ادهش الفريقين، التقليديين والحداثيين. ومن جراء الدهشة صدرت أحكام قاسية على نزار قباني من دون الإلمام بحيثيات القضية التي تبناها الشاعر الراحل. رأى بعضهم شِعرَ نزار بمنظور الجنس، فاعتبروه اخترق الحرمات، ولم يدركوا مُسلمة من مُسلمات الفِطرة الإنسانية: إن الرجل مصدر سعادة المرأة، والمرأة مصدر سعادة الرجل. وبما أن الرجل حاز الكثير متجاوزاً حقه في القِسمة، فقد حاول نزار أن يعوض المرأة بعض ما ضاع من حقوقها. إن المحرك الذي كان يوجّه العقل الباطن - أو شيطان الشعر - عند نزار قباني لم يكن جنسياً بقدر ما كان إنسانياً. كتب عن المرأة الأم والاخت والحبيبة والزوجة والابنة حتى أصبح شاعر المرأة بامتياز، وخلف عمر بن أبي ربيعة الذي لم يمدح إلا النساء. أما الحداثيون فقد عجزوا عن فهم واستيعاب الظاهرة النزارية، فالشاعر الراحل انتصر لعزة المرأة ودعا إلى المحافظة عليها ككائن بشري يكمل الرجل. وهذه النظرة تختلف عن نظرة الداعين إلى ابتذال المرأة وإذلالها وتحويلها إلى قطعة أثاث بإدعاء تحريرها. ولما عجز الحداثيون عن استيعاب نظرية نزار قباني هاجموه ورموه بالغرور والتكبر لأنه ترفّع عن الترهات ورد عليهم فاعتبرهم من أكلة أقمار الشعر، وهل أقمار الشعر إلا النساء؟ إن مدرسة نزار قباني في حاجة إلى دراسة علمية تتجاوز تعالي التراثيين وإسفاف الحداثيين، لوضعها في السياق التاريخي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي لأن الشعر تحصيل لما يعانيه الشاعر من آلام وآمال.