"الأراجوز" راحت أيامه. انتصر عليه التلفزيون بالضربة القاضية، وحوَّله الى ذكرى، بعدما كان يوماً وسيلة الترفيه الوحيدة لاهالي المدينة والقرية على حد سواء. كان صاحب "الاراجوز" يقف في اي مكان ليعرض ألعابه، فيتجمع حوله المارة من كل مكان منبهرين بذلك الفن القديم، والبسيط ايضاً، اذ تروي عرائسه القصص الشعبية التي يحبها الجميع، ومنها حسن ونعيمة وقيس وليلى، وعنتر وعبله وغيرها. واليوم يندر ان ترى الاراجوز في ميادين العاصمة او المدن الكبيرة، واقتصر ظهوره على النوادي وبرامج تلفزيونية مخصصة للاطفال. كان التلفزيون، الذي دخل مصر في الستينات، ومن بعده دور السينما التي انتشرت في أرجاء المدن، من اسباب انهيار صناعة الاراجوز، حتى انه لو ظهر في احد الشوارع ينظر اليه الناس بتعجب، ويتندرون على ما كان يحدث أيام زمان، وينصرفون الى اجهزة التلفزيون التي تتصل بالاطباق الهوائية في كل مكان ليشاهدوا ما يحدث في جميع انحاء العالم، شرقه وغربه. وعلى رغم الحصار الذي فرض على الاراجوز، فقد ظل متمسكاً بالحياة: أصبحت الموالد هي المكان الطبيعي - وتكاد تكون المكان الوحيد - الذي يستضيفه. "الحياة" تجولت في عدد من تلك الموالد لتتعرف على اسباب "الهجوم" الذي يتعرض له الاراجوز. في السيدة زينب التقينا جمعة السيد محمود 45 سنة ويملك عدداً من عرائس الاراجوز فقال: "تعلمت مهنة تحريك الاراجوز منذ صغري، لان والدي ايضا كان يعمل مع الاراجوز. رفضت التعليم، وتفرغت للسير خلف والدي في كل مكان يذهب اليه في الاحياء الشعبية والقرى. لكن حالياً اصبحت عروض الاراجوز لا تتم الا في المولد فقط، بعدما انفض الناس من حول الأراجوز مفضلين عليه التلفزيون والدش والفيديو، ولذلك اصبحوا ينظرون الى الاراجوز على انه موضة قديمة لم يعد لها وجود". واضاف: "أعجبني فيلم "الاراجوز" الذي قام ببطولته عمر الشريف، لانه جعل الناس تتعاطف مع هذا الانسان البسيط الذي يروي القصص القديمة"، كما انه يعتبر فيلم "الزوجة الثانية" لصلاح منصور وسعاد حسني وشكري سرحان من احسن الافلام التي قدمت الاراجوز بشكل واقعي. ويقول حمودة فرحان عبد الراضي 52 سنة ويعمل في المهنة نفسها: "أحببت هذه المهنة منذ صغري، وكنت اسير خلف الاراجوز في شوارع القاهرة، خصوصاً في الاحياء الشعبية. وكان الناس يتجمعون ليشاهدوا حكاياته فتعلمت المهنة، واشتريت ادوات تصنيع الاراجوز. وكنت اذهب الى كل مكان في مصر، من الاسكندرية شمالاً الى اسوان جنوباً، وكان الناس يقبلون عليه ويرحبون به ويدفعون اموالاً للشخص الذي يقدم لهم هذه العروض". أما مدبولي حسونة خليل 48 سنة فيقول "الاراجوز حاليا في مرحلة الانقراض، بسبب التطور الكبير الذي شهدته وسائل الاعلام. بعد انتشار الملاهي الحديثة في القاهرة، اصبح الاراجوز صناعة غير مرغوب فيها، ولذلك فهو يوجد في الموالد الشعبية فقط، حتى زبائنه من سكان المناطق الشعبية. اما اولاد الذوات فقد انشغلوا عنه بالدش والفيديو وغيره من وسائل الترفيه الحديثة".