويعربه ليصححه لغوياً. ثم يتحدث القسم الثاني عن نسب على الجمع، ولا جديد في هذا ولا اعتراض لي عليه، فالاستثناءات في النسبة بكثرة القواعد، ولكن أصر مرة أخرى على ان الجماهيرية ليست من هذه الاستثناءات، فالنسبة الأصح هي جمهور: جمهوري وجمهورية، ولا معنى البتة ان ننسب على صيغة منتهى الجموع أو جمع الجمع. أهم مما سبق الجزء الثالث الذي يتحدث عني وما "نسيت" عن ليبيا، وفي هذا ظلم كبير. حجر الزاوية في فكر العقيد القذافي هو الوحدة العربية، وأنا اؤيده فيها بالمطلق ولو لم يبق في هذا الوطن وحدوي غير الدكتور كلوفيس مقصود وغيري. وإذا كان هذا هو الثابت في الفلسفة السياسية للاخ العقيد، فإن المتغير أو ما طرأ، هو الحصار المفروض على ليبيا في موضوع سقوط طائرة الركاب الأميركية فوق اسكتلندا. وهنا أيضاً اؤيد ليبيا تأييداً كاملاً، وأطالب برفع العقوبات فوراً. وقد طالبت بهذا في كل مرة كتبت عن الموضوع وسأظل أطالب به. وهكذا أكون نصرت العقيد في أول مبادئه السياسية ونصرت ليبيا في وجه العقوبات الدولية، ما يجعلني أشعر بحقي في مناقشة بناء نسبة من صيغة منتهى الجموع في كلمة مفردها، أي جمهور، هو اسم جمع. وأشكر بعد هذا كله الأخ هشام بن غليون من مانشستر الذي ايدني في ما ذهبت إليه، والأخ صلاح نيازي من كنغستون - أبون - تيمز الذي اتفق معي على قاعدة النسبة على المفرد، وزاد انها قاعدة غير مطردة.