الكتاب: الأكراد والعلاقات العربية - الكردية المؤلف: عدنان المفتي الناشر: مركز المحروسة للبحوث - القاهرة - 1998 يأتي صدور كتاب عدنان المفتي "الأكراد والعلاقات العربية - الكردية" ليعيد الى الاذهان صدور أول صحيفة كردية في القاهرة قبل 100 عام في 22 كانون الثاني/ يناير 1898 وانطلاق أول بث اذاعي باللغة الكردية قبل ما يزيد عن 40 عاماً 1957 أيام الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، ومرور نحو 40 عاماً على استقبال عبدالناصر للزعيم الكردي الملا مصطفى البارزاني، الذي كان عائداً من منفاه السوفياتي متوجهاً الى بغداد بعد ثورة 14 تموز يوليو 1958. ويبحث كتاب المفتي العلاقات العربية والمصرية - الكردية بشكل خاص، التي عبّر جلال الطالباني عن تقديره لتطورها خلال زيارته الأخيرة 1997 للقاهرة بالقول: "لقد ناضلت شخصياً من أجل تعزيز العلاقات الكردية - المصرية منذ عام 1957، وتشرفت بمقابلة قائد الثورة الرئيس عبدالناصر وغيره من قادة الثورة مراراً… ويفرحني اليوم ويسعدني جداً ان أرى انتعاش واحياء هذه العلاقات الهامة" ص 12. يعدّ المفتي من الجيل الثاني للقيادات الكردية الذين أدركهم الوعي بعد قيام الثورة الكردية في ايلول سبتمبر 1961، وهو ما أعطى للكتاب ميزة جديدة اضافة الى آرائه وذلك من خلال المعلومات الغزيرة التي تجدها في ثناياه. فقد كان الكاتب مشاركاً في قسم غير قليل من الأحداث، مما يعطيه طابع الشهادة المسؤولة ذات النكهة الخاصة. وحاول المفتي ابداء قدر كبير من التوازن في تقديم القضية الكردية الى الوسط العربي والمصري الذي يخاطبه، بما تحلى به من براعة في الحوار وطول نفس في الاستماع الى الآخر. استهل المفتي كتابه الأول بنبذة تاريخية عن أصل الأكراد وهم من الشعوب الهندو - أوروبية ثم تناول ظهور الحركة الكردية منذ أواخر القرن التاسع عشر، مشيداً بأول حركة تحررية بقيادة الشيخ عبدالله النهري العام 1880 ضد الاحتلال العثماني، ومعرجاً على أول حركة كبرى قادها الشيخ محمود الحفيد 1919 في السليمانية. وبعد اختياره حاكماً لكردستان طلب من بريطانيا الاعتراف به، لكن ذلك لم يحصل بل تعرضت الحركة الكردية الى القمع على يد حكومة بغداد بمساعدة البريطانيين فتم "احتلال السليمانية" في 19/7/1924. ويقول المفتي مقيّماً ذلك: "ويبدو ان الانكليز استطاعوا بألاعيبهم ومكرهم الحاق كردستان الجنوبية بالعراق العربي" لا سيما وقد بدت بوادر الثروة النفطية الهائلة في مدينة كركوك. ويناقش المفتي موضوع الفيديرالية الذي أثار جدلاً لم ينقطع لحد الآن على صعيد الجبهة السياسية ناهيكم عن الجبهة الفكرية، فقد استثيرت حفيظة الدول الاقليمية بعد قرار البرلمان الكردي في 14/10/1993، مثلما استثير النظام الحاكم في العراق وبعض الاتجاهات السياسية والتيارات الايديولوجية في المعارضة الاسلامية والقومية العربية ص 31. ويحاجج المخاوف التي أثارتها جبهة المعارضة لقرار الفيديرالية فيقول انها "لا تستند في حقيقة الأمر الى وجود أية مخاطر حقيقية تحيق بالعراق وامكان تقسيمه او انفصال الجزء الكردي عنه…"، ويبحث في اسباب انيهار النظام الفيديرالي في عدد من الأنظمة الشمولية: الاتحاد السوفياتي ويوغوسلافيا وتشيكوسلوفاكيا، راداً على حجج الزاعمين بأن السبب يعود الى الفيديرالية. ويتناول المفتي بالمقابل موقف عبدالناصر الذي كان "شديد الحرص على الحل السياسي للقضية الكردية ضمن الوحدة العراقية ورفضه استعمال القوة العسكرية…". ويورد بعض الشواهد ومنها استقبال الطالباني في منزله بالقاهرة في 1963. وينقل عن الدكتور جمال الاتاسي ارتياح عبدالناصر من مذكرة الطالباني حول الوحدة الثلاثية بين مصر وسورية والعراق 1963 التي عكست التفهم المقبول لفكرة الحكم الذاتي او جعل كردستان اقليماً ضمن الجمهورية العربية المتحدة ص 45. ويتطرق الى موقف الرئيس السادات من القضية الكردية، ويعتبره امتداداً لمواقف عبدالناصر وقيادة ثورة يوليو، وهو ما يؤكده جلال الطالباني في محادثاته مع السادات العام 1970. كما ان الموقف ذاته لم يتغير في عهد الرئيس حسني مبارك الذي أبقى على الثوابت نفسها وهي: الحرص على تحقيق السلام وسلامة الوحدة الوطنية العراقية وتحقيق الحقوق القومية في اطار الدولة العراقية. ويشير الى لقاء عمرو موسى وزير الخارجية المصري بالسيد الطالباني العام 1997 على رأس وفد كردي الى القاهرة. ويخلص المفتي في هذا القسم من الكتاب الى استنتاج مفاده ان لا حلّ من دون ديموقراطية للعراق، ولكنه يتناول ذلك بصورة واقعية حين يقول: "… نحن جزء من العالم، علينا ان نعرف بأن العالم أصبح أكثر ترابطاً وقرباً من بعضه. علينا ان نعرف ان هناك تركيا وايران وسورية، وهناك أميركا وآخرون، وكلهم لهم تأثير على القضية الكردية وعلى العراق…" ثم يعقب بالقول: "نحن في وضع خاص واستثنائي. أميركا مهتمة بنا لأن هناك صدام حسين ونحن نهتم بأميركا ونستمع لوجهات نظرها ولا يمكن ان نتجاهلها وهي لها مصالحها مع دول المنطقة والكل لا يريدون اقامة دولة كردية". وفي ندوة اقامها مركز ابن خلدون باشراف الدكتور سعدالدين ابراهيم تحدث المفتي عن مشكلة الأكراد على مستوى الدول التي يعيشون بين ظهرانيها ومشكلتهم مع الحكم في العراق والمشكلة الكردية الداخلية. ومن زاوية الجيوبوليتيك قال المفتي: "ان العرب وبلدان الشرق الأوسط لا تريد مع الأسف ان تناقش القضية الكردية بصورة مستقلة من دون اطلاق العنان لمخاوف غير قابلة للمقارنة باسرائيل او بقضايا القوميات والطوائف المختلفة والمتعددة والمحرومة من حقوقها"… ولم يعف المفتي العقل الكردي هو الآخر من النقد، فقد اعتبره "كان متعصباً ولكن تطوّر" في اعتقاده للمزيد من الواقعية والانفتاح على الأقليات التي تعيش في كردستان. وهنا يقدّم المفتي نقداً ذاتياً جريئاً حول موقفه السابق من التركمان في بداية السبعينات الداعي لصهرهم وموقفه الحالي من التعاطف مع حقوقهم، فضلاً عن موقفه عندما كان المسؤول الحزبي عن مدينة أربيل للاتحاد الوطني الكردستاني قبل دخول القوات العراقية اليها العام 1996، كما أخبر كاتب هذه السطور ص 162. وفي الحلقة الفكرية التي أقامتها له منظمة التضامن المصرية باشراف وتقديم الاستاذ احمد حمروش تناول المفاوضات مع الحكم العراقي ووصولها الى طريق مسدود، وأكد على حق الاكراد في تقرير المصير، بما في ذلك "حقنا في اقامة دولة كردية مستقلة، فنحن ننتمي الى أمة يبلغ تعدادها اكثر من 40 مليوناً…"، وهذه المرّة ومن زاوية الجيوبوليتيك ايضاً شخّص المعوّقات بالقول: "… لكن في الواقع فإن اقامة الدولة الكردية تعني تغيير خريطة المنطقة وهذا أمر صعب، فقيادات الحركة القومية الكردية منذ تأسيسها تطرح حق تقرير المصير في اطار العراق الموحد" ص 173 ان كتاب المفتي وإن كان الأول، لكن جمع المراس والخبرة السياسية والقدرة على التفكير والحوار طيلة ثلاثة عقود ونيف، وهي عقود التهاب القضية الكردية وهو محاولة لاضاءة جزء مهم بحاجة الى المزيد من الحوار والجدل. وبالمناسبة فالمفتي وعمر بوتان الحزب الديموقراطي الكردستاني هما طرفان في اللجنة التحضيرية للحوار العربي - الكردي التي تستعد لتنظيم حوار واسع باشراف احمد حمروش ولجنة التضامن المصرية وهو الحوار الثاني بعدالحوار العربي - الكردي الذي جرى في لندن في العام 1992 في اطار المنظمة العربية لحقوق الانسان.