قليلون هم الرؤساء الاميركيون الذين لم تصحب عهدهم، خلال الاربعين عاماً الاخيرة، فضيحة من الفضائح، تبرز خلال العهد نفسه او تبرز بعده، وإن كان بروزها خلال العهد هو الامر الغالب. ولئن كانت فضيحة الرئيس الحالي بيل كلينتون لا تزال، حتى اليوم، فضيحة محض جنسية، ضمن اطار الفرضيات لا أكثر، فان فضائح السابقين عليه من الرؤساء كانت بالاحرى فضائح سياسية، مهما يكن فان الاسوأ حظاً بين اولئك الرؤساء كافة كان، كما نعلم، ريتشارد نيكسون الذي كان الوحيد من بينهم الذي اضطرته فضيحته، التي عرفت باسم "ووترغيت" الى الاستقالة والتخلي عن الحكم، اما بقية الرؤساء فقد تمكنوا من ان ينفذوا بجلدهم كل على طريقته، حتى وإن كان جون كنيدي، الذي لن تعرف تفاصيل "فضيحته" الخاصة الا لاحقاً، قد دفع حياته ثمناً - ربما - للفضيحة المتعلقة، كما يحب بعض المؤرخين ان يشيروا، بحكاية "غرامه" بالممثلة مارلين مونرو، وما تلا ذلك من علاقات غامضة مع المافيا وما الى هنالك. على أي حال، يظل الأوفر حظاً بين كافة الرؤساء الاميركيين المعاصرين، في مجال درء الفضيحة الرئيس الاسبق رونالد ريغان الذي يمكنه ان يفاخر اليوم بان "فضيحته" لم تكن فضيحة ولا يحزنون، بل كانت فعلاً قام به لصالح وطنه أميركا انطلاقاً من اضطهاد قد يكون اخطأ فيه وقد يكون أصاب، لكنه لا يقبل بأي حال ان يعتبره مساً بكرامته وبوطنيته. أو هذا، على الأقل، ما كان هو نفسه يحب ان يقوله بعد ان اندلعت الفضيحة، وما أحب الشعب الاميركي ان يصدقه حين بات من المؤكد بالنسبة اليه ان الرئيس انما تصرف عن حسن نية. فضيحة رونالد ريغان حملت اسم "ايرانغيت"، لانها أتت متعلقة بالعلاقات الاميركية - الايرانية في وقت كانت ايران تعتبر الشيطان الاكبر بالنسبة الى الاميركيين، وفي وقت كان الشعب الاميركي يرى في الحرب العراقية الايرانية وسيلة لتخليص العالم من تطرف الايرانيين وتعصبهم وخطر الاصولية الاسلامية، دون ان يكلفهم ذلك الا بعض التأييد اللفظي، والمحدود، للعراق. هؤلاء الاميركيون كانت، على أي حال، صدمتهم كبيرة حين اكتشفوا أوائل سنوات الثمانين ان الامور لم تكن على ذلك الوضوح، وان حكومتهم وعلى رأسها رونالد ريغان، لا تحلب صافياً في تلك القضية"، اذ انها لم تتوان عن بيع كميات من الاسلحة والذخائر لايران، عن طريق وسطاء بينهم اسرائىليون، اما الاموال الناتجة عن تلك الصفقات فكانت تعطى هبة لثوار الكونترا الذين كانوا يحاربون النظام السانديني اليساري في نيكاراغوا. كانت المسألة كلها، بالنسبة الى الاميركي العادي، معقدة، لكنه ادرك منها سماتها الاساسية وسأل نفسه: كيف يرضى ريغان بان يقوم بعمل كهذا بعد ان اقنعنا بان ايران عدد ما بعده عدد؟ من هنا كان على ريغان ان يفسّر ويشرح ويبرر: باختصار كان عليه ان يعترف وهو يلبس وجهه سمات مأسوية تجعل وقع ذنبه على الأميركي العادي، طريا. وهذا ما فعله في خطابه الاعترافي التبريري الشهير الذي ألقاه يوم الرابع من آذار مارس من العام 1987، عبر التلفزة معترفاً بان حكومته قد باعت، سراً، اسلحة لايران، قائلاً بان ذلك كان خطأ دون شك. واعلن ريغان في خطابه انه يقبل بالنتائج "الشديدة الانتقاد" التي وصل اليها تقرير نشرته في 26 شباط فبراير من العام نفسه لجنة تحقيق عرفت باسم لجنة "تُوِير"، مؤكداً انه يتحمل كل المسؤولية عما حدث، بما في ذلك المسؤولية عن أفعال اقترفت دون علمه، ومنها مثلاً تحويل أموال المبيعات الى ثوار الكونترا. في خطابه أقر ريغان بان ما بدأ، بالنسبة اليه، على شكل "انفتاح استراتيجي تجاه ايران، تحول ليصبح بعد ذلك نوعاً من مبادلة السلام بالرهائن". مهما يكن، بدا الرئيس حزيناً حين انتهى في خطابه لان يطلب من الشعب الاميركي ان يساعده على استخلاص درس اساسي مما حدث قائلاً: "عندما ترتكبون خطأ ما، تتعلمون درساً تسيرون بعده قدماً الى الأمام". والحقيقة ان خطاب ريغان اقنع الأميركيين يومها وجعلهم يتعاطفون معه، بمعنى انه خلال خطاب استغرق 12 دقيقة لا غير، يمكن من ان يجابه التحدي الذي قام في وجهه معلناً انه منذ تلك اللحظة سيقبض على القضية كلها بيده. وهكذا، ارتفعت شعبيته خلال دقائق من نسبة 44 في المئة التي كانت هبطت اليها اثر اندلاع "الفضيحة"، الى نسبة 54 في المئة خلال الساعات التالية للخطاب!.