خفف تدخل مرشد الجمهورية الاسلامية آية الله خامنئي من قضية بلدية طهران واعتقال رئيسها غلامحسين كرباستشي تمهيداً لمحاكمته بتهمة الاختلاس وسوء الادارة، من حدة التوتر السياسي والاعلامي في ايران، في وقت علم ان كرباستشي ممتنع عن تناول الطعام الذي يقدم له في السجن. وينذر استمرار التوتر بتصاعد الأزمة السياسية خصوصاً بعد تحذيرات بنقل المعركة الى الشارع كما لمح الى ذلك أحد اعضاء كتلة "تجمع حزب الله" البرلمانية التي تضم ائتلافاً بين نواب "كوادر البناء" أنصار رفسنجاني و"خط الإمام" الراديكالي. لكن حملة التعاطف مع كرباستشي لم تتوقف، وكانت أبرز اشارة الى ذلك، الزيارة التي قام بها وزير الداخلية عبدالله نوري لمنزل كرباستشي حيث التقى أفراد أسرته فور عودته من الديار المقدسة. وعلم ان نوري توجه من المطار مباشرة الى منزل كرباستشي شمال طهران، وأكد لزوجته انه لن يتوقف عن "دعمه ومساندته في قضيته التي تبعث على الحزن"، ونُقل عن زوجة كرباستشي قولها أنها "متألمة ومسرورة" لما حدث لزوجها "إذ أنه كان يعمل ليل نهار وبلا كلل لأكثر من عشر سنوات حتى يجعل من طهران عاصمة عالمية للجمهورية الاسلامية، ولم يلق في المقابل سوى الانتقادات والتجريح، وبلغ الأمر حد الاعتقال، وهذا يبعث على الألم، لكنه يسرني في الوقت نفسه ان زوجي سيستمر في التعرض للانتقادات وهو سيستريح قليلاً بدل ان ينتقد ويجهد في الوقت نفسه". وأكدت مصادر موثوق بها ان الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني حاول ان يتدخل لدى الجهات القضائية من أجل ان يسمح لأسرة كرباستشي بزيارته في سجنه ولكن دون جدوى، ورفضت مناشدته ورُد طلبه. وفيما قالت صحيفة "جمهوري اسلامي" ان كرباستشي محتجز في القسم الاداري لسجن "أوين" و"يتمتع بكل الرفاهة اللازمة كالصحف والتلفزيون"، شددت صحيفة "المجتمع" على ان كرباستشي يقبع في زنزانة انفرادية لا يوجد فيها سوى سرير للنوم، وتقدم له جريدة صباحية واحدة في اليوم. وأشارت الى انه فرض عليه في اليوم الأول لاعتقاله ان يرتدي اللباس المخصص للسجناء ثم سُمح له بارتداء ثيابه العادية، وأكدت انه يمتنع عن تناول أكل السجن، من دون ان تذكر السبب ولا كيفية سد رمقه. وبينما تشدد أوساط رسمية وبرلمانية وسياسية على وجوب ان تتعامل السلطة القضائية مع ملفات الفساد بعين واحدة وتخضعها كلها للمتابعة القانونية و"الابتعاد عن التوجيه السياسي للملاحقات القضائية" انتقد نواب الطريقة التي تعاملت بها الأكثرية البرلمانية المحافظة مع ملف مؤسسة "نبياد مستضعفان" مؤسسة المستضعفين التي يشرف على ادارتها وزير الحرس الثوري السابق الوجه المحافظ محسن رفيق دوست، وقال النائب نظري نيا ان ملف "نبياد" قدم الى البرلمان قبل ملف بلدية طهران، كما انه أضخم من ملف البلدية وأكثر تعقيداً منه، ولكن حتى اليوم، وبعد مرور سنتين لم تلاحق الجهات المعنية الملف بما يتعارض مع القانون الداخلي لمجلس الشورى الاسلامي، الذي يكلف لجنة إحالة الملف على المحكمة. وأشار الى "ان طريقة التعاطي ذاتها تعتمد مع ملف مؤسسة الاذاعة والتلفزيون، علماً انه يشار باستمرار الى ان هذه المؤسسة تخضع لسيطرة المحافظين، وتتعرض منذ أيام لحملة انتقادات لاذعة من مؤيدي كرباستشي واعضاء في الحكومة تركز على تحيزها وانخراطها في خيار السعي إلى نسف كرباستشي وتشويهه". وأشار وزير الارشاد والثقافة والناطق باسم الحكومة عطاء الله مهاجراني الى هذه المسألة، وابدى استغرابه، كما لم يخف حتى استنكاره لكون التلفزيون لم يعرض سوى دقائق معدودة لكلام مهاجراني كناطق باسم الحكومة ليعلن موقفها بعد اعتقال كرباستشي، فيما خصصت في المقابل وفي الوقت ذاته مدة كبيرة لنائب رئيس محكمة طهران المكلفة ملف البلدية ليدافع عن قرار توقيف كرباستشي ويتهمه بالتورط في الاختلاس وسوء الادارة. ورغم ان تدخل خامنئي شخصياً وعلنياً في القضية يبعث على الاعتقاد بأن الموضوع سيسوى بطريقة ما بما يحول دون صدام سياسي يجعل من الأزمة الحالية كرة ثلج لملفات وقضايا اخرى أكثر تعقيداً، فإن المتحدث الرسمي باسم "مجلس صيانة الدستور" الرمز الديني المحافظ البارز آية الله امامي كاشاني، حذر من ان "التوتر السياسي الحالي يلحق ضرراً بالثورة والشعب". واعتبر ان "الاعداء يحاولون الاستفادة مما يجري" وان "أي تصعيد للتوتر سيكون بمثابة وعاء يطفح بالبنزين نقدمه هدية للعدو كي يشعل فيه النار". وشدد كاشاني القريب من خامنئي على "تدخل" الأخير في الموضوع ودعا الى "إطاعة أوامره لأنه أدرى بالمصلحة" العامة. وكان كاشاني يتحدث في صلاة الجمعة في جامعة طهران أمس، علماً انه أم الصلاة قبل اسبوعين فقط، وكان متوقعاً ان يلقي الخطبة رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام أكبر هاشمي رفسنجاني. ويشير غياب رفسنجاني الى انه يؤثر في هذا الوقت عدم اعلان موقف مما يجري والاقتصار على التحركات غير العلنية، خصوصاً ان كرباستشي يعتبر من أكثر القريبين اليه، كما ان إدانته، سينظر اليها على انها إدانة لحكومة رفسنجاني نظراً الى ان كل القضايا التي يتضمنها ملف "الاختلاس وسوء الإدارة" تعود الى مرحلة رفسنجاني.