بدأ الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان رحلة الى ثماني دول في شرق افريقيا ووسطها، وتشمل اثيوبياوجيبوتيوكينياوتنزانيا ورواندا وبوروندي وأوغندا واريتريا... فماذا في جعبة أنان؟ ابراهيم الضاهر يجيب: في ظل اكثر من مبادرة خارجية تحوم فوق القارة الافريقية من اجل تحسين قدرات الدول الافريقية في جزئية حفظ السلام، يجد الأمين العام للأمم المتحدة وهو الافريقي نفسه مواجهاً بطرح واضح من جانب قارته، يتمثل في ان مسؤولية حفظ السلام وصنعه في العالم بأسره تقع على عاتق مجلس الأمن الدولي. كما ان المبادرة الثلاثية الاميركية - الفرنسية - البريطانية المعروفة بالمبادرة الافريقية لرفع قدرات حفظ السلام قوبلت بحساسية مفرطة من عدد من الدول الافريقية المؤثرة، اذ اعتبرتها محاولة لشق الصف الافريقي، ان لم تكن محاولة لاعادة الاستعمار من النافذة، خصوصاً ان ثمة تحفظات حيال المبادرة ظهرت بعدما تسرعت اميركا وفرنسا في عقد اتفاقات ثنائية مع بعض الدول لتدريب قواتها، وهي بالتحديد اوغندا والسنغال قبل ان تفرغ افريقيا من مشاوراتها الجماعية حول المبادرة الثلاثية نفسها، ما حول الشك الى يقين عند بعض الدول، خصوصاً الجنوب أفريقية، بأن المسألة تخفي تحت الأكمة انتقائية ومعياراً تفضيلياً! ووسط هذه الاجواء كان منطقياً ان يتحرك الموظف الدولي الأول في العالم لتنسيق المواقف مع افريقيا عبر منظمتها القارية، وتحديد دور المنظمة الدولية في شأن عمليات حفظ السلام في القارة السوداء. وعندما اجتمع كوفي أنان في الثاني من أيار مايو في العاصمة الاثيوبية مع المسؤولين في منظمة الوحدة الافريقية لأكثر من ساعة، كان موضوع حفظ السلام على قمة اجندة المحادثات. واتفق الطرفان على اهمية تقديم المساعدة اللوجستية والمالية للدول الافريقية كي تجهز نفسها في مجال التدخل السريع عند نشوب الازمات والصراعات وعمليات حفظ السلام، خصوصاً ان للكثير من الدول الأفريقية سجلاً حافلاً بالمشاركة في عمليات الأممالمتحدة لحفظ السلام او فرضه في عديد من دول العالم، مثل غانا ونيجيريا وكينيا والسنغال... ولأن القارة الافريقية قالت كلمتها في شهر شباط فبراير الماضي من خلال المجلس الوزاري للمنظمة القارية في انها لا تقبل اي مبادرة من المجتمع الدولي حول حفظ السلام الا من خلال القنوات القارية، اي المنظمة الافريقية وجهازها المركزي لفض النزاعات، فإن الأممالمتحدة جاءت لمناقشة التنسيق من بوابة منظمة الوحدة الافريقية، بل اتفقت معها على اجتماع خبراء في حفظ السلام من الجانبين يضع الاطار العملي لتعاون المنظمتين في هذا المجال. ربما اختار كوفي أنان توقيت زيارته الافريقية الأولى من نوعها منذ تسلمه زمام المنظمة الدولية، ليتوافق مع العيد الأربعين للجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة في أديس أبابا، وليرمم الجسور المهترئة بين لجنته الاقتصادية لأفريقيا، ومنظمة الوحدة الافريقية في وقت اتجهت اجندة الاخيرة ومسؤولياتها نحو التكامل الاقتصادي، ما يدخلها في دائرة اختصاص اللجنة الاقتصادية لأفريقيا، الأمر الذي يتطلب مزيداً من التنسيق والتفاهم تفادياً لتضارب الاختصاصات او الازدواجية والتكرار. ومن ناحية ثانية لا يغيب عن بال أنان فشل الأممالمتحدة في الصومال وتخاذلها في رواندا مطلع التسعينات، وهذا تفسير اصطحابه السفير محمد سحنون المكلف ملف البحيرات العظمى، وديفيد استيفن المسؤول عن الملف الصومالي، لأنه يريد ان يكون تحرك الأممالمتحدة تجاه اقليم البحيرات العظمى، ومن الكونغو والكونغو الديموقراطية ورواندا وبوروندي، وتجاه الصومال منسجماً مع الرؤية الافريقية. وقد بحث انان الوضع في هذه الدول مع الأمين العام للمنظمة الافريقية وزاد عليه ببحث الوضع في السودان، خصوصاً الوضع الانساني المتردي في ولاية بحر الغزال بجنوب السودان. ويبدو ان الرجلين اتفقا على دعم مبادرة المنظمة الحكومية للتنمية ومكافحة الجفاف "ايغاد" حيال السودان والصومال معاً، ويفسر هذا زيارة أنان الى جيبوتي حيث مقر منظمة "ايغاد" وبعدها زيارته الى كينيا التي تدير لعبة المفاوضات بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان. لماذا يذهب كوفي انان الى أروشا ثم دار السلام في تنزانيا؟ باستقراء بسيط نجد ان أروشا تشهد هذه الأيام المحكمة الدولية التي تحاكم المتسببين في مجازر رواندا في 1994، وهي محكمة ترعاها الأممالمتحدة وتمثل أول تجربة من نوعها في القارة الافريقية. وكان من حسن حظ أنان ان رئيس وزراء رواندا السابق أعلن في المحكمة الدولية مسؤوليته عن جرائم المجازر الجماعية. فهذا سهل مهمة الأمين العام في أورشا، لكن مهمته في العاصمة دار السلام لم تكن سهلة، لأنها تتعلق بالمقاطعة الاقليمية ضد بوروندي بقيادة تنزانيا، وتتعلق أيضاً باللاجئين الروانديين والبورونديين في معسكرات داخل الحدود التنزانية. والواقع ان تنزانيا، في تعاملها مع نظام العقيد بيويا في بوروندي، انما تنفذ مقررات قمة هراري في حزيران يونيو 1997 التي دعت الى محاصرة النظام العسكري هناك وعدم الافراج عنه الا اذا دخل في مفاوضات ذات مغزى مع الاطراف السياسية الاخرى، وأظهر توجهاً واضحاً نحو العودة الى الديموقراطية. كما ان تنزانيا تتحمل عبء استضافة لاجئين من دولتين مجاورتين لها، رواندا وبوروندي، في معسكرات تتم فيها متناقضات وتجاوزات، لكن لا ينقصها الجانب الانساني الذي يختلف الناس في تفسيره! وعلى هذا الأساس، فإن زيارة الأمين العام للأمم المتحدة لرواندا وبوروندي تكون مفهومة، ولا تحتاج الى تعليق او تفسير. بالمنطق نفسه، هل تعتبر زيارة أنان لأوغندا ذات صلة ومفهومة أيضاً؟ لأوغندا علاقة بالنزاع السوداني، لكن الأمين العام للأمم المتحدة هناك لأن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي اعتبرا اوغندا نموذجاً للطفرة الانمائية في افريقيا مثل غانا، وهي تجربة تستحق المشاهدة. لكن من الواضح ان أنان اراد الاستفادة من علاقة الرئيس موسيفيني برئيس الكونغو الديموقراطية لوران كابيلا، في تصفية سوء التفاهم بين الأممالمتحدة وكينشاسا حول فريق التحقيق في المجازر التي حصلت على أيدي قوات كابيلا خلال مسيرتها للسيطرة في البلاد، وشكل الموضوع ازمة وضعت نظام كابيلا في قائمة الدول التي تنتهك حقوق الانسان. يبقى سؤال محير: ما مغزى زيارة كوفي أنان الى اريتريا؟ وحسب تحليلات المراقبين انها أول زيارة لأمين عام للأمم المتحدة لدولة اريتريا التي انسلخت عن اثيوبيا في 1992، وهي تمثل تجربة غير مسبوقة... وبهذه الرؤية يمكن الاستنتاج بأن الزيارة ذات صلة بصراع اريتريا واليمن حول جزيرة حنيش الذي تنظر فيه محكمة العدل الدولية... فنحن لا ننسى ان من مهمات ومسؤوليات الأمين العام للأمم المتحدة اطفاء الحرائق في كل اقاليم العالم... وأفريقيا جزء من ذلك العالم.