لماذا تعد شفافية الذكاء الاصطناعي ضرورية للأمن القومي؟    ترحيب وحذر أوروبي لمحادثات إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية    رفع نسبة الالتزام بالتغطية الصحية الإلزامية    لبنان بين ضربة الطبطبائي واستعدادات ما بعد الاغتيال    الاتحاد يتعرض لخسارة أمام الدحيل برباعية    كريم بنزيما يغضب من مساعد كونسيساو    إنقاذ فتى من رافعة شاهقة    حقيقة ليلة منتصف النهار    فصيلة الدم المعرضة لأمراض الكبد    آلية خفية تجدد الخلايا السرطانية    ليلة المقصية الذهبية: كيف أشعل رونالدو الصحافة العالمية؟    عبدالعزيز بن سعود يستقبل وزير الداخلية وزير مكافحة المخدرات بجمهورية باكستان الإسلامية    رئيس اتحاد التايكوندو: تكريم وزير الرياضة للأبطال يعزّز الدافع لمواصلة الإنجازات    المنظمة العربية للتنمية الصناعية توصي باعتماد إستراتيجية التكامل الصناعي العربي بصورة استرشادية خلال اجتماعها بمدينة الرياض    المركز الوطني للأرصاد يؤكد عدم تأثر أجواء المملكة برماد بركان "هالاي غويب"    الهلال الاحمر السعودي بتبوك يرفع جاهزيته إستعداداً للحالة الجوية المتوقعة على المنطقة    زايا تطلق مشروع أبفيدا في قلب الخبر بأعلى معايير الجودة العالمية    فيصل بن خالد يُعلن أسماء الفائزين بجائزة الملك خالد لعام 2025    بلدية الجبيل تنتهي من تنفيذ حديقة الجوهرة تعزيزا لجودة الحياة    هطول أمطار رعدية على بعض مناطق المملكة من يوم غدٍ الثلاثاء حتى الجمعة المقبل    تجمع الرياض الصحي الأول يعزّز خدماته التخصصية بتدشين مركز زراعة القوقعة في "سعود الطبية"    أمير منطقة جازان يتفقد سير العمل في وكالة الشؤون الأمنية بالإمارة    شراكة استراتيجية بين ميدل بيست و زين السعودية بهدف تطوير مستقبل الترفيه والموسيقى في المملكة    جامعة سطام تواصل صعودها عالمياً في تصنيف البحث العلمي البيني    لأول مرة في آسيا وأفريقيا... زراعة أصغر جهاز لتنظيم ضربات القلب لرضيعة بالرياض    محافظ الطائف يقدم التعازي لوكيل المحافظة البقمي    هيئة تقويم التَّعليم والتَّدريب تستعرض الرُّخص المهنيَّة للمدرِّبين في لقاء بجامعة أمِّ القرى    أمير تبوك يطلع على تقرير فرع وزارة الشؤون الإسلامية بالمنطقة    أتعبنا عقلك يا طارق    إحباط تهريب (214,650) قرصًا مخدراً    زيادة الإنتاج الأميركي من خارج الحقول الصخرية    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية ترصد ظهور النسر الأبيض الذيل    أكبر شراكة استراتيجية في العقد الجديد    بيئات العمل.. قراءة في مستقبل الصحة والسلامة المهنية    «أمانة جدة» تضبط 5 آلاف كجم من الأغذية الفاسدة    يايسله: متحمسون لمواجهة الشارقة الإماراتي في النخبة الآسيوية    كاراغار وعقدة حارس البوابة    حين يكون العطاء لغة وطن    ارتفاع طفيف بتكاليف البناء    انطلاق العروض المسرحية بموسم الرياض    جدة تستضيف مهرجان «ويكندز» للموسيقى    الانطوائيون أيضاً يصنعون النجاح    «الحج»:«نسك عمرة» منصة موحدة وتجربة ميسرة    الناهشون في جسد النجاح!!    بعد مقتل خمسة من كبار قادة حماس.. مناقشة المرحلة الثانية من اتفاق وقف النار بغزة    اقتحامات واعتقالات متصاعدة في الضفة الغربية    القطاع العدلي يواكب التحولات العالمية.. الصمعاني: الجودة القضائية ركيزة أساسية لجذب الاستثمارات    فرحة اسكتلندا بالتأهل للمونديال تسبب هزة أرضية    تحرك أميركي وشيك ضد فنزويلا    جيسوس: لا يوجد مدرب لا يخسر    وزارة الثقافة تحصد جائزة أفضل مشروع ثقافي في المملكة    الشحن السريع لا يضر البطارية    117 دقيقة مدة زمن العمرة خلال شهر جمادى الأولى    معوقات إدارة الجودة الشاملة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية ترصد أول ظهور للنسر الأبيض الذيل في السعودية منذ 20 عاما    افتتاح جامع المجدوعي بالعاصمة المقدسة    الشيخ فيصل غزاوي: الدنيا دار اختبار والصبر طريق النصر والفرج    العبيكان رجل يصنع أثره بيده    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القيروان وجامعها الأعظم
نشر في الحياة يوم 18 - 04 - 1998

لا تكتمل زيارة تونس الا بزيارة القيروان ومسجدها الكبير مسجد عقبة بن نافع الذي هو من أكبر المساجد القديمة في القارة الافريقية والأهم في تونس التي فيها أكثر من 200 مسجد رئيس، فلولا المسجد والحاضرة نفسها ما توافرت نقطة الانطلاق في اتجاه المغرب الأقصى ومنه الى الأندلس ثم الى فرنسا وربما كان التاريخ العربي والاسلامي غير ما هو عليه الآن. والقيروان كلمة ساقها ابن خالويه وقال ان معناها القافلة التي "تحمل أزواد قوم خرجوا لمحاربة أو غارة"، ووردت أربع مرات في تاريخ اليعقوبي.
والمسافة بين سوسة أو مرسى القنطاوي الأقرب الى الفندق النزل الذي نزلت فيه وبين القيروان نحو 60 كيلومتراً والطريق ذو اتجاه واحد في معظمه وان كان بعض اقسامه يخضع لاصلاحات وتوسعات ربما يتطلب الأمر أكثر منها، الا ان الرحلة باستعمال السيارات السياحية وان كانت هذه السيارات جديدة ومجهزة مضنية فهي تبدأ في الساعة السادسة والنصف صباحاً وتنتهي في حدود الثانية والنصف من بعد الظهر ويضيع معظم الوقت في تجميع الركاب وفرزهم حسب الجنسيات أي حسب اللغات التي ينطقون بها، كما يضيع وقت كبير في انتظار فراغ الدليل من الشرح لأهل لغة معينة الألمانية مثلاً قبل التركيز على الفرنسيين وربما كان الانكليز بعدهم، ويضيع وقت لا بأس به في شرح طويل عن سجاد القيروان.
ويدخل السياح صحن المسجد بأحذيتهم الا ان دخول الحرم محظور. الا ان رجلاً خيراً من المشتغلين في خدمة المسجد انتبه الى سحنتنا المختلفة عن رفاقنا السياح الأجانب ثم سأل فقلنا له اننا مسلمون والحمد لله لكنه تردد فتشاهدنا أمامه بالعربية وبقي فيه شيء من التردد فأسررنا اليه انه عندنا برهان آخر، فضحك وصحبنا في جولة في ارجاء هذا المسجد العظيم وأكثر الشرح اثابه الله خيراً. وفهمنا منه ان التعبد في مسجد عقبة يوازي عند بعض أهل تونس سُبع التشرف بزيارة المسجد الحرام، وأرانا بلاطات فوق المحراب قال ان الخليفة هارون الرشيد أهداها الى المسجد والله أعلم. ويبدو ان عدداً من أعمدة الصحن منقولة من اطلال المباني اليونانية والرومانية في تونس كما تدل عليها تيجانها. وفي بعض أعمدة الرخام الداخلية الملونة مستحاثات واضحة التكوين على غرار ما يراه الزائر في بعض أعمدة المسجد الأموي. وفهمنا من الدليل المتطوع ان الأبواب وما علاها من الزخارف البديعة جاءت من لبنان وهي مصنوعة من شجر الأرز والله أعلم.
المسجد الأعظم
وكنت جمعت مادة عن المدينة والمسجد من مصادر عدة الا انني عثرت على مادة أفضل بكثير أعدها السيد عبداللطيف علي ونعيد هنا نشر مقاطع منها:
بعد دخول عقبة بن نافع افريقيا تونس عام خمسين للهجرة، ابتدأ يخط فيها دار الامارة والمسجد الأعظم. وتوسعت المدينة بعد ذلك وأصبحت من أهم حواضر المغرب، واشتهرت بمسجدها الذي كان سطحاً متصلاً فيه جميع المتاجر والصناعات، وذلك بناء على توجيهات الخليفة الأموي هشام بن عبدالملك.
وتحتفظ القيروان منذ القدم بصورتها ونظامها، ويظهر المسجد الجامع جلياً واضحاً، بل ان صورة المدينة تأثرت بصورته. لكن منشآت هذا المسجد هدمت بعد عشرين عاماً من انشائها لعدم متانة هيكلها، وأعيد بناؤها وتوسيعها وفق خطة ارتآها هشام بن عبدالملك ما زالت قائمة حتى اليوم، على رغم التعديلات والاصلاحات التي تمت عليه لاحقاً.
الجامع مستطيل الشكل غير متساوي الأضلاع، طوله 126 متراً وعرضه 56 متراً، مؤلف من صحن وحرم، وتحيط الصحن ابعاده 67 متراً x 56 متراً أروقة مؤلفة من سبع عشرة معزبة قائمة على جدار المحراب، ومؤلفة من أقواس محمولة على أعمدة. والمعزبة الوسطى أكثر عرضاً وتتجه نحو المحراب الواقع في منتصف الجدار القبلي، وهي من دون اقواس حاملة. وتنهض فوق الحرم قبتان، واحدة في بداية المعزبة الوسطى عند المدخل، وثانية عند مصلبة المحراب. بالاضافة الى قبتين تعلوان مدخلي الحرم من الشرق والغرب. اما المئذنة فتنهض في منتصف الجدار الشمالي الغربي للصحن. على ان اتجاه القبلة يبقى منحرفاً عن سمت الكعبة، مع ان هاجساً دفع عقبة لجعله كذلك، ويعتقد بأن هذا الانحراف سببه تقليد الجامع الأموي الكبير الذي تتجه فيه القبلة الى الجنوب، وذلك شأن جامع الزيتونة وجوامع المغرب أيضاً.
وأضيفت الى الجامع زيادات بعد العهد الأموي، وتمت هذه في الحرم طولاً وعرضاً، فأدخلت القبة القائمة عند باب الحرم كما اقيمت أروقة الصحن. ولم يهدم الحرم، بل رمم وسُقّف وأقيمت فيه قبة المحراب والمحراب.
وما زالت أسوار الجامع وحرابه ومئذنته هي ذاتها منذ عهد عقبة بن نافع، حيث يقوم سقف الحرم على أقواس متجاورة ذات شكل حدوي على غرار أقواس الجامع الأموي في دمشق. وهذا النوع من الأقواس يضعف قوة الرفس ويجعل البناء أكثر مقاومة ويركز الاعتماد على العمود، عدا عن شكله الرشيق. وتقوم الأقواس على أعمدة مؤلفة من رأس وتاج ومن دون قاعدة، وتمتاز بقصر طولها، ولذلك أقيمت فوقها وسائد مكعبة وفوقها أقواس.
وأضاف المعمار الى تيجان الأعمدة قرماً خشبية كي تكون وسائد لينة. اما أروقة الصحن فتقوم على أقواس متجاورة أيضاً مرفوعة على أعمدة مزدوجة تعلوها وسادات مكعبة، وتدعم الأعمدة المطلة على الصحن عضادة ضخمة يعتمد عليها قوس معترض، وبهذا فإن الأروقة تكون محمولة على أقواس طولية وعرضية.
وتعتبر مئذنة جامع القيروان من أضخم المآذن الاسلامية وأجملها، وهي النموذج الأكثر وضوحاً والأقدم للمئذنة السورية المربعة، وهي بثلاثة أقسام: البدن، والرقبة المغلقة، والقبة القنديلية.
يبلغ طول ضلع المئذنة من الأسفل 10.6 متر، وارتفاع البدن مع الرقبة 25 متراً. اما القبة القنديلية فارتفاعها 7 أمتار. ومادة البناء المستخدمة كانت من الآجر في الأقسام العليا التي كسيت بالكلس، اما القاعدة فهي مؤلفة من ألواح حجرية ضخمة متساوية الى ارتفاع 3.5 متر. والأحجار التي تليها مستطيلة منتظمة التقطيع، علماً بأن سمك جدار المئذنة 3.5 متر عند الأساسات.
وتنفتح في واجهة البدن المشرفة على الصحن ثلاث نوافذ موضوعة فوق بعضها لتضيء سلم المئذنة اللولبي، وتعلو هذه النوافذ أقواس مغلقة حدوية الشكل. كما تنفتح في بدن المئذنة خمس فتحات اخرى ضيقة، ثلاث تطل على الواجهة الشمالية. وفتحتان على الواجهة الغربية. ولا يشك في ان هشام أوفد معمارياً شامياً لاقامة هذه المئذنة، لتكون على غرار المآذن الأربع في الجامع الأموي الكبير في دمشق، وأشهرها مئذنة العروس.
وتعود روعة الزخرفة في جامع القيروان الى بساطتها وبعدها عن الترف، وهي متداخلة مع الصياغة المعمارية لوظيفة الجامع. وتبدو الزخارف واضحة في المئذنة وبوابات الجامع، فثمة فتحات حقيقية أو وهمية ذات أقواس حَدويّة تقع فوقها زخارف شرافية. ونظراً الى الاضافات والتعديلات التي حدثت على الجامع يلاحظ اعتماد الزخارف الجديدة على تطبيق فني للصيغ النباتية كورقة العنب، أو على تطوير للأشكال الهندسية. وتتداخل هذه العناصر الزخرفية وتتناسق لتكون أروع التشكيلات.
وما نراه من ألواح المحراب يجعلنا نقف أمام تشكيلات رائعة تدل على مقدرة ابداعية خارقة أصبحت أساساً لفن المستقبل في المغرب العربي والأندلس. ويعتبر فن النحت لتيجان قبة المحراب أبرز تعبير عن بداية فن التاج ذي الطابع الاسلامي المستحدث.
ومن الروائع الأصيلة في جامع القيروان المنبر الخشبي المصنوع من خشب التيك، ويتألف من 11 درجة يحدها من الطرفين حاجزان هابطان يشكلان لوحين مؤلفين من مجموعات زخرفية مفرغة تحددها اطارات ومفاصل قائمة ومعترضة.
ولا بد من الاشارة الى الواح الخزف التي تغطي قسماً من محراب المسجد وترمز الى صناعة القيشاني التي كانت موجودة في تونس. يذكر ان تأثير المدرسة القيروانية في العمارة والزخرفة امتد الى أنحاء اخرى في المغرب والأندلس ونراه بصورة واضحة خصوصاً في جامع الزيتونة في تونس، الذي يشبه كثيراً جامع القيروان على رغم التعديلات الكثيرة التي اجريت عليه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.