توشك حكومة السيد أحمد أويحيى التي تشكلت في العاشر من حزيران يونيو الماضي على انهاء سنتها الأولى في الائتلاف الحكومي. وهي الحكومة الثانية التي رأسها أويحيى بعد حكومته الأولى التي شكلها في 31 كانون الأول ديسمبر 1995. ولا تستبعد المصادر الرسمية ان يدخل أويحيى تغييرات على حكومته الحالية بعد سنة على تشكيلها ويوسع المشاركة فيها لتضم أحزاباً أخرى مثل حركة النهضة والتجمع من أجل الثقافة والديموقراطية، علماً أن أويحيى أصبح عضواً في المكتب التنفيذي للتجمع الوطني الديموقراطي الحاكم، ويحظى بثقة الرئيس اليمين زروال على رغم اختلافات جوهرية مع طاقمه المستشار الوزير الجنرال محمد بتشين، والمستشار الاقتصادي عبدالمجيد بوزيدي. ويقول مراقبون ان بقاء أويحيى على رأس الحكومة، وهو من أهم الشخصيات النافذة في الرئاسة منذ كان "المهندس السري" لفشل المفاوضات التي أجرتها الرئاسة مع قادة جبهة الانقاذ الاسلامية، وأعلن عن فشله، وافشال التوقيع على "العقد الوطني" مع أحزاب المعارضة، مما يشكل "ورقة" لادارة الأزمة وليس حلها. وكشفت الأزمة التي نشبت هذا الاسبوع بين الغرفتين في البرلمان مجلس الشعب ومجلس الأمة عن خلافات جوهرية أثناء مناقشتها مشروع لم تقدمه الحكومة، مما يشير الى رجحان فشل أي مبادرة من داخل الغرفتين، ما لم تنطلق من الحكومة. لقد دفعت الحكومة المجلس الوطني، قبل تنصيب مجلس الأمة، الى طرح مشروع قانون يتعلق بتعويض النائب راتب. واستطاعت أن تضيق الخناق على الردود السلبية. وشكلت احالة القانون على مجلس الأمة فرصة لتصفية حساباتها مع أعضاء فيه أبدوا معارضة لسياستها، خصوصاً بعدما اعتبر المجلس الاقتصادي والاجتماعي الأرقام التي قدمتها الحكومة عن التنمية غير صحيحة، ملاحظاً وجود تضخيم للوضع الاقتصادي الذي يتدهور يومياً. وكان أول رد فعل هو أن أطرافاً في السلطة بعثت برسالة "تهنئة" الى المجلس الاقتصادي، مما أثار غضب رئيس الحكومة الذي حاول استغلال "قانون التعويضات"، لكشف حقيقة نواب مجلس الشعب. واستطاع ان يقنع رئيس كتلة الحزب الحاكم بتقديم تقرير مناقض لتقرير مجلس الشعب "يراعي المصلحة الوطنية"، ويقلص امتيازات النواب. وكان أول رد، هو سحب الكتلة النيابية للحزب ثقتها برئيسها السيد محمد الطاهر زغوب. ثم أصدر نواب جبهة التحرير بياناً تضامنياً مع الحزب الحاكم. وتأجلت أعمال مجلس الأمة ثلاث مرات، لإعداد تقرير ثالث يعطي "امتيازات" أكثر للنواب. وتم التصويت على قانون التعويضات بغالبية 123 صوتاً ومعارضة 12، وامتناع نائب واحد عن التصويت. ويمنح القانون النائب في الغرفتين راتباً شهرياً يصل الى ثلاثة أضعاف راتب رئيس الجمهورية، وحوالى 6 أضعاف إذا كان النائب ممثلاً للمهاجرين. وفي انتظار تقرير المجلس الدستوري من دستورية هذا القانون يبقى الصراع بين الحكومة والغرفتين مفتوحاً، وان اغلق مناقشته في الغرفتين موقتاً. وسجلت لجنة الصياغة النهائية ثلاث ملاحظات: اولا: ان التدخلات التي جرت خلال مناقشة القانون لا علاقة لها به. ثانيا: ان بعض التدخلات تحفظ عن بعض المواد. ثالثا: غالبية المداخلات أيدت النص بصيغته الجديدة من دون أي تغيير. وسجل المراقبون ان جانباً من مشكلة هذا القانون يكمن في أن الغرفة الأولى قدمته الى الثانية، قبل أن توضع آلية تحدد العلاقة بين الاثنين ومع الحكومة. وأظهرت المناقشات في مجلس الأمة اتهاماً صريحاً للحكومة بأنها وراء الأزمة بين الغرفتين، واستغرب أحد النواب وجود ممثل للحكومة بصفة خبير بينهم، وهي ليست معنية بالقانون. وذهب آخر الى اعتبار ما حدث مؤامرة لزعزعة المؤسسات المنتخبة، بحجة أن رقم 24 مليون الى 32 مليون اعطته الحكومة للصحافة. وقال عضو في المجلس عن حركة مجتمع السلم حماس ان الأزمة "محاولة لزرع الشك في المؤسسات المنتخبة بعد المساس بالمؤسسات العسكرية"، مؤكداً على أن الهدف من الأزمة هو "بسط نفوذ الهيئة التنفيذية على الهيئة التشريعية". وذهب الى القول ان الهدف هو "تضليل الرأي العام وتحويل انتباهه عن فشل الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية، لتضع مجلس الأمة كبش فداء". وتبادلت الأطراف الاتهامات متناسية أن الأزمة نجمت عن فقدان نص تشريعي يخوّل مجلس الأمة التعديل، ويحدد صلاحيات الغرفتين، والعلاقة بينهما وبين الحكومة. وبغض النظر عن هذا النقص في القوانين، فإن المؤسسات التشريعية حاولت استيعاب الأزمة، وتضييق الخناق على الأطراف المتبنية الحل الأمني، لكنها فشلت، نظراً الى فقدان ثقة المواطن بمؤسسات منتخبة يتقاضى اعضاؤها رواتب مقابل لقاء ناخبيهم أو اجتماعاتهم مع من انتخبوهم. وظهرت هذه الشريحة من النواب وكأن الأزمة لا تهمها في قرار اهتمامها بتسوية وضعها، والحصول على "حصانة" لمستقبلها، في ظل وضع أمني متدهور، وشرخ في اللحمة الوطنية يزداد اتساعاً، وغياب أي أمل لحل الأزمة التي قد تجد طريقها للانفجار مرة أخرى. والأهم في ظل هذا الوضع هو التنافس في الانتخابات الرئاسية المقبلة. فقد شرعت السلطة والأحزاب بالاستعداد منذ الآن للمشاركة في انتخابات السنة 2000 من دون مراعاة ما يعانيه المواطن في ظل صراع بين أطراف الظل في الجزائر.