فتح الله ولعلو المشروع المغاربي والشراكة - الاورومتوسطية دار توبقال للنشر، الدار البيضاء 1997 250 صفحة لم يعد من الممكن للبلدان المغاربية، وغيرها، ان تخرج من مآزقها الاقتصادية والاجتماعية، وأن تتحرر من الاكراهات الضاغطة على تحركاتها دون ايجاد صيغ اجرائية للتعاون والتكامل، سيما في سياق عالمية الاقتصاد وشروط التجارة الدولية الحرة... الخ. قيل هذا الكلام في السابق حسب الظرفيات المتنوعة، وما زال يقال بطرق لم تتغير طيلة اكثر من ثلاثين سنة. فالاتحاد المغاربي ضرورة تاريخية. الكل مقتنع بهذا المطلب، لكن اغلب السياسات القطرية تناقض هذا المبدأ وتسير ضد ما يفترضه المنطق التاريخي، واقتناع النخب السياسية يتفاوت من قطر الى آخر، كما تحكمه دوافع داخلية وإقليمية. نجد من يدعو الى الاتحاد من منطلق عقائدي عام، وهو من اجل ذلك على استعداد لتجريب الوحدة مع أي بلد عربي أو افريقي، وهناك من يقول بالاتحاد لأسباب نفعية واضحة مع أي بلد لتوسيع مجاله الحيوي والاستفادة من عائدات انتقال الاستثمارات والخيرات، ومنهم من يرفع شعار الاتحاد المغاربي للاستهلاك الداخلي في الوقت الذي يسلك فيه سياسات انعزالية ويدعم فيه قوى الانفصال والتجزئة. كتب الكثير عن "المغرب العربي" من طرف باحثين وسياسيين اوروبيين او مغاربيين، بحيث يجد المرء نفسه امام ادبيات مختلفة المنطلقات والمقاصد، وقد تعمقت الكتابات في اواخر الثمانينات بعد التوقيع على معاهدة مراكش 17 شباط/ فبراير 1989 التي اعلنت تأسيس "اتحاد المغرب العربي"، خصوصاً ان هذا التأسيس اتى في ظرفية اقليمية وعربية داعمة، حيث انتقلت المجموعة الأوروبية، حينئذ، الى مستوى ارقى من التنسيق والاندماج، وكانت في حاجة الى مخاطب مغاربي موحد بدل مواجهة سياسات متفرقة ومواقف متنابذة، وعلى الصعيد العربي كان قد تركز وجود مجلس التعاون الخليجي، وقام مجلس التعاون العربي المكوّن من مصر والأردن واليمن والعراق، وقد استبشر الوحدويون خيراً بوجود هذه الصيغ العربية التعاونية، وعقدت من اجل فهم ظروف اقامتها وأنظمتها مناظرات وندوات، الى ان دخلت القوات العراقية في 1990 الى الكويت لينفرط مجلس التعاون العربي، ويتعرض مجلس التعاون الخليجي لتحد تاريخي، ويتجمد، شيئاً فشيئاً، اتحاد المغرب العربي. وفي ضوء اكراهات العولمة ومتطلبات المشروع الاورومتوسطي الذي خطط له الأوروبيون في برشلونة 1995 يجد المغاربيون انفسهم امام ضرورة اعادة تنشيط اطارهم التعاوني وإحياء مؤسساته ومنحها الاهمية المناسبة. في هذا الموضوع يطالب كتاب ولعلو، من منطلقات تاريخية واستراتيجية، باعادة الحياة لهذه التجربة الاتحادية، واقتراح "تحليل جديد لاشكالية البناء المغاربي بالنظر لرهانات نهاية القرن"، ويعتبر المؤلف ان المغرب العربي اذا كان يمثل طوبى في وقت من الاوقات، اي في ظرفية النضال ضد الوجود الاستعماري وبناء الدوة القطرية، فانه اصبح، في الفترة الحالية، "ضرورة حيوية لضمان الوجود"، لأن اعادة تنشيط هذا الاطار التوحيدي "سيمكن بلدان المنطقة من تدبير جماعي للتناقضات التي تخترق مجتمعاتها، ومواجهة تصاعد قوى الجمود واللاتسامح التي هي وليدة قصور في التنمية على المستوى الاقتصادي، وجمود على مستوى المحيط السياسي"، ولخلخلة حالة العطالة التي يعرفها "لا بد من التوصل الى حل للنزاعات المتراكمة والموروثة عن عقد الستينات". ترجع هذه الخلافات التي ادخلت المشروع المغاربي في "شبه غيبوبة" خصوصاً بين 1974 الى 1988 الى اعتبارات سياسية التناقضات بين الانظمة، النزاعات الحدودية، مشكلة الصحراء الغربية والى تضارب في الاستراتيجيات الاقتصادية اقتصادات متفتحة على السوق الأوروبية، كما هو شأن المغرب وتونس، وسياسة صناعية وإدارية غذاها وجود ريع نفطي مع مركزية دولتية كما هو حال الجزائر... الخ، غير ان ميلاد اتحاد المغرب العربي سنة 1989 تزامن مع "اعتبارات سياسية واقتصادية ساهمت في الانبعاث الجديد للمشروع المغاربي، منها الاكراهات الاقتصادية التي بينت حدود الاستراتيجيات الاقتصادية السائدة والتي تجلت بحدة كبيرة طوال الثمانينات، ثقل المديونية المغرب تقلص الموارد النفطية والجفاف تونس، انخفاض اسعار الهيدروكربونات وفشل استراتيجية التوجه الدولي - الريعي الجزائر... كما ان آفاق تطور علاقات الاقتصاديات المغاربية مع المجموعة الأوروبية ساهمت في دفع فكرة التعاون المغاربي داخل الاقطار المغاربية". وعلى رغم هذه المتغيرات استمرت الاعتبارات السياسية في عرقلة الجهود الوحدوية، سواء جاءت من داخل المنطقة او من خارجها، كالوضع السياسي والعسكري المتفجر في الجزائر او الحظر الجوي على ليبيا او مشكلة الصحراء، وهي مشاكل اججت خلافات الانظمة، ما دفع بالبعض الى الدعوة، علناً، الى تجميد مؤسسات الاتحاد المغاربي حتى تحسم الأمور يحصل هذا في ظرفية اقليمية وعالمية تفترض الانفتاح والتعاون والتكتل، وفي سياق تنفيذ بعض قرارات مؤتمر برشلونة الذي تتعامل فيه البلدان الأوروبية كاتحاد مع كل بلد متوسطي على حدة. ركز مؤتمر برشلونة على ثلاثة محاور، السياسي، الاقتصادي والمالي والاجتماعي الانساني. على الصعيد السياسي اوصى المؤتمر بضرورة خلق فضاء متوسطي يسوده السلم والاستقرار واحترام مبادئ حقوق الانسان والديموقراطية والتسامح الديني والثقافي، لكن الهاجس الأمني كان محدداً للتصور الأوروبي للمنطقة بسبب الهجرة والمخدرات والمد الاصولي، ويتمثل المحور الاقتصادي والمالي في انشاء منطقة للتبادل الحر أورو - مغاربية - متوسطية في افق سنة 2010، مع ما يستدعيه من تعاون اقليمي وتأهيل للمقاولة وتدبير للموارد، في حين ان المحور الاجتماعي والانساني فيتجلى في تشجيع التعاون بين فعاليات المجتمع المدني التي تتخذ من المرأة والشباب والتربية والعمل الدني والمدن انشغالاتها... الخ. وإذا كان مشروع برشلونة تبلور بسبب تحولات كبرى طرأت على الفضاء المتوسطي والعالم، على رأسها المؤتمرات الاقتصادية التي رعتها الولاياتالمتحدة الاميركية "للشرق الأوسط وشمال افريقيا" بالدار البيضاء وعمان، وكذا متطلبات العولمة التي فرزها "التداخل بين مسلسل تحرير المبادلات وتعميم التقدم التكنولوجي والتراجع عن تقنيات الانشطة الاقتصادية والجهوية"، وإذا كان الامر كذلك بالنسبة للأوروبيين، فإن التحديات المتعددة المفروضة على المغرب العربي، في نظر فتح الله ولعلو، تفرض على كل "مغاربي ان يضاعف مجهوداته لاصلاح وتحسين نمط سير نظامه الانتاجي ودمقرطة نظامه السياسي وتأهيل مكونات اقتصاده لرفع قدرتها التنافسية، لكن ستبقى كل هذه المجهودات بدون مفعول اذا بقيت سجينة الاطار الضيق للدولة الأمة او اذا ما تمحورت حول مقاربات ريعية جديدة"، وبمعنى آخر ان التعامل مع ما يجري في المنطقة والعالم من تحولات من منطلقات "ايديولوجية" تقليدية سيضيع فرصاً اخرى على الشعوب المغاربية. فتنمية البلدان في المستقبل لم تعد ممكنة من دون تعاون جهوي، لذلك يؤكد المؤلف على ان "المغرب العربي اصبح ضرورة لا يمكن تجاوزها"، على اساس النظر اليه "باعتباره مشروعاً مصلحياً" بكل ما يفترضه من "تجاوز للمواقف الضيقة والأنانية" والتوقف عن دعم التجزئة التي أساءت للمنطقة وشكلت "مصدر اضعاف وتقزيم للكيانات القطرية وللمغرب العربي". والمؤلف، على هذا الصعيد، في غاية الوضوح، اذ "بدون حضور المغرب والجزائر يداً في يد داخل المشروع المغاربي لن يتمكن هذا الاخير من التقدم، كما ان التقارب الضروري بين القطرين هو الكفيل بتمكين المغرب العربي من مواجهة المشاكل والتناقضات الثقافية والمجتمعية التي تخترقه وتحول دون استقراره". للاحاطة بمقومات "المشروع المغاربي والشراكة الاورومتوسطية"، تناول الباحث قضايا تأسيسية في ستة فصول تهم الاطار المؤسسي لسياسة التجارة الخارجية لبلدان المغرب العربي، والتجارة الخارجية بين - المغاربية، والاتفاقيات التجارية والتعريفية المغاربية وتطور العلاقات الأوروبية المغاربية والتفاعلات بين منطقتي التبادل الحر المغاربية والأورومتوسطية، لينتهي في الفصل الاخير بصياغة سبع عشرة اطروحة حول العلاقات الأورو - مغاربية تمثل خلاصة تجربة علمية وسياسية عاشها المؤلف طوال ما يقرب من ثلاثين سنة.