نحن أمام مسرحية حديثة، تقربنا من الواقع العادي... عنوانها "Closer". لا ترجمة بعد، لأن أضواء المسرح لا تزال مشتعلة، ولأن التناقض لا يزال قائماً بين الداخل والخارج. ويوم يكون الناس فيصمت الذهن عن أي نعت أو اضافة. حياتنا ردت إلينا. فهل هذا هو المطلوب من المسرح؟... حتماً لا اجابة قبل انسدال الظلام. نؤمن بأي حل لمشاكل العالم، لكننا لا نقبل التدخل في حل مشاكل شخصيات الخشبة. انهم جزء من أحلامنا. من التطورات التي نسير فيها فنصل الى نتيجة أو لا نحصل على شيء. صناعتنا ردت إلينا... يذكرنا الشيء بالشيء فنعيش الحياة بالصورة والتشبيه والتقريب. التجربة تأخذ وقتاً طويلاً، تستهلك طاقة، تستهلك حياة. اما عملية الفرجة فتؤكد اننا قد نسرّع "ميكانيكية" الحدث، من الصورة الى الخيال الى الواقع ثم الى النتيجة. وهكذا تسرع بنا مسرحية "تقارب". نحن أمام صيغة جاهزة مسبقاً... أمام جهاز مبني سلفاً. ومع ذلك نتفق سرياً مع أنفسنا ان ما نراه حقيقي وضروري لافادتنا. التبرير الوحيد لهذا أن عجلة الملل ستسرع بنا الى جهة من الجهات. نحن أمام القول وضد القول، وعندما قالت مرافقتي أنها لن تشاهد مسرحية بعد هذه، وفي ازدحام الاكتاف والرؤوس العريضة... وهل يجوز أن نستمع الى شخصيات تتحدث عن "أفكار" تجاوزناها. الا تقدم لنا المقاهي في سوهو أفضل من هذا التكرار والاجترار؟ لم يغرها أن المسرحية حصلت على أكثر من جائزة، ولقيت ترحيباً واسعاً من النقاد: أربعة أشخاص يدخلون في علاقات متبادلة... يكذبون على بعضهم البعض، ويحب الواحد الثاني ثم يخذله، ثم يعود إليه طالباً المغفرة... علاقات منكسرة ذات حدة وبريق وشظايا. تجاوب المتفرج يتوقف على أي من هذه يتلقى. إذا استبقت إليه الحدة فهو سيقلق على النفاق في المشاعر، وإذا وصل إليه البريق، فهو مع تجديد العواطف عندما يصيبها الصدأ، وإذا اصابته شظايا المسرحية فهو قريب من الحدث الى درجة عدم رؤية التفاصيل... وفي التفاصيل حياة بكاملها. لا أحد يريد أن يزايد على الكاتب في ما يريد أن يقوله في مسرحيته. لقد اختار شخصية تحترف العري في ناد ليلي ليعبر في أناقة وحوار سريع قصير عن مهزلة الحب في هذا العصر. لا أحد سيناقشه أيضاً في الموضوع، وقد خاض فيه مسرحيون من قبل. وعامة الناس تتحدث عنه مع وجبات الأكل... لكن، ما يظل ناقصاً هو أي جديد، وأي موقف، وأي صراع بين هذه سيدخل الوعي؟ النتيجة سلبية تماماً في هذه الناحية. لكن، تبقى المتعة، ويظل الاستماع قائماً حتى آخر صوت في الحوار... من السهل أن يتجه المرء في الطريق السلبي، خصوصاً إذا كان شاهداً معتاداً لتجارب متنوعة في شارع المسرح. الموقف يطل هكذا: اللقاء بين "أليس" و"دان" يتم صدفة عندما تداهمها سيارة تاكسي ثم يأخذها السائق للمستشفى حيث يتم التعرف عليها في مشاهد تفصيلية تعتمد غالباً السؤال والجواب... هو صحافي، وهي راقصة في ملهى. وأثناء التعارف يحضر الطبيب لاري لعلاج المرأة من جروحها أثناء الحادثة. يكتب دان رواية استقى أحداثها من حياة أليس فقد أصبحا عشيقين. ثم يلتقي المصورة "آنا" في ورشتها لالتقاط صورة رسمية له تنشر على غلاف الرواية. آنا تحب الطبيب لاري، لكن الكاتب يريدها لنفسه، إلا أنها تصد اغراءاته بحزم وبضعف في الوقت نفسه. وهكذا ينفتح باب العلاقة بين الشخصيات الأربع في الفصل الثاني. وما نشاهده بعد ذلك متوقع لدرجة أن المتفرج يكتب النهاية في رأسه وسط العرض. لكن، هل يلغي هذا صدقية المسرحية فنياً وأدبياً؟... هل المسرحية مجرد هيكل وحدث وجسد. ألا يدخل في الاعتبار المظهر، والألوان والموضة؟ هل تقاس المسرحيات بالحبكة أو الموضوع والشخصيات وحدها؟ أم أن هناك حركة أخرى تدخل في الاعتبار مثل التقويم الإعلامي، والاتجاه الذي يسير فيه الشعور المسرحي عموماً. من الأوصاف التي أغدقت على المسرحية انها تجس نبض التسعينات، وتصف حرب الجنس بين المرأة والرجل من منظر حديث معاش. لكنها لا تخرج عن لعبة العلاقة بين الجنسين التي انهكتها أفلام ومسرحيات منذ القديم. ما يوحي به الاقبال أن الكاتب باتريك ماربر عبّر عن شيء آخر في المسرحية، عن العنف في اللغة... فالحوار مليء بالكلمات المنحطة. ليس هناك عري لكن الكلام ساقط، يجعل الثياب تسقط في الخيال... لعلها تشبه مسرحية "آرت" التي تتخذ من لوحة تشكيلية مرآة تسلط عليها اختلافات شخصيات أربع وتكشف الظروف التي أثرت فيهم وكيف وصلوا الى ما هم عليه. غير أن "تقارب" تجعل من الحب شاشة اسقاطية لأفكار كل شخصية عن العاطفة، وكأننا نرى مسرحية برغمانية في لغة بذيئة. الا أن كلمة الحب هنا ليست بعيدة عن التحكم والسيطرة. ثم أنها لا تسلط الضوء على كيف يمكن تطوير وتحسين هذه اللعبة الانسانية. الكاتب من الوجوه "الجديدة"، أخرج المسرحية بنفسه في أسلوب "إنترنت" بعد أن انتقلت من المسرح الوطني الى التجاري، وهي نجاحه الثاني في شارع المسرح.