"آل مكارم بين الأمس واليوم" عنوان المعرض المزدوج الذي يقام في صالتين من صالات غاليري "زمان": في الاولى لوحات الخطاط الشيخ نسيب مكارم تحت عنوان "ذكرى"، وفي الثانية 60 لوحة حروفية لابنه الفنان الدكتور سامي مكارم تحت عنوان "رقصة اللون والحرف" وذلك في سياق معارضه الحروفية السابقة التي يزاوج فيها بين الحرف واللون وسط ظلال راقصة تحاكي الوجود الانساني... وقصة آل مكارم مع الفن، قديمة، فالفن شأن اصيل في العائلة، فقد كان جد الشيخ نسيب فناناً كبيراً، كما كان والده فناناً أيضاً تشهد أعماله على رهافة احساسه ودقة تعبيره، وقد توفي في العام 1903. كما كانت زوجة الشيخ نسيب فنانة، وقد اخذ الاخير جمال الخط عن والدته التي تخرجت من مدرسة شملان الانكليزية، ونالت ميدالية ذهبية عن غير معرض لأعمالها اليدوية التطريز والترخيم. اما الشيخ نسيب فقد أبدع طوال سني حياته الفن الراقي وراجت أعماله الفنية المتنوعة في انحاء العالم العربي. ومعروف ان الشيخ نسيب، لُقّب بخطاط الملوك، وبلغ قمماً شاهقة بفنه المميز. واشتهر بالإضافة الى لوحاته الخطية الكبيرة، بأعماله الفنية الصغيرة، فقد كتب على حبة أرز قصيدة بلغ عدد ابياتها 30 بيتاً، وعدد كلماتها 287. كما صوّر على حبة أرز قلعة بعلبك كما كانت... وكما آلت إليه آنذاك. وسألنا الابن، الدكتور سامي عن صلة الفن التي تربطه بوالده الشيخ نسيب، فقال: "بين مكارم الجديد والقديم عدا عن صلة القربى، صلة فنية لا تفصم عراها، فأنا اعتز بكوني تلميذاً لوالدي، مع ان طريقتي في الفن تختلف عن طريقته. فقد كان هو خطاطاً كلاسيكياً، أما أنا ففنان في الحروفية، وهنا الفرق في الاسلوب. لكن الفن مهما اختلفت اساليبه يبقى واحداً في روحه. وكانت تربطني بالوالد رابطة الصداقة والمحبة، وهذا يتجاوز رابطة البنوة، حتى انني كنت اجلس معه لمدة ساعات طويلة لا اشعر بها بالملل وهو ايضاً لا يشعر بأي ملل. وعندما توفي العام 1971، أُصبت بشيء من الاحباط والحزن الشديد الى درجة انني اردت استعادته، فلم استطع! فحاولت استعادته من خلال فني. قبل ان يموت لم يعرف انني فنان. كنت اشعر باكتفاء فني به وبلوحاته، فلما توفي رأيت نفسي مجروراً لممارسة الفن، وكأنني بممارستي للفن استعيد الساعات التي كنت اقضيها مجالساً اياه، وكأن هذه اللوحات هي "التسجيلات" لهذا الحوار الذي ما زال يدور بيني وبينه كما كان في حياته". هذا عن عملية التكامل بينكما، فماذا بالنسبة إلى افتراقك عنه فنياً؟ - كما قلت، هو كلاسيكي وأنا لست كلاسيكياً، وقد جعلني اتقن بتعليمه لي الحرف العربي كلاسيكياً، وهذا هو سر انطلاقي بفني الحديث. اذ لا يمكن للفنان ان يكون متجدداً ويتبع الحداثة ما لم يكن يتقن الكلاسيكية، وإتقاني الكلاسيكية عائد اليه. وأستطيع القول انه كان في فنه، ينطلق من الحرف العربي مُجدِداً ومتجدداً. وحركة انطلاقه متوجهة الى العمق، الى الاعماق، الى التراث، الى الجذور، الى المصدر. في حين انني انطلق بالحرف العربي، ومن هذا الحرف العربي الى المستقبل، الى تجديد في الحرف ومزاوجة بينه وبين حركته وحركة اللون. وهذا ما كنت أعنيه عندما اصررت على أن يحوي هذا المعرض لوحات من بعض اعماله، وبعض اعمالي، حتى أُظهر هذا الخط المتكامل مع انقسامه الى اتجاهين متعاكسين. معرضك الحالي متابعة لمعارضك السابقة، وكأنك في خط مستقيم، في تصاعد مستمر، وكلها في سياق التجدد وفق منظور ربط الماضي بالحاضر وبالمستقبل، ماذا اضافت الحركة الصوفية الى فن الخط؟ - في الحقيقة، التصوف انما هو حركة من النسبية الى المطلق، حركة بمعنى آخر، من الوهم الى الحقيقة، وإن اردت هي حركة من الانا الى الانا الكبرى. لذلك فإنك ترى في هذه اللوحات، تجسيداً لهذه الحركة، فعندما يكون الانسان ما يزال في النسبي يكون حائراً لا يعرف طريقه، تتعربس الاشياء - إن صح القول - في قلبه وعقله ووجوده، حتى اذا ما تخلص شيئاً فشيئاً من الانا تخلص من الكثرة الى الوحدة فوضحت الأمور أمامه. لذلك ترى في هذه اللوحات كيف تبدأ اللوحة بهذا الازدحام لتنتهي بشيء من الاتجاه الصافي المستقيم الى اعلى. وكذلك نستطيع القول ان هذا هو اتجاه الفن الذي تكلمنا عنه اعلاه في قولنا انه خط مستقيم من الحاضر إما إلى الماضي أو من الماضي إلى المستقبل. وبهذا نرى ان الفن تخلص من الزمنية الآنية الى الزمن بمعناه الحقيقي حيث يتماهى هذا الزمن بالوحدة فيظهر وكأنه تعبير عن المطلق. والفن عندما يصبح عبارة للمطلق، يكون قد بلغ حقيقته او كماله...