صدق الشاعر العربي القديم الذي ادّعى أن حبيبته تفوح شذى حتى عندما لا تتعطر "كأن بها طيباً وإن لم تتطيّب". هذا الشذى، الذي يثير الوله في قلب المحبين مصدره مادة كيماوية طبيعية عديمة الرائحة. تلعب هذه المادة التي يطلق عليها اسم "فيرمون" phermones دوراً مؤثراً في العلاقات بين الناس وقد تكون مسؤولة عن مشاعر الحب والنفور الذي يشعر به أشخاص يلتقون لأول مرة حياتهم. اكتشفت باحثتان في علم النفس من جامعة شيكاغو في الولاياتالمتحدة وجود نوعين من الفيرمون تحت أبط النساء اللواتي خضعن للتجارب. يقوم نوع من الفيرمون بتطويل أمد الدورة الشهرية، فيما يقوم نوع ثان بتقصيرها. وتعتقد الباحثتان أن المركب قد ينفع في حفز حمل النساء العواقر، وربما يمكن استخدامه للتأثير على الوضع النفسي للناس وسلوكهم. وترجح الباحثتان الأميركيتان في تقرير نشر أخيراً في المجلة العلمية الدولية "نيتشر" Nature وجود أنواع اخرى من مادة الفيرمون قد تتحكم بالنشاط الجنسي وقيام الإلفة بين الأشخاص ونشوء المشاعر الجماعية وغير ذلك من الظواهر الاجتماعية. وقد يسّهل العثور على نوعين من الفيرمون الكشف عن أنواع اخرى. فيرمون الرغبة اكتُشف الدور الذي تلعبه مادة فيرمون في الجاذبية الجنسية بين الحشرات قبل نحو أربعة عقود. ووجد في وقت لاحق أنها موجودة لدى معظم الحيوانات وتنبعث من جسم اناث الحيوان عندما تتهيج جنسياً لاجتذاب الذكور. وأثارت "فيرمون" منذ ذلك الحين نقاشات حامية حول ما اذا كانت موجودة في جسم الانسان، وهل تلعب دوراً مماثلاً لدورها في العلاقات بين الحيوانات. وعلى رغم مسارعة منتجي العطور لطرح أنواع تحمل اسم "فيرمون" لم يثبت لحد الآن أنها تثير الجاذبية الجنسية. ويقدم تقرير الباحثتين الأميركيتين أدلة على وجود نوعين على الأقل من "فيرمون" في جسم النساء، ويعتقد أن الفرمون يلعب دوراً مهماً في الدورة الشهرية للنساء وربما في النشاطات الجنسية والعلاقات الاجتماعية عموماً. ويبين التقرير وجود نوع من كيمياء العواطف بين البشر على غرار ما هو موجود بين الحيوانات. وقد دلت الاكتشافات السابقة أن مادة الفيرمون التي تفرزها جرذان الهامستر تقرر الخيارات الجنسية لها وتعين الدور المسيطر لذكور الفيلة وتحدد وقت فطام الفئران الامهات لمواليدهن. ومعروف أن الفيرمون الذي تفرزه اناث القردة عندما تتهيج جنسياً يحفز الرغبة لدى الذكور. ولكن لم تكشف التجارب بعد عما اذا كان البشر يتأثرون بالفيرمون بنفس الطريقة التي تتأثر به الحيوانات. وكانت أول الاكتشافات التي قامت بها احدى الباحثتين قبل ثلاث عقود تقريباً بينت أن دورات العادة الشهرية تتزامن بين النساء اللواتي يعشن سوية في منزل واحد، أو النساء اللواتي تقوم بينهن علاقات شاذة. وخضعت للتجارب الجديدة 29 امرأة في أعوام ما بين 20 و35 سنة. ووضعت كمادات قطنية تحت إبط 9 من هاته النساء فترة 8 ساعات في المرحلة الاولى من الدورة الشهرية و8 ساعات في المرحلة الأخيرة من الدورة عند خروج البويضة من المبيض. ثم جرى تقطيع الكمادات أربع قطع وبللت بالكحول وجمدت. ويعود سبب تجميع مادة تحت الأبط بهذه الطريقة الى أن التجارب على الحيوانات بينت أن أنواعاً مختلفة من مادة الفيرمون تفرز في أوقات مختلفة. ثم قامت الباحثتان يومياً وعلى مدى شهرين بتشميم النساء العشرين الاخريات قطع الضمادات التي تحتوي على مادة الفيرمون المجمّعة. ولوحظ أن الضمادات التي جمعت في المرحلة الاولى من الدورة الشهرية عملت على تقليص فترة الدورة لدى 68 في المئة من النساء اللواتي تعرضن لها. على الضد من ذلك فان الضمادات التي جمعت في الفترة الأخيرة من الدورة خلال خروج البويضة من الرحم أطالت فترة العادة الشهرية لدى 68 في المئة من النساء اللواتي تعرضن لها. وطابقت نتائج التجربة الجديدة تواقت فترات العادة الشهرية الذي لوحظ بين النساء اللواتي يعشن في أقسام داخلية أو بين النساء اللواتي تقوم بينهن علاقات جنسية شاذة. ويدل هذا على أن البشر يملكون القابلية التي تملكها الحيوانات في التواصل بواسطة الفيرمون. ويعتقد أن هذه النتائج تذلل العقبات التي واجهتها الدراسات التي حاولت العثور على مادة الفيرمون في جسم الانسان. أنف الفيرمون والمعروف أن معظم الحيوانات تتحسس الفيرمون بواسطة عضو خاص فى الأنف. وكان المعتقد أن البشر لا يملكون مثل هذا العضو الذي رُجّح أنه اندثر ولم يتبق منه في أنف الانسان سوى نسيج أثري لا وظيفة له. ويعمد أطباء التجميل الى ازالته عادة عند اجراء عمليات تجميل للأنف. ولا يستبعد وجود عضو استقبال آخر مجهول في الأنف أو قد يتم امتصاص الفيرمون مباشرة عبر أنسجة الأنف، كما يجري عند استنشاق الكوكايين. ويُعتقد أن الأجنة تملك هذا العضو خلال وجودها في الرحم. ويستخدم الجنين الفيرمون للحس بالعالم الخارجي فيما هو يسبح في سائل الرحم، كما يستخدمه الوليد للتعرف على امه. ويرجح بعض الباحثين وجود قناتين للشم في الأنف، تحتوي كل منهما جهازها الخاص بها وشبكات اتصالاتها بالدماغ. تستجيب احدى القناتين للروائح، فيما تتحسس الاخرى الفيرمون. ويرى بعض الباحثين أن كل شخص يملك مزيجه الخاص من مواد فيرمون التي يتميز بها، مثل طبعة الأصابع. وقد تفسر هذه المادة لم يحس بعض الأشخاص أحياناً بالود أو النفور تجاه شخص يلتقون به لأول مرة. ويعتقد أن العثور على الفيرمون قد يفتح الطريق لاستخدامات عدة، مثل حفز النساء على الحمل أو العكس لمنع الحمل.