سرت القشعريرة في أجساد الأطفال الغضة وهم يتسلمون المفاتيح الحديد العتيقة من أيادي أجدادهم التي زخرفتها خطوط الزمن ووقف شيخ جليل يحاول حبس دمعتين تجمعتا بمقلتيه وقال: "احتفظنا بمفاتيح بيوتنا نصف قرن وعليكم الآن تحمل الأمانة والسير باتجاه العودة. أما نحن فقد اقتربت ساعة الفراق، وها نحن نضع أمانة في أعناقكم أن توارونا التراب في أرضنا حيث ولدنا". وفي الذكرى الخمسين للنكبة الفلسطينية، في لحظة ضمت ثلاثة أجيال فلسطينية ذاقت مرارة اللجوء، حول المئات من أطفال مخيم الدهيشة مفاتيح بيوتهم الى رمز يشهد على مأساتهم، اذ لم تخل يد أي منهم من مفتاح وان كان خشبياً، ورفعوا الاعلام الفلسطينية واعلاماً سوداً حزناً على أرضهم التي فقدوها ورحل أجدادهم منها. وعلت صرخة من بين الأطفال الذين تجمعوا للمشاركة في مسيرة احياء الذكرى الخمسين للنكبة الفلسطينية "يا لاجئ يا فلاح... لا تسلم المفتاح"، وانطلق موكب الأطفال الذين ارتدوا الأسود وزينت صدورهم بأسماء قراهم ومدنهم المدمرة باتجاه الغرب في حركة تلقائية وكأنهم يردون على وصية جدهم الذي انضم اليهم في مسيرتهم معلنين عن بدء فعاليات احياء ذكرى النكبة. ولم يحبط عزيمة اولئك الأطفال الحاجز العسكري الاسرائيلي الذي يذكر على الدوام بمدى قرب الاحتلال حتى من مخيم اللجوء، لكنهم اضطروا للعودة "ولو الى حين"، كما قال واحد منهم لا يتجاوز عمره العاشرة. وتجمع الأطفال مرة أخرى حول أجدادهم داخل مخيم رمزي آخر أمام المخيم الكبير ليسردوا لهم تاريخ بلادهم ويحكوا لهم عن رغد العيش الذي كان يوماً فوق قراهم.