أحيت الولاياتالمتحدة في الرابع من هذا الشهر العيد الوطني لقواعد اللغة (الإنكليزية طبعاً) ولا أزال أتابع في الصحف الأميركية، وعبر مواقع إلكترونية، أخباراً عن العيد، أكثرها يسجل الأخطاء الشائعة، كما فعلت «نيويورك تايمز»، أو أسوأ الأخطاء النحوية، كما فعلت جريدة «هفنغتون بوست» الإلكترونية. ثمة تقليد صحافي غربي هو أن يكون لوكالة الأخبار أو للجريدة «كتاب أسلوب» يوزع على العاملين فيها، وقد يباع في المكتبات. والكتاب من هذا النوع يتضمن فوائد لغوية، وما هو خطأ أو صواب، إلاّ أنه يضم أيضاً فهرساً بأسماء أماكن وأشخاص من حول العالم، وتهجئتها المختارة، حتى لا يكتب اسم رئيس أفريقي بثلاثة أشكال مختلفة في ثلاثة أيام متتالية. فكرت مرة أن أنهي هذه الزاوية كل يوم بسطرين أو ثلاثة أو أربعة عنوانها فائدة لغوية أسجل فيها خطأ من الصحف العربية ذلك النهار، ثم عدلت لأنني أخطئ بدوري، ولأنني لا أعرف مدى اهتمام القراء بالموضوع. عندما كان الأميركيون يحتفلون بصرف الإنكليزية ونحوها لاحظت أن موقعاً إلكترونياً دعا الناس الى تسجيل أكثر ما يزعجهم من الأخطاء اللغوية في اللغة الإنكليزية، ووجدت بعد ذلك أن نصفها يعود الى استعمال ضمير يوصل بفعل وبينهما ما يعادل الضمة عندنا. الأخطاء اللغوية لا تترجم من لغة الى لغة، ولكن إذا كان لي أن أسجل أكثر ما يستفزني من الأخطاء في لغتنا فقد أختار استعمال الضمير، وأنا أقرأ كل يوم جملاً وفقرات تبدأ بعبارة من نوع «من ناحيته صرح فلان». أو «من جانبه قال علّان...» أو «بعد وصوله أعلن فليتان...»، وهذا كله خطأ فالضمير لغة لا يعود إلا الى ما قبله، والصحيح أن يقال «بعد وصول فلان الى لندن صرح...» وهكذا. هناك استثناء وحيد لهذه القاعدة هو ضمير الشأن أو الجلالة، فنقول «إنه الله» أو «إنها الدنيا غرور»، إلا أن ضمير الشأن لا ينطبق على عرب آخر الزمان. ثمة أخطاء شائعة يبرر بعض استعمالها لشيوعها، وأحاول أن أرد بالبحث عن شاهد في القرآن الكريم لحسم الجدل، وقد استعملت في بداية هذه الفقرة «بعض» لا «البعض» لأن أل التعريف لا تدخل على هذه الكلمة حتى ولو استعملها سيبويه، وهي وردت في القرآن الكريم عشرات المرات ومن دون أل التعريف. وحاولت أن أبحث عن السبب، بعد أن قرأت أن سيبويه قال «البعض» وانتقده نحويون عرب قالوا إن هذا ليس من لغة العرب، ووجدت أن بعض في نية الإضافة، أي أنها مُعرّفة، فإذا قلنا: بعضٌ يقول... فالمقصود: بعض الناس يقول، وأزيد أن بعض مفردة ومذكرة والصحيح أن نكتب: بعض النساء يقول، وليس يقلن. «كل» أيضاً مفردة حتى وهي تشير الى الجمع، وفي الحديث: كلكم راعٍ (لا رعاة)، وكلكم مسؤول (لا مسؤولون) عن رعيته. والشاعر قال: وكلٌّ يدعي وصلاً بليلى... ما دمنا في المفرد والجمع أزيد أن القاعدة في صياغة النسبة هي رد الكلمة الى المفرد ثم بناء النسبة، غير أن هناك استثناءات كثيرة، ونحن نقول «ملوكي» أي فخم أو راقٍ. مع ذلك أرى أن «الجماهيرية» خطأ، كما في الإسم الرسمي لليبيا، فكلمة جمهور نفسها اسم جمع، أما جماهير فهي جمع الجمع أو صيغة منتهى الجموع، ولا أرى بناء نسبة منها ممكناً. وكنت قلت هذا مرة على التلفزيون وردت عليّ ميديا ليبيا، ونبهني بعض الكتاب الى أسماء الفراهيدي والثعالبي والجواهري وغيرهم. وأقول إن أكثر هذه الأسماء لفرس، والإنسان لا يستطيع أن يُعرِب أو يُعرِّب، اسم عائلته ويصححه. في القرآن الكريم «أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير»، وهو استفهام استنكاري واضح، ويعني أن نقول «استبدلت فرنسا اليورو بالفرنك» أما «استبدلت الفرنك» فخطأ، وقس على ذلك. ولاحظت وأنا أتابع احتفال الأميركيين بقواعد لغتهم أن كثيرين من القراء الذين سجلوا أكثر ما يزعجهم من أخطاء اختاروا تهجئة الكلمات لا قواعد اللغة. ونحن نعاني مثلهم، خصوصاً في كتابة الهمزة، وعندما جمعت قواعدها مرة وجدت أنها في أقل من صفحة واحدة ما يعني أنها ليست بالصعوبة التي يتصورها الناس أو التعقيد. في القاموس رضا تكتب بألف ممدودة دائماً، ولم أرها أبداً «رضى»، أي بألف مقصورة في القاموس، ولعل أصلها رضاء وحذفت الهمزة تخفيفاً. مع ذلك أقرأها بالشكلين. وفي «عبقرية عمر» للكاتب العظيم عباس محمود العقاد وجدت «رضى» ثلاث مرات أو أربعاً، ولا أعرف هل هو كتبها بهذا الشكل، أو أنها المطبعة والمصححون. كل مسلم مؤمن قرأ «قرآناً عربياً غير ذي عوج...» ولا أنتظر أن يرقى كل قارئ الى «لسان عربي مبين»، ولكن هو يستطيع اتقان لغته الى درجة تجنب الخطأ لو أراد. [email protected]