اعتاد الرئيس الاندونيسي الجديد بشارالدين يوسف حبيبي ان يتوقف في السعودية كل ستة اشهر تقريباً عندما يكون في رحلة عمل الى أوروبا وذلك ضمن مهامه القديمة راعياً للصناعة التكنولوجية المتقدمة في بلاده. سبب زياراته المتكررة هو "إعادة شحن بطاريته" كما قال مرة لمراسل "الحياة" في جدة. وهو كما يقول، يعمل ساعات طويلة ويختلط بصالح الناس وفاسدهم لذا "تنخفض بطاريته الايمانية" فيأتي للديار المقدسة لإعادة شحنها. في هذه الرحلات المتكررة، أصبح لحبيبي أصدقاء في السعودية يحرص على ان يزورهم واحياناً يدعوهم لزيارته في بلاده "البعيدة" ولكنها ذات امتدادات تقربها من السعودية بحكم وجود عائلات سعودية عدة من أصول اندونيسية، خصوصاً في مكةالمكرمة. وكان حبيبي يحرص ان ينقل لمحدثيه السعوديين صورة اخرى عن بلاده غير الانطباع السائد، فغالب الاندونيسيين الذين يحتك بهم السعوديون هم العمالة البسيطة من خدم وسائقين. وبالتأكيد ليست هذه اندونيسيا التي يريدها حبيبي، لذا كان يحرص على دعوتهم الى بلاده، خصوصاً لزيارة مصنع الطائرات الذي اسسه في باندونغ وصنع فيه طائرة بالكامل. وأصبح هذا المصنع أحد مواضيع انتقاد صندوق النقد الدولي الذي اعتبره صورة عن "تبذير لا تحتاجه اندونيسيا الفقيرة"! ويروي الدكتور عبدالقادر طاش الصحافي السعودي المعروف عن زيارة خاصة قام بها لاندونيسيا واتصل خلالها بالبروفسور حبيبي الذي طلب منه أولاً زيارة مصنع الطائرات وأرسل له طائرة هليكوبتر تنقله الى باندونغ. "ذهلت بالذي رأيته"، يقول الصحافي السعودي: "وجدت نفسي في مصنع متطور تماماً والاجهزة الالكترونية تنتشر في كل مكان وأجزاء الطائرات تتجمع على مساحات واسعة، بينما يعمل نحو 16 ألف مسلم ومسلمة بانضباط شديد. فشعرت بالفخر وفهمت عندها ما كان يتحدث عنه حبيبي في لقاءاته ومحاضراته". في لقائه القديم مع "الحياة" تحدث حبيبي من دون حرج عن "التكنولوجيا الحديثة كجهاد اسلامي جديد" في مواجهة الهيمنة الغربية. ويقول: "أرادوا ان يقنعونا بأن التقدم والاسلام لا يتفقان لذلك أنا حريص ان يؤدي جميع العاملين في مصانعنا الصلاة من دون ان يتعطل العمل. والتجربة قائمة وناجحة". غير ان حبيبي الذي يحظى باحترام الاسلاميين داخل اندونيسيا وخارجها لا يبدو بينهم "اسلامياً تقليدياً"، ذلك ان له شخصيته وآراءه المميزة، فهو يتحدث أكثر عن الاقتصاد واخلاقيات العمل، ولا يحب الحديث عن هموم الاسلام السياسي لتطبيق الشريعة. ويمكن القول انه صورة أخرى للزعيم الاسلامي التركي نجم الدين اربكان: وبين الرجلين مراسلات ويتابع كلاهما آخبار الآخر. الدكتور محمد عمر جمجوم الاستاذ بكلية الهندسة في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة يعرف حبيبي وشارك معه في الإعداد للمؤتمر الأول لمنتدى العلماء المسلمين الذين حضره نحو 500 عالم مسلم، فيقول: "كانت فكرة حبيبي وطورها اثناء لقائه بعلماء مسلمين في مكةالمكرمة. وأرادها جمعية مستقلة تعتني بالعلماء المسلمين وتشجع العلم ونقل التكنولوجيا بين المسلمين، واعتقد انه لن يتخلى عن مشروعه هذا وسينميه اذا استقرت له الأمور في اندونيسيا". ويقول جمجوم ان نظرية "القيمة المضافة" تسيطر على حبيبي، فهو يرى ان الغرب خصوصاً بعد اعتماد النظام الاقتصادي الجديد الممثل في اطرق حرية التجارة، يريد من الدول الفقيرة ومعظمها دول اسلامية، ان تكتفي بتوفير المادة الخام وفي حال معالجتها، تقتصر المعالجة على ما يتناسب مع احتياجات الغرب الذي يحتكر الصناعات المتقدمة. لذا يرى حبيبي ان من الخطأ ان يتخلى المسلمون عن التكنولوجية المتطورة.