جاكارتا، سيدني، واشنطن - رويترز، أ ف ب - رقص الطلاب فوق سطح مبنى البرلمان الاندونيسي وغطسوا في النوافير، فرحاً أمس الخميس، عندما اعلنت عبر مكبرات الصوت استقالة الرئيس سوهارتو الذي انهار حكمه بعد 32 عاما من الديكتاتورية كقصر من الورق عندما وجد نفسه مجبرا على الاعتراف بهزيمته أمام "سلطة الشعب"، والاعلان عن انسحابه الفوري من الحكم، في شكل مهين، بعدما سحب الجيش الاندونيسي دعمه له بعد ثلاثة أيام من تأكيده انه لن يستقيل. ولكن الطلاب انقسموا في شأن تعيين نائب سوهارتو، بشار الدين يوسف حبيبي، خلفا له، إذ اعتبر بعضهم انه يجب ان يمنح فرصة في حين شجبه آخرون باعتباره من اعمدة النظام القديم. وتوعد البعض باستمرار احتلالهم للبرلمان الى أن يجتمع مجلس الشعب الاستشاري وهو الجهة التي تنتخب الرئيس من اجل تعيين قيادة جديدة تماما للبلاد. ولكن بيانا صدر عن اللجنة المركزية للرابطة الاسلامية لطلاب اندونيسيا لم يصل الى حد مهاجمة حبيبي بل حضه على بدء الاصلاحات فورا. وجاء في البيان: "نطالب الرئيس الجديد بتنفيذ اصلاحات كبيرة في أسرع وقت ممكن ... نأمل ان يبني الرئيس الجديد اسس ديموقراطية جديدة ومجتمع عادل". وأكد وزير البيئة سودارسونو ان فترة حكم حبيبي ستكون قصيرة، وأوضح ان العسكريين اعلنوا تأييدهم له لانهم "رأوا من الحكمة قبوله كرئيس موقت". وتابع، في حديث الى شبكة تلفزيونية استرالية: "كان من المحتمل ان ينظر الى الامر على انه استيلاء عسكري على السلطة اذا تولى رئيس هيئة اركان القوات المسلحة الجنرال ويرانتو الحكم. وقال ايضا ان "الجدل في شأن توليه منصب نائب الرئيس كان واضحا حتى داخل حزب جولكار، الحاكم، لكن اخذا في الاعتبار الظروف الحالية يبدو انه طالما ان قادة القوات المسلحة مستعدون لتأييده فهو في موقف قوي الى حد بعيد". ريّس من جهة اخرى اعلن زعيم جماعة "المحمدية" الاسلامية المعتدلة أمين ريّس انه مرشح للانتخابات الرئاسية المقبلة في اندونيسيا وتوقع ان تنظم في غضون عام. وقال ريّس، الذي يتزعم ثاني منظمة اسلامية في البلاد عدد اعضائها 28 مليونا، ان حبيبي الذي خلف سوهارتو في الرئاسة لن يكون سوى رئيس انتقالي، وان انتخابات يفترض ان تنظم في غضون عام. واضاف: "نعم انني مرشح لهذه الانتخابات". ورحبت دول عدة باستقالة سوهارتو على رغم ان بعضها اعتبر الامر شأنا داخليا لاندونيسيا. واعرب الرئيس الاميركي بيل كلينتون عن ارتياحه الى الاستقالة معتبرا انها تشكل "بداية عملية تقود الى انتقال فعلي الى الديموقراطية في اندونيسيا". وقال في بيان مقتضب وزع على الصحافيين: "نعرب عن ارتياحنا الى قرار الرئيس سوهارتو الذي يوفر فرصة للبدء بعملية تقود الى انتقال فعلي الى الديموقراطية في اندونيسيا وفرصة للشعب الاندونيسي ليتحد من اجل بناء ديموقراطية ثابتة للمستقبل". حبيبي ويعتبر حبيبي بمثابة الابن الروحي للرئيس سوهارتو. وهو يبلغ 61 عاماً وكان يشغل منصب وزير البحث والتكنولوجيا، وكان الجيش سماه في شباط فبراير الماضي مرشحاً وحيداً لنيابة الرئاسة. وعندما عين في هذا المنصب اعلن انه مستعد ل "مساعدة الرئيس سوهارتو". وحبيبي، مهندس الطيران الذي درس في المانيا، معروف بنظرياته الاقتصادية غير المألوفة وبمشاريعه الاقتصادية المكلفة، خصوصا في مجال بناء مشاريع الملاحة البحرية او الجوية التي كلفت اندونيسيا المليارات. ويتولى حبيبي الذي يطلق عليه اسم "قيصر التكنولوجيا الاندونيسية"، مسؤوليات كبيرة في 24 شركة صناعية ومؤسسة حكومية. وابرز هذه المسؤوليات رئاسة شركة الصناعات الجوية الاندونيسية نوسانتارا ايركرافت اندستري ورئاسة الرابطة الاندونسية للمثقفين المسلمين. ويقول احد كتاب سيرته الشخصية، انه عمل 13 عاما في شركة "مسرشميت" الالمانية حيث كان مديرا لفرع الطيران. ولدى عودته الى اندونيسيا في 1974، عينه سوهارتو مستشارا لشؤون التكنولوجيا. وكان سوهارتو تابع عن كثب، وهو لما يزل ضابطا برتبة كولونيل في جنوب جزيرة سولاويزي التي يتحدر منها حبيبي، المسيرة المهنية لهذا المهندس الذي باتت تربطه به لاحقا علاقة وثيقة. وكان حبيبي يطلق على سوهارتو لقب "العبقري الخارق"، فيما كتب الرئيس المستقيل في سيرته الذاتية ان نائبه يعتبره "كأحد الاقارب المقربين". وشغل حبيبي وزارة البحث والتكنولوجيا طوال عشرين عاما. وكان تعيينه نائبا للرئيس مفاجأة كبرى لثلاثة اسباب، الاول انه من بين الشخصيات القليلة في دوائر السلطة في جاكارتا التي لا تملك ماضيا عسكريا، والثاني انه لا يملك قاعدة سياسية شخصية، والثالث انه ليس من سكان جاوا الذين يشكلون غالبية سكان اندونيسيا ويسيطرون على مرافق السلطة فيها.