المثل الشائع الذي يقول "الولد سر أبيه" لا يصح كما يبدو في جميع الأحوال. أحدث الدراسات العلمية عن طول العمر والعقل كشفت أن "الولد والبنت سر امهاتهم وجدّاتهم". ففي بحث أجراه العلماء عن سبب كثرة المعمرين في اليابان ظهر أن طول عمر اليابانيين يعود الى حمض نووي موجود في خلايا أجسامهم يُتوارث عبر النساء فقط. وأوضحت دراسة في الولاياتالمتحدة أن طول عمر البشر بالمقارنة مع الكائنات الحية الاخرى يعود الى عناية الجدات في تأمين الطعام للأحفاد. هذا الطعام الفائض الذي تؤمنه الجدّات ساعد البشر في التنافس على البقاء مع الكائنات الاخرى التي لا تهتم بتأمين طعام صغارها. و"الولد والبنت سر أمهاتهم" في ما هو أعظم ربما، في العقل. فقد دل أحدث الاكتشافات العلمية على أن ذلك الجزء من العقل الذي يحفظ اللغات ويخطط للمستقبل يرثه الصغار من الامهات، فيما يرثون الجزء الغريزي من العقل الذي يتعلق بشؤون "القلب" والعواطف من الأب. العزاء الوحيد الذي يمكن تقديمه الى الآباء طبعاً هو أن هذه الاستنتاجات تمت على أساس دراسات خاصة بالفئران. عزاء الى حين، لأن العلماء يرجحون أنه ينطبق على البشر أيضاً، ويحاولون العثور على دليل يعزز ذلك! نسل النساء طول عمر الشخص من طول عمر أمّه. رجحت ذلك دراسة يابانية اكتشفت علاقة طول العمر بحمض نووي يدعى "ميتوكوندريال" mtDNA موجود في خلايا جسم الانسان ويتم توارثه عبر النساء فقط. يقوم هذ الحمض النووي بالتحكم ببروتينات تحتاجها جزيئات جينية تدعى "ميتوكوندريا" mitochondria التي تعتبر مصانع الطاقة في الخلايا. فالانسان يرث الجينات التي تحدد صفاته من الوالدين بالتساوي باستثناء "ميتوكوندريا" التي لا تمررها الحيوانات المنوية خلال عملية التلقيح. لذلك فان جينات "ميتوكوندريا" التي يحملها كل انسان مصدرها الأمهات فقط. قام بالدراسة فريق علمي يرأسه ماساشي تاناكا في "معهد البيوتكنولوجي الدولي". نشرت النتائج في المجلة الطبية البريطانية "لانسيت". وظهر منها أن 62 في المئة من المعمرين في اليابان الذين خضعوا للدراسة يحملون في خلايا جسمهم طفرات في الجينات التي تتحكم بعمل "متوكوندريا". ويعتقد العالم البريطاني ستيف جاكسن في جامعة كيمبردج أن مثل هذه الجينات التي تتحكم بالعمر قد تعلمنا كيف نطيل أعمارنا. ويتوقع جاكسن أن تنتج عن الاكتشاف أدوية خاصة باطالة العمر. طعام الجدات وتربط دراسة أنثروبولوجية أميركية بين اهتمام الجدّات بتوفير الطعام للأحفاد وظاهرة طول عمر البشر. فالحيوانات تعيش عادة حتى الخمسين. وهناك علاقة بين حد العمر هذا وانقطاع الطمث لدى اناث الحيوانات. لكن البشر هم الكائنات الحية الوحيدة التي قد تعيش أكثر من خمسين عاماً بعد انقطاع طمث النساء. جرت الدراسة التي قام بها فريق علمي في جامعة يوتا في "سولت ليك سيتي" بين القبائل في تنزانيا. وظهر منها أن الجدات يواصلن جمع الطعام بكميات كبيرة تفيض عن حاجتهن حتى بعد انقطاع طمثهن. حافز الجدّات الى ذلك تأمين الطعام لأحفادهن غالباً وليس لأولادهن الذين لا يحتاجون اليها بعد بلوغهم سناً تتيح لهم الحصول على الطعام بأنفسهم. هذا الطعام الفائض ساعد البشر على التنافس مع الكائنات الحية التي يعتمد أطفالها على تأمين طعامهم بأنفسهم. وتدحض هذه النتائج نظريات تفسر طول عمر الانسان بنظام الاسر "النووية" التي تتكون من الوالدين والأطفال فقط. الاسر الواسعة التي تضم اضافة الى الوالدين والأطفال الجدات والأجداد والأعمام والأخوال لعبت في رأي الباحثين الدور الأساسي في تأمين مقومات البقاء للبشر وفرص العيش الطويل. عقل النساء وقدمت أبحاث قام بها عالمان في جامعة كيمبردج في بريطانيا أدلة على أن جينات الام تقدم مساهمة أكبر في تطور مراكز "التفكير" و"اتخاذ القرارات" في الدماغ. وأظهرت تجارب الباحثين المختصين بدرس تطور العقل والسلوك أن الجينات الموروثة عن الأب تلعب دوراً أكبر في تطور ما يسمى "العقل الحوفي" المسؤول عن العواطف. ومع أن الأبحاث جرت على الفئران فإن الباحثين أريك كيفين وعظيم سوراني يرجحان أن الجينات لها الأثر نفسه على البشر أيضاً. ويشير الدكتور سوراني الى أن بعض الأمراض التي يعود سببها الى جينات موروثة من الام تؤيد هذا التصور. وتذكر المجلة العلمية البريطانية "نيوساينتست" أن هذه النتائج أثارت ردود أفعال واسعة بين عدد كبير من الباحثين الذين يعملون في مجالات تمتد من الجينات حتى العلوم الخاصة بمسائل التطور النفسي. وأكثر المسائل إثارة للاهتمام تتعلق بما بينه البحث من أن جينات الامهات تقدم المساهمة الأكبر في ذلك القسم من الدماغ الذي يحظى بأكبر احترام من جانب المجتمع، وهو قشرة الدماغ المسؤولة عن المهارات الذهنية البالغة الحذاقة، مثل اللغات والقدرة على التخطيط بعيد المدى. وهذا القسم كبير جداً في دماغ البشر واللبائن العليا. وأظهر البحث أن جينات الآباء تساهم أكثر في تطور الأجزاء "البدائية" من الدماغ التي تطورت في مرحلة مبكرة من تطور الانسان. هذه الأقسام التي تقلص حجمها مع تطور الانسان تتحكم أكثر بالتصرفات الغريزية كالطعام والقتال والتكاثر.