رفع قرار اتخذته قاضية فيديرالية في ليتل روك ولاية اركنساو الاميركية مساء الأربعاء، كابوساً ثقيلاً عن ظهر الرئيس بيل كلينتون الذي كان يمضي الساعات الاخيرة في جولته الافريقية في السنغال. وتبدلت الاجواء السياسية والقانونية في العاصمة الاميركية نتيجة القرار الذي رفضت بموجبه القاضية سوزان ويبر رايت النظر في الدعوى المدنية التي رفعتها بولا جونز أشهر امرأة في اميركا هذه الأيام على الرئيس كلينتون بتهمة التحرش بها جنسياً عندما كان حاكماً لولاية اركنساو عام 1991. ودعوى جونز على كلينتون أدت خلال الأشهر الماضية الى سلسلة من المشاكل للرئيس الاميركي خصوصاً بعدما تدخل فيها المحقق الخاص كينيث ستار الذي كان ينظر في تحقيق آخر يتعلق بقضية اكثر تعقيداً ومن ممارسات آل كلينتون في شركة عقارية تسمى "وايت ووتر". وأرفق ستار تحقيقه بتهمة اخرى ذات مضاعفات جنائية مرتبطة بشهادة للرئيس كلينتون نفى فيها وجود علاقات جنسية بينه وبين متدربة سابقة في البيت الأبيض هي مونيكا لوينسكي التي نافست بولا جونز على الشهرة في "ادغال" الاعلام الاميركي في قضية تحولت "فولكلوراً شعبياً" يمس صدقية الرئيس. وبين لحظة وأخرى، تجاوزت الادارة الديموقراطية في البيت الأبيض سلسلة اخطار تحاصرها، أقلها خطر تحول كلينتون الى "بطة عرجاء"، بسبب مشاكله القانونية، او احتمال محاكمته من قبل الكونغرس وإدانته في عملية دستورية نادرة تسمى "ايمبيشمانت". وتميزت تعليقات البيت الأبيض وتصريحاته بتحفظ بارز، خصوصاً وان العقبات والصعوبات التي تواجه الرئيس الاميركي لم تنته كلياً. فالمطبات لا تزال قائمة ولو تضاءلت. اذ سرعان ما تحرك محامو بولا جونز ومؤسسة "روثرفورد" الجمهورية المحافظة التي تبنت قضية جونز وأعلنوا عزمهم على استئناف قرار القاضية رايت. وسارع المحقق ستار الى اصدار بيان يؤكد فيه عزمه على متابعة تحقيق في الموضوع الجزائي المتعلق بقضية لوينسكي ليرى اذا كان الرئيس كلينتون قدم شهادة زور مفادها انه لم يقم اي علاقات جنسية مع الشابة المتدربة سابقاً في البيت الأبيض، الامر الذي يشكل جريمة في حال ثبوته. والجدير بالذكر ان في حوزة المحقق ستار تسجيلات رسمية اجراها مكتب التحقيق الفيديرالي تحتوي على تصريحات للوينسكي مفادها انها اقامت علاقة جنسية مع كلينتون علماً انها نفت في شهادة رسمية لها ان تكون قد أقامت علاقات معه. وصحت توقعات روبرت بينيت محامي الرئيس كلينتون وهو من اشهر المحامين الاميركيين بأن القاضية رايت سترفض النظر في الدعوى لعدم كفاية الدليل. وبالطبع كان أول اتصال هاتفي اجراه المحامي هو مع موكله الرئيس كلينتون في داكار السنغال. فلم يجده، فترك رسالة بضرورة الاتصال به. وبالفعل، والكلام للناطق باسم البيت الأبيض مايكل ماكوري، اتصل كلينتون ببينيت وسأله اذا كان يمزح معه بنقل الخبر السار وان ما يقوله ليس سوى "كذبة اول نيسان". وأكد له بينيت ان ما يقوله صحيح. فشكره الرئيس كلينتون على جهده وأبدى ارتياحه لقرار القاضية وللحجج القانونية التي قدمها المحامي. وقال ماكوري ان الرئيس كلينتون شارك زوجته هيلاري الأنباء الطيبة وكانا مرتاحين ثم قررا الخروج للتسوق. وشدد ماكوري على القول ان الرئيس الاميركي يركز على القيام بعمله كرئيس ولا يريد ان تؤثر الأنباء على نشاطاته، وان قرار القاضية اظهر صحة كلامه وأنه لم يفاجأ كلياً بالأنباء. وأعلن المحامي بينيت في تصريحات الأربعاء عن ارتياحه لقرار القاضية رايت ورأيها القانوني. وقال ان المرافعة التي قدمها لرد الدعوى كانت قوية سواء لجهة الوقائع او لجهة القانون "ومن الواضح ان القرار كان صائباً وان من الواجب الاشادة بالقاضية رايت لاتخاذها القرار الصحيح بغض النظر عن الاجواء السياسية المحيطة بالقضية. وكان قرارها صائباً قانونياً وصائباً في الوقائع...". وجاء قرار القاضية الفيديرالية في 39 صفحة واعتبر في الأساس ان دعوى بولا جونز مردودة كونها لم تتمكن من اظهار وجود "تحرش جنسي" من جانب "الحاكم كلينتون". وأضافت رايت انه في الوقت الذي تعتبر فيه المحكمة ان المدعية عرضت اتهامها فانها "لم تجد في تصرفات الحاكم كلينتون ما يشكل جريمة جنسية". وان اتهامات المدعية جونز لم تثبتها الوقائع التي يتطلبها القانون في اركنساو، وان جونز فشلت في اظهار تضررها من الحادثة التي حصلت في أحد فنادق ليتل روك، مشيرة الى ان تصرفات كلينتون قد تكون تشكل فعلاً سيئاً، فان الوقائع لم تظهر اي دليل على وقوع جرم. واستأثرت الأنباء الجديدة عن تطورات قضية جونز باهتمام الرأي العام ووسائل الاعلام. وحظي الخبر ومضاعفاته بأولوية كبيرة وتقدم شبكات الاخبار التلفزيونية والصفحات الأولى من الصحف الاميركية. وانهمر سيل التعليقات المؤيدة للقرار والاخرى المعارضة له، كل حسب اهوائه السياسية. لكن الواضح انه رغم رفع الكابوس ولو موقتاً عن الرئيس كلينتون فان مشاكله لم تنته حتى الآن فسيستمر معارضوه في حملاتهم وسيقدم محامو جونز استئنافاً لكسر قرار القاضية رايت. وبالطبع ستتدخل السياسة في القانون والقانون بالسياسة. وبالفعل ظهرت مخاوف في اوساط الديموقراطيين من أن تلعب السياسة دوراً لدى قضاة الاستئناف الفيديراليين خصوصاً اذا كانوا من الذين عينتهم ادارات جمهورية عندما سينظرون في طلب الاستئناف. وعكس تصريح زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ عندما أعرب عن مفاجأته بالقرار مؤكداً ان القرار لن يؤثر على التحقيق المستمر الذي يقوم به المحقق الخاص ستار في قضية وايت ووتر وتوابعها. وكان السؤال المطروح: هل انتهت مشاكل الرئيس كلينتون الداخلية؟ والجواب الذي يخرج به المراقبون هو نعم. ولكن المستقبل مرتبط بشهادة مونيكا لوينسكي. ذلك ان انتهاء مشاكل الرئيس مرتبط بالكلام الذي سيخرج من فم لوينسكي!