لم تتمكن وحدة البالماخ مع مصفحاتها التي اشتركت في القتال عند الظهيرة كما أسلفنا من تصفية المقاومين في أعالي القرية الغربية قبل انسحابها مع انها وصلت قريباً منها عند المنازل 120 - 127، واسترد المقاومون بعد انسحاب وحدة البالماخ بأمر من قيادتها بعض المبادرة حتى ان أفراداً منهم خليل سمور وأبو علي صلاح هبطا الى المنزل 59 واستحكما حوالى الساعة الثالثة بعد الظهر حسب رواية خليل. بيد ان مدّ المعركة كان قد تحول لصالح المهاجمين منذ تدخل البالماخ وتزامن ذلك مع شحّ متزايد في الذخيرة بلغ النفاد. وكان مختار دير ياسين محمد سمور توجه فوراً عند بدء القتال الى القدس طلباً للعون والامدادات ليجد رجال الجهاد المقدس المسلحين بالآلاف يستعدون لاستقبال نعش عبدالقادر وكان مئات منهم قد تجمعوا عائدين من معركة استرداد القسطل في عين كارم بالذات على بعد أقل من كيلومترين من دير ياسين ينتظرون وصول الجثمان من القسطل لمواكبته الى القدس ولم يلتفتوا الى نداءات أولى اللاجئات اللاتي وصلن مع أطفالهن الى عين كارم ناجيات من جحيم دير ياسين كذلك لم تحرك القوات البريطانية المرابطة في القدس ساكناً طوال المعركة. ويروي أحمد عيد انه توجه برفقة علي جابر وكلاهما من دير ياسين الى مركز البوليس الرئيسي في "قشلة" القدس حيث قابلا العقيد محمد السعدي متوسلين اليه بالتدخل فاعتذر لكون الأمر خارجاً عن ارادته كما اتصلا باللجنة القومية في المدينة من دون أية جدوى وكان مجمل النجدة التي وصلت دير ياسين من الخارج شخصين اثنين بالتمام والكمال هما محمد البسطي وأحمد شقبوعه من سكان عين كارم لقرابة بينهما وبين بعض أهالي دير ياسين. وتروي "أم عيد" زوجة محمد عيد انه عندما انتهت ذخيرة أحدهم من أهالي دير ياسين توجه الى عين كارم عارض ابنته مقابل ذخيرة فلم يعثر على مستجيب. ويصف بتحيا زليفنكس قائد قوة ليحي طريقتهم في القتال: "تقدمت كل جماعة الى الهدف، نسفنا الأبواب بأصابع جيليجنايت، قذفنا قنابل يدوية الى داخل المنازل ورشقناها بالنيران". ويذكر القارئ ان قائد القوة المهاجمة بن زيون كوهين ايتسل جُرح جرحاً بليغاً ووصل الى قناعة في الساعة التاسعة صباحاً بعد قتال دام حوالى خمس ساعات ان لا سبيل للنجاح ولا مفر من الانسحاب من دير ياسين فيأتيه مردخاي رعنان قائد الايتسل في القدس وبصحبته يهوشع غولد سميث ضابط عمليات ايتسل وبعد التشاور في أطراف القرية يتم الاتفاق بينهم جميعاً على استئناف الهجوم ولكن بأسلوب "جديد" اقترحه غولد سميث وهو الذي كان قد قاد شاحنة مليئة بالمتفجرات التي نسفت فندق الملك داوود في القدس عام 1946 اما ما اقترحه غولد سميث فهو تجميع القوة المهاجمة بأسرها في مجموعة واحدة تتحرك ضد كل منزل على حدة وتطلق النيران على المنزل بكثافة ويتقدم حَمَلةُ المتفجرات تحت ستارها لنسفه وهكذا. ويروي رعنان ان العمل بموجب هذه الخطة بدأ في الساعة الحادية عشرة: "نسفنا المنزل الأول وبعد كل ربع ساعة نسفنا منزلاً آخر ولمتيكن لدينا أية فكرة عمن داخل المنازل واعتبرنا كل منزل حصناً قائماً بحد ذاته ووصلنا بهذه الطريقة الى المنزل الذي أصيب أمامه "يفتاح" وهو الاسم الحركي ليهودا سيغل قائد قوة ايتسل الأمامية المهاجمة فتبين لنا انه توفي وتمركز أحد المقاتلين الشباب حاملاً مدفعاً رشاشاً Bren وأنذرنا سكان المنزل بالاستسلام فخرجوا رافعي الأيدي بعد ان شاهدوا ما حصل للمنازل الأخرى فضغط الشاب على زناد المدفع وقتلهم جميعاً بصلية واحدة صارخاً "من اجلك يا يفتاح" وكانوا تسعة بينهم أمرأة وطفل. ويروي مئير بعيل الذي كما أسلفنا كان قد كلف من قبل قيادة الهاغانا بمراقبة سير المعركة لتقديم تقرير كما يدعي عن اداء ايتسل وليحي "العسكري" واندس بين صفوف المهاجمين ودخل دير ياسين، انه تابع القتال من داخل منزل في القرية وبصحبته مصور وانه هو بعيل الذي نصح قائد قوة البالماخ بترك الساحة قائلاً له: "هذه العملية لايتسل وليحي ولا دخل لنا أي الهاغانا بها". ويضيف بعيل ان تدخل البالماخ "ليّن" Softened المقاومة وان لم يؤدِ الى استسلام القرية فهو مكّن رجال ايتسل وليحي من "الخروج من مخابئهم" والبدء "بتطهيرها". ويتابع: "شاهدتهم وكأنه جن جنونهم يركضون في أزقة القرية يدخلون المنازل الواحد تلو الآخر يطلقون النار على من فيها والمصور يلتقط هذه المشاهد التي ما زالت حية في مخيلتي فهنا: زاوية منزل فيها امرأة وأطفال وشيخ مذبوحون وهناك منزل فيه رجل وامرأة واطفال مذبوحون وهنا وهناك يتناثر المجروحون" ويضيف بعيل لم تتوقف هذه المذبحة الا عندما جاء بعد الظهر بعض سكان مستعمرة غيفعات شاؤول وأخذوا يزعقون في وجوه رجال ايتسل وليحي حسب قوله. وعلى رغم شجب بعيل لأسلوب هاتين المنظمتين القتالي ضد المدنيين العزل فإن هذا الأسلوب هو نفسه الذي اتبعته قوة البالماخ عند تدخلها في دير ياسين وهو نفسه أسلوب البالماخ والهاغانا القتالي في دير ياسين وفي غير دير ياسين من قرى ومدن فلسطين كما أسلفنا. وقادة الهاغانا شكلوا شبه أركان حرب لهم في غيفعات شاؤول طوال اليوم فكان منهم هناك كل من زلمان مارت قائد كتيبة "موريا" في لواء غنسيوني ويشورون شيف المرافق الخاس لشلثئيل قائد الهاغانا في القدس وزيون الداد ضابط عمليات اللواء غنسيوني اضافة الى عدد من ضباط الاتصال مع ايتسل وليحي. وهكذا كانت قيادة الهاغانا على علم تام بما يجري في دير ياسين ساعة فساعة بعد ان أعطت المنظمتين الارهابيتين الضوء الأخضر للهجوم وقدمت لهما ما قدمت من عون ومساندة كما ورد في ما سبق. ومع ذلك، وحتى بعد نفاد الذخيرة كلياً من المقاومين، وعدم وصول اية نجدة اليهم، وتوقف اطلاق النار من مناطق دير ياسين الغربية، لم يجرؤ رجال ايتسل وليحي التقدم نحو ما سموه خطأ "ببيت المختار" 144 وهو بالواقع منزل أبو علي صلاح الا في اليوم التالي السبت عندما رفعوا عليها العلم الصهيوني كما يذكر المؤرخ اليميني ملشتاين.
اذا كانت شهادات رجال دير ياسين التي أوردناها تعطينا صورة عن مسار القتال في البلدة فإن شهادات النساء والأطفال الذين نجوا أو وقعوا في الأسر تعطينا صورة ادق عن معاناة العزل من شيوخ ونساء وأطفال خلال ذلك اليوم. وهاكم بعضها: أمضت نزيهة رضوان 8 سنوات ليلة الجمعة 9 نيسان ابريل في منزل والدها أحمد أسعد رضوان مع أخيها عمر سنتان في عهدة جدتهما لوالدتهما الحاجة آمنة 80 سنة لغياب الوالدين عن المنزل وكان المنزل يقع 4 عند مدخل القرية في الخط الأمامي مقابل مستعمرة غيفعات شاؤول ويشرف على الخندق المموه الذي حفر للحيلولة دون عبور المصفحات على الطريق الموصلة الى دير ياسين وكان انشئ على سطح المنزل استحكام تمترس فيه تلك الليلة سبعة مسلحين من أهالي القرية بمن فيهم رضوان أسعد رضوان 18 سنة وحسين عطية الذي أوردنا أعلاه وصفه للمعركة الحامية التي دارت بين هذا الموقع وبين المصفحة التي هوت في الخندق. ويذكر القارئ ان المسلحين على السطح اضطروا للانسحاب بعد نفاد ذخيرتهم ما عدا رضوان الذي أصيب. وتروي نزيهة انها فوجئت عندما رأت رضوان يتدحرج على السلم الداخلي المؤدي الى السطح وكيف ساعدته الجدة على السير لكنه ما لبث ان أخذ بندقيته وصوّبها من خلال النافذة المطلة على الطريق. ويشاهده المهاجمون ويلقون قنبلة يدوية على المنزل تهزه وتحطم زجاج شرفته "وأخذت أنا وأخي عمر نبكي من شدة الخوف فتقدمت جدتي نحو عمي رضوان وأخذت البندقية منه وخبأتها تحت الفراش وطلبت منه ان ينام فوقها وأخذ اليهود يطرقون الباب بأعقاب بنادقهم ويقولون بالعربية "افتح والا ننسف الدار عليكم" وطلبت جدتي الأمان والا يقتلونا فقالوا "لا نقتلكم" وفتحت جدتي الباب ودخل يهوديان مسلحان ومعهما فتاة مسلحة وسألوا جدتي عن الشخص المسلح وقبل ان تجيب شاهدوه نائماً فسحبوه من السرير وأطلقوا عليه الرصاص ورأيت عمي يترنح ويدور حول نفسه وتقدمت اليهودية منه وصارت تطلق الرصاص على رأسه حتى مزقته فارتعدنا انا وجدتي من هول المنظر ودفعونا الى الخارج ووضعونا في قن الدجاج وأمرونا الا نغادر القن وساروا نحو القرية وبعد فترة أخذتنا جدتي حاملة عمر على ظهرها عبر بساتين الزيتون نحو أقرب بيت من أقاربنا آل زهران 19 - 22 عند عمتي بسمة أسعد رضوان زوجة جمعة زهران الذي أوردنا شهادته سالفاً وقبل وصولنا الى دار عمتي بسمة 20 بقليل فوجئنا بيهودي قابلنا وجهاً لوجه يطلق النار على جدتي فسقطت على الأرض وسقط أخي عمر عن ظهرها فارتميت بجانبها وبعد قليل تفحصت جدتي ووجدتها تتضرج في بركة من الدماء وأخذت أبكي وأقلب أخي عمر وأبكي وأناديه ولكنه كان قد مات أيضاً مع اني لم أر أثر دماء عليه ثم تقدمت من منزل عمتي بسمة داخل "الحوش" الذي كان يضم بيوت عدة للعائلة ويا لهول ما رأيت: الجثث أكواماً أكواماً أمام كل باب منها وكان باب دار عمتي محترقاً والدخان يتصاعد من الداخل ولا يستطاع رؤية شيء في داخل البيت ورأيت عمتي بسمة مطروحة على مدخل البيت ومن حولها جثث بناتها وابن عمتي فتحي 3 سنوات وكان تحت رأس عمتي بركة من الدم وغطاء رأسها ملقى الى جانب رأسها وبينما كنت أنظر اليها سمعت أنيناً من الداخل وبكاء طفلة من ناحية اخرى فناديت واجابني صوت يقول "أنا فاطمة" فعرفتها لتوي لأنها بنفس عمري وكنا نلعب سوياً، سألتني "من أنت" فقلت لها "انا نزيهة" فطلبت مني ان أدخل البيت وقلت لها انني لا أستطيع ذلك "لأن بيتكم محروق" وطلبت منها ان تخرج هي وتأتي عندي فقالت ان رأسها ينزف دماً ولا تستطيع الحركة وعدت الى عمتي وأخذت أضع يدي على جبىنها ورأسها وتلطخت يداي وشعري بدمها واعتراني فزع هائل ورجعت واستلقيت بجانب جدتي وأخي عمر ولشدة خوفي غفت عيناي وكنت قد شاهدت على درج أحد البيوت طفلاً صغيراً رأسه سافلاً ورجلاه الى الأعلى ودمه يسير من أعلى الدرج ولم أعرف من هو، وبعد فترة أفقت على وخزات على جسدي فلما فتحت عيناي رأيت يهودياً فوق رأسي يوخزني بكعب بندقيته ومسك بيدي وانهضني وأمرني ان أتبعه وسرت خلفه الى أحد البيوت القريبة وله ساحة وكان هناك عدد من المسلحين اليهود يأكلون خبزاً و"تطليا" ومد أحدهم قطعة خبز عليها تطلي وأخذ يلحص بأصبعه من التطلي حتى يريني انه جيد ولكنني رفضت من شدة خوفي وقام واحد منهم يصوّب بندقيته نحوي بينما قام آخر بدفعها عني وهم يتضاحكون ويتمازحون وسألوني عن والدي فقلت لهم انه غائب كان والدها أحمد أسعد رضوان مسافراً مع سائر أولاده الى بلدة المجدل وسألوني عن منزلنا فقلت انه في أول القرية ثم قلت انني أريد ان أذهب عند أمي وكانت جدتي قالت لي اننا اذا لم نجد أمي عند عمتي بسمة فسنجدها عند دار خالي ابراهيم عطية فسألوني عن مكان أمي فأشرت الى دار خالي 13 القريب منا وأخذني أحدهم يحمل بندقية نحو الدار وأخذ يطرق الباب بكعبها ولما سمعت امرأة خالي صفية ذلك أخذت تستعطف اليهودي من الداخل الا يقتلها فقال لي "تكلمي معها" فلما ناديت سمعت صوتي وفتحت الباب تحمل راية بيضاء ولما رأتني أمي أخذت تناديني وأنا اناديها وكلانا يبكي وهنا أخرج اليهودي أمي نزهة وامرأة خالي صفية وسار بنا الى بيت قريب 16 كانوا بدأوا يجمعون النساء والأطفال فيه.
كانت منازل آل زهران 19 - 22 أول "موقع عسكري" "سيطرت عليه" شرذمة ليحي القادمة من غيفعات شاؤول كما أسلفنا "بقيادة" مردخاي بن عوزيهو وكان حصادها من آل زهران كالآتي: راجع شجرة شهداء آل زهران شجرة شهداء آل زهران وتروي زينب عطية زوجة محمود زهران الذي كان منزله بعيداً عن منازل آل زهران وفي وسط البلدة 76 انها كانت في المنزل عند بدء الهجوم مع أخيها موسى عطية 15 سنة وأولادها: آمنة 50 يوماً خليل سنتان مريم 3 سنوات وسهيلة 5 سنوات وسمعت اطلاق رصاص شديداً وصراخاً وعويلاً مصدره منازل آل زيدان 39 - 41 القريبة منها الذي كان منزلها ذو الطابقين يشرف عليها فتنظر من النافذة وتشاهد اليهود وقد جمعوا عموم أفراد عائلة زيدان من منازلهم الثلاثة وأخذوا يطلقون الرصاص عليهم أمام منازلهم فلا يسلم منهم أحد ويكون الحصاد من آل زيدان كالآتي: راجع شجرة شهداء آل زيدان شجرة شهداء آل زيدان وتقول زينب "رأيت هذا بأم عيني حيث انني أسكن مقابل منازل هؤلاء وكلهم أفراد عائلة واحدة يعيشون مع بعضهم البعض". وبعد فترة يقترب من منزلها خمسة يهود تصحبهم فتاتان يحملون السلاح وأكياساً بداخلها قنابل يدوية ويُطلب منها ان تفتح الباب والا القوا قنبلة على المنزل فترفض وتقول في نفسها "قنبلة تجهز علينا دفعة واحدة أفضل من ان نقتل بالرصاص كما فعلوا بعائلة زيدان" واذ بهم يقذفون البيت بقنبلة تحطم الباب والزجاج وتجرح كلاً من آمنة ومريم ثم يقتحمون المنزل ويمسك أحدهم بأخيها موسى فتستغيث وتستعطف الا يقتله وتعرض عليه مبلغ 200 جنيه مقابل انقاذه فيُبدي قبولاً ويأخذ المبلغ ويضعه في جيبه ويقود موسى الى الشارع ويوقفه رافعاً يديه أمام حائط ويرديه قتيلاً وتتابع زينب: "بعدها أخذت أنحني على قدميه متوسلة حتى لا يقتل أطفالي فأخذنا جميعاً الى حيث كانوا يجمعون النساء وتركنا هناك".
وتروي عزيزة اسماعيل عطية زوجة محمود أسعد رضوان وهي التي كما يذكر القارئ خرجت من منزلها 130 باكراً وعلى رأسها صينية العجين بعد ان أقفلت الباب على أطفالها الستة وأخذت المفتاح انها وصلت الى الفرن D فوجدت عدداً من النساء قد سبقنها اليه ثم جاء غيرهن فأصبح في الفرن حوالى ثلاثين امرأة وأخذ الفران حسين الشريف 50 سنة من مدينة الخليل وابنه عبدالرؤوف 18 سنة يشعلان الفرن ويغذونه بالحطب والنساء ينتظرن حتى يصبح حامياً واذ حوالى الرابعة صباحاً بثلاثة يهود مسلحين يقتحمون الفرن ويطلقون النار على الفران وابنه ويقتلونهما "فأخذنا نصرخ: يهود يهود" ونهرب كل واحدة منا في اتجاه وسمعت احدى النساء تصيح وتقول رموا الفران في الفرن وهو مشتعل، وكانت دارنا بعيدة فحاولنا الاحتماء في دار المختار محمد اسماعيل سمور القريبة 28 فركضت نحوه وأدخلني داره وما هي الا لحظات حتى جاءنا محمد محمود سمور ومعه بندقية فدخل وهكذا أصبحنا في المنزل خمسة: محمد جوده 52 سنة وزوجته وابنه محمود 25 سنة ومحمد محمود 30 سنة وأنا. وأغلقنا الباب وسمعنا أزيز الرصاص ودوّي الانفجارات وصراخاً من كل جانب وبعد فترة قامت ضجة كبرى في دار المختار تبعها اطلاق رصاص وعويل امرأة ثم أخذوا يطرقون بابنا بقوة وهم يقولون "افتحوا" فتقدمت نحو الباب وقلت: "هل تقتلونا اذا فتحنا؟"، قال أحدهم لا، هل عندكم رجال؟ قلت: نعم قال: كم رجل؟ قلت: ثلاثة قال: افتحوا قلت: احلفوا بالعشر كلمات الوصايا العشر لا تقتلونا فحلف بالعشر كلمات، فتحت الباب وخرجت من الدار ولكنهم عندما شاهدوا الرجال القوا عليهم قنبلة انفجرت داخل البيت وقتلت من فيها. هربت الى دار المختار فرأيت الحاجة فضية 60 سنة زوجة المختار ملقاة ميتة على عتبة المنزل والى جانبها جثتا ابني ابنيها سمّور خليل 12 سنة وحسين اسماعيل 15 سنة، وأخذت أصرخ وأبكي وحاولت الهروب الا انهم أمسكوا بي، قلت أريد ان أذهب الى داري حتى أرى أولادي الصغار قالوا: أين دارك قلت: غرب البلد قالوا: أذهبي ولكنهم مشوا خلفي وكان الرصاص ينهمر كالمطر فخفت ان أتابع السير لأن أهل القرية كانوا يتمركزون بجانب دارنا 130 فأخذوا يضربونني بأعقاب البنادق ويقولون: أمشي وتابعت السير حتى وصلت بالقرب من دار الحاج عايش خليل 121 اذ به قتيلاً 55 سنة وبجانبه جثتا زوجته حلوة زيدان 50 سنة وابنهما محمد 23 سنة، وارتعدت من الخوف وفجأة سمعت اطلاق رصاص غزير والتفت خلفي واذ باليهود الثلاثة الذين كانوا يتبعونني يصابون، لا أعرف كيف أو من أين جاء الرصاص وحاولت الهرب واذ بيهودي ومعه يهودية يظهران فجأة وتمسك هي بي وتدفعني برشاشها باتجاه بيت مصطفى عيد 16 حيث اجتمعت النساء وشاهدت في الطريق الى بيت مصطفى عيد وعند منزل محمد عيد 68 جثة عمي والد زوجي الحاج أسعد رضوان 85 سنة وشاهدت اثنين من اليهود يركلون طربوشه كما شاهدت جثة موسى سمور 48 سنة بجانب داره 27 مقطوع اليدين".
ولاستشهاد الحاج أسعد قصة يرويها حفيده أحمد 17 سنة ذلك ان أحمد أسرع الى منزل جده 116 فور بدء المعركة ليخبره بما يجري فوجده فرغ من صلاة الفجر يتلو آيات الذكر الحكيم "قلت له بصوت ملهوف: سيدي سيدي، أجاب منذهلاً: ماذا حدث؟ قلت: الا تسمع أصوات الرصاص والقنابل؟ لقد هجم اليهود" وقام الجد، لتوه وقبل المصحف ووضعه على الطاولة ولبس عباءته وطربوشه وحمل عصاه وخرج متمتماً ان لا بد له من الوصول الى منزل ابنه عند أول القرية 4 حيث جرت المعركة مع المصفحة كما اسلفنا ويتابع أحمد و"سرت وراء جدي، وسلك أولاً ممراً قرب دار الحاج جابر 83 لكنه عاد بسبب كثافة الرصاص بين المدافعين والمهاجمين وذهب من زقاق آخر لينفذ الى الطريق الرئيسية وفجأة يقفز يهوديان مسلحان من وراء جدار أمام دار الحاج عيسى عيد 61 ويقبضان عليه ورأيت أحدهما يسير خلفه مصوباً بندقيته الى رأسه فيلتفت جدي اليه ملوحاً بعصاه واذ بي أسمع طلقات لم أعد بعدها أرى جدي. وبقيت فترة في مكاني حتى أعرف مصير جدي واذ بمحمود زهران 76 يبرز فجأة ويمسكني بيدي ويحمل بندقية باليد الأخرى ويقول: هي الحقني لقد قتلوا جدك".
وتروي سكينة 9 سنوات ابنة عزيزة اسماعيل عطية التي تركتها والدتها مع أخويها جمال سنة ونصف وأحمد 11 سنة وأخواتها ثريا 4 سنوات وفاطمة 12 سنة ورفقة 14 سنة واقفلت عليهم الباب لتتوجه الى الفرن انها استأذنت والدتها عصر الخميس 8 نيسان ابريل لشراء دفتر لعمل واجبها المدرسي في النسخ والحساب من أحد دكاكين القرية الثلاثة اذ كانت في الصف الثاني الابتدائي وحريصة على ارضاء المعلمة حياة البلابسة. وتضيف سكينة ان المعلمة كانت من القدس وتأتي منها الى القرية يومياً قبل اقفال الطريق الرئيسية ولكنها درجت بعد اقفالها على المبيت في دير ياسين والتردد على أهلها بالقدس بين الحين والآخر عن طريق عين كارم الوعر، وكانت سكينة ورفيقاتها في الصف ينتظرن المعلمة وقت موعد عودتها من القدس ليحملن عنها ما تحمله من حاجيات، واستيقظت سكينة مذعورة من نومها فجر يوم الجمعة عند الهجوم على البلدة على صوت دوي الرصاص والقنابل وايقظت أختها فاطمة التي كانت تنام بجانبها ثم سائر الاخوات والأخوة وحاولوا الخروج من المنزل ووجدوا الباب مقفلاً ثم عثروا على مفتاح باب الضيوف وخرجوا منه ناسين الطفل جمال في سريره واندفعوا من دون وعي الى وسط البلدة وفوجئوا بالنساء والأطفال يهرعون باتجاههم فتبعوهم الى بيت في طرف القرية على درب عين كارم 136 - 139 وشاهدت سكينة معلمة المدرسة حياة في قميص نوم أصفر تساعد النساء على الهروب لمعرفتها بالطريق وتجد سكينة نفسها امسكت بطرف ثوب امرأة تتبعها حيث تذهب في الطريق الى عين كارم، ويحدثنا داوود زيدان 25 سنة انه كُلف باخراج المعلمة حياة وايصالها الى عين كارم ولكنها تمتنع وتقول: "كيف أترك الناس يموتون وأهرب وأتمنى ان أقتل هنا" وأشارت باصبعها الى جبينها وعادت الى القرية تحاول اسعاف الجرحى. وتروي ام عيد زوجة مصطفى عيد انها في طريقها عبر وسط القرية حاملة ابنها الرضيع ستة أشهر هاربة باتجاه عين كارم تمر أمام منزل عيسى أحمد عليا 112 فتجده مصاباً اصابة بليغة وترى المعلمة حياة راكعة بجانبه تسعفه واذ بالرصاص ينطلق ويصيب المعلمة في جبينها وتسقط صريعة فوق عيسى القتيل 55 سنة وهي في السنة الرابعة والعشرين من عمرها.