سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الشمال وطرابلس : قلة من النواب لم تتورط في البلديات . كرامي الأكثر نشاطاً وخصومه يألفون هجومه على الحريري الفاعليات العلوية تتوحد ... وهاجس تمثيل الأقليات يطغى
اختصرت مدينة طرابلس صورة المعركة الانتخابية البلدية والاختيارية في محافظة الشمال، ثاني محطات هذا الاستحقاق الذي يشهده لبنان للمرة الأولى منذ 35 عاماً. وعلى رغم كثرة التجاذبات وحدّة التنافس كلامياً وميدانياً، سارت العملية الانتخابية في هدوء وفي اجواء طبيعية وديموقراطية نوّه بها الجميع، وأكدها نائب رئيس الحكومة وزير الداخلية ميشال المر في مؤتمر صحافي في وزارة الداخلية صباحاً، قبل ان ينتقل ظهراً الى المحافظة حيث جال على مراكز اقتراع عدة. وكرر ما أعلنه عن انتخابات جبل لبنان "عدم حصول ضربة كف واحدة". ففي طرابلس ترشح 143 شخصاً توزعوا على اكثر من مئة عائلة، وتلقوا الدعم من فاعليات المدينة ومعظم نوابها، وانخرطوا في ست لوائح بعضها مكتمل وبعضها الآخر ناقص، ما عدا المنفردين الذين أعدّوا لوائح مركّبة تجمع بين الأضداد، على امل ان يكون لهم نصيب في عضوية المجلس البلدي 24 عضواً، ويفترض مراعاة تمثيل الأقليات. ويعكس ارتفاع عدد المرشحين الذين فاق المرشحين في سائر البلدات الشمالية، مدى احتدام المنافسة بين ثلاث لوائح قوية، الأولى مدعومة من رئىس الحكومة السابق النائب عمر كرامي، والثانية من المستقلّين وخصومه من النواب وتيار رئيس الحكومة رفيق الحريري، والثالثة ضمّت مرشحين عن "الجماعة الاسلامية". وتضاف اليها ثلاث اخرى غير مكتملة. واستحضر كرامي اسم الحريري، وخاض المعركة بشن حملة عنيفة عليه، متهماً اياه بالتدخل المادي والمعنوي لمصلحة لائحة المستقلين والاستعانة بماكينته الانتخابية في بيروت مع كل معدّاتها بالتعاون مع موظفي "اوجيرو" وبعض الضباط التابعين لسرية رئاسة الحكومة، مشيراً الى ان اثنين من التابعين لأحد الضباط من طرابلس اعتقلا وهما يعملان للائحة الحريرية وأرسلا الى المحكمة العسكرية. ولم يغب عنه تعليق صورة كبيرة لشقيقه الرئيس الراحل رشيد كرامي كتب عليها "وتبقى الكرامة قرارنا"، وتسيير السيارات التي حملت مكبرات صوت. واتهم كرامي الحريري بأنه "يريد مصادرة قرار طرابلس والهيمنة عليها". وكان لمندوبي تلفزيون "المستقبل" نصيبهم من الحملة التي تولاّها شخصياً. وفي المقابل لم يتنكر خصوم كرامي من النواب لعلاقتهم السياسية برئيس الحكومة، مؤكدين ان لتياره حضوراً في المدينة لا يستطيع احد تجاهله، ومعتبرين ان رئىس الحكومة السابق "وكعادته اراد ان يكبّر الحجر لتجاوز خصومه، واستحضر على عجل اسم الحريري، انما على الطريقة الكسروانية، ظناً منه انه يبقي هيمنته على البلدية". وأكدوا انهم "لم يفاجأوا على الاطلاق" بكلام كرامي "الذي عوّدنا توجيه كلام كبير الى الرئيس الحريري في الاحوال العادية، فكيف اذا كان يخوض معركة انتخابية ارادها ليثأر من النتائج التي اسفرت عنها الانتخابات النيابية عام 1996؟". ورأوا ان حديث كرامي عن رئىس الحكومة "لن يؤثر في مجريات العملية الانتخابية، ونحن سنحتكم الى الطرابلسيين ونترك للذين استهدفهم "الأفندي" ان يردّوا عليه". واللافت ان احضار الحريري الى طرابلس تلازم مع غياب الاحزاب عن ساحة المعركة، كأنها ارادت ان تمدّد لنفسها اجازتها التى مضى عليها سنوات، وباستثناء "الجماعة الاسلامية" التي نجحت عبر ماكينتها الانتخابية في ان تتحول قوة محورية، لجأت الى عقد اتفاقات مناطقية لتبادل الاصوات، لم يلحظ اي دور للأحزاب. وأدى غيابها الى اقحام الساحة الطرابلسية في صراع عائلي تولى رعايته معظم نواب المدينة اسوة بغالبية نواب الشمال الذين نزلوا او أنزلوا في المعارك البلدية لتعذر اتمام الاتفاقات الوفاقية. فالشمال يتمثل ب28 نائباً ولم يبقَ منهم معافى سوى قلّة، وقد ارادوا الوقوف على الحياد وفي طليعتهم جان عبيد وعصام فارس الذي نجح بالتعاون مع فاعليات بينو مسقطه في تجنيب البلدة معركة حامية. اما النائب العلوي احمد حبوس فأن سفره الى كندا قبل يومين من موعد الانتخابات لا يعني انه لم يتدخل فيها، في ضوء المعلومات التي تحدثت عن اتفاق ضمني بينه وبين منافسه الراسب علي عيد ونائب عكار عبدالرحمن عبدالرحمن، أدى الى تسمية ثلاثة مرشحين من العلويين على لائحة "الكرامة". وفتح التوافق العلوي، وهو الاول من نوعه في الشمال، الباب امام الدخول في اجتهادات لتفسير اسبابه وإن كان البعض يعزوه الى ان حشد المرشحين العلويين على لائحة "الكرامة" تدبير وقائي لا يحمل تبعات سياسية لضمان فوز مرشحيهم الذين يعتبرون من الاقليات اسوة بالموارنة والارثوذكس. وأصرّ النائب موريس فاضل، الذي لم يكن في جبهة واحدة مع رفاقه في "كتلة الانماء والتغيير"، مثل زميله حبوس، على القول انه يقف على الحياد بعدما ضمن من حليفه "الجماعة الاسلامية" تأييد المرشحين المسيحيين. وهكذا فان قلّة من نواب الشمال لم يجرحوا بالمعنى السياسي للكلمة من جراء خوضهم غمار البلديات، وإن كان هاجس الذين وقفوا على الحياد لعدم تمكنهم من التوفيق بين العائلات، شكّل الجامع المشترك الوحيد مع رفاقهم الذين نزلوا الى المعركة او استدرجوا اليها، وانطلقوا على هذا الصعيد من مخاوف ان يؤدي التشطيب الذي كان سيد الموقف الى اطاحة التمثيل المتوازن لكل المذاهب في طرابلس، على رغم انهم يثقون بالطرابلسيين ولا يصدقون ما نقل اليهم من "معلومات" عن ان البعض يقترع لمصلحة مرشحين من لون واحد. لذلك فان معركة طرابلس التي حشد لها اصحابها كل امكاناتهم، لم تتح لنواب المدينة الالتفات الى الانتخابات البلدية في الميناء حيث تنافست ثلاث لوائح ومنفردون كثر. وفي غياب التنظيم وتعطل اجهزة الكومبيوتر التي لم يألفها المزاج الشعبي الطرابلسي، فان الرئىس كرامي بدا في الظاهر انشط في البلديات منه في الانتخابات النيابية. ولكن يبقى الحكم النهائي لصناديق الاقتراع التي يرجح ان تحمل نتائجها مفاجآت لجهة حصول خروقات في كل اللوائح، يخشى من خلالها ان يؤدي تجدد الحرب على التمثيل السياسي للمدينة الى المجيء بمجلس بلدي غير متجانس.