بعد غد تُعقد في القاهرة ندوة مكرسة ل "حوار عربي - كردي" يتوقع أن يشارك فيها وفدان يمثلان الحزبين الرئيسيين في كردستان العراق، الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني والديموقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني. الندوة دعا اليها وينظمها السياسي أحمد حمروش الذي يرأس اللجنة المصرية لمنظمة التضامن الأفروآسيوي. ولعله كان الأصح تسميته ب "حوار مصري - كردي" طالما أن المشاركين في الندوة يكادون يقتصرون على مصريين وأكراد. فإضافة الى الوفدين الكرديين، اللذين يضم كل منهما نحو 15 عضواً ضمنهم مستقلون وممثلون لأحزاب كردية غير حزبي بارزاني وطالباني، وجهت الدعوة أيضاً الى نحو 70 شخصية مصرية. لعل الحوار كان أكثر نفعاً لو كانت الندوة عربية - كردية بالفعل طالما - وهذه مفارقة - أن هذه هي أول مرة تستضيف فيها عاصمة عربية ندوة مكرسة ل "حوار" عربي - كردي. لكن الأكيد أن اختيار القاهرة مكاناً لهذا اللقاء له أهميته ومغزاه كونها العاصمة العربية الأولى من جهة، ومن جهة اخرى كانت القاهرةالمدينة التي شهدت صدور أول صحيفة كردية باسم "شمس كردستان" وهي مناسبة احتفل الصحافيون الأكراد بمرور 100 سنة عليها في الثاني والعشرين من الشهر الماضي. ويأتي موعد الندوة مناسباً كي يثير الأكراد المآسي التي تعرضوا لها، وما زالوا، في ظل نظام الرئيس صدام حسين. فقبل أسابيع قليلة مرت الذكرى العاشرة لنكبة حلبجة، المدينة الكردية العراقية التي قصفتها قوات الحرس الجمهوري بأسلحة كيماوية، ما أسفر عن سقوط أكثر من خمسة آلاف قتيل خلال دقائق. ولعل الأكراد سيذكّرون أيضاً العرب بأن قصف حلبجة تم في إطار "حملات الأنفال" السيئة الصيت التي نفذتها قوات الحرس الجمهوري بين نيسان ابريل وايلول سبتمبر 1988، وأسفرت عن ابادة نحو 200 ألف كردي وتدمير ما لا يقل عن خمسة آلاف من قراهم. عموماً هناك ضرورة واضحة لفتح حوارات في شأن القضية الكردية، يُشارك فيها سياسيون وأكاديميون ومفكرون ومثقفون عرب، خصوصاً أن كثيرين من هؤلاء يجهلون حقائق أساسية عن الأكراد وتاريخهم وثقافتهم وتقاليدهم وأوضاعهم المأسوية الناجمة عن تجزئتهم وتوزعهم على دول في المنطقة تتضارب مصالحها القومية والاستراتيجية والأمنية، الأمر الذي يضع الشعب الكردي في موقع لا يُحسد عليه. ولعل صاحب الدعوة الى ندوة القاهرة السيد حمروش نفسه أقر ضمناً بهذه الأمور حين رد على سؤال مجلة "النور" اللندنية، عدد أيار/ مايو 1998 في شأن عدم دعوة أحزاب كردية غير حزبي بارزاني وطالباني الى الندوة بقوله: "لأن حوارنا يقتصر على الأكراد العرب". وزاد ان الندوة ستناقش "أسئلة شائكة من نوع هل الأكراد يمثلون قومية متميزة لها ثقافتها الخاصة أم هم فئة داخل المجتمع العربي لهم خصوصية تاريخية". والأكيد أن مهمة صعبة ستواجه الأكراد المشاركين في ندوة القاهرة. فهؤلاء عليهم أن يبرهنوا أموراً يعتبرونها بديهيةً ومسلماً بها، من نوع ان الأكراد ليسوا عرباً أو مجرد فئة داخل المجتمع العربي، بل يشكلون قومية متميزة وشعباً عدده حوالى 30 مليوناً وله الحق في تقرير مصيره. ومن الواضح عدم الاقرار بهذه المسلّمة سيجعل صعباً الخروج ب "النموذج المستقبلي الأفضل للأكراد"، وهو أحد الأهداف التي أكد حمروش أن الندوة تتطلع الى تحقيقها.