اكتشف أطباء وعلماء الأعصاب صحة حكم شعبية شائعة في بلدان عدة عن فائدة الضحك، مثل "اضحك تضحك لك الدنيا" و"الضحكة شمس تضيء البيت"، و"اضحك كما لو كنت سعيداً تصبح سعيداً". ووجد الباحثون أن اصطناع الضحك يمكن أن يحدث تغيرات في نبض القلب وعضلات الوجه وحرارة الجلد مماثلة لما يحدثه الضحك الحقيقي. ووجدوا أن الضحك يحدث عند اثارة غدة في حجم الجوزة في الدماغ. هل يعني هذا أن مشاعر الناس تنتج عن نشاط غدة معينة في الدماغ أم العكس؟ هل يحس الناس بالمرح لأنهم يضحكون، أم يضحكون لأنهم يحسون بالمرح؟ وهل يمكن استخدام الضحك كعلاج؟ والسؤال الأهم هو: هل يمكن أن يكون الضحك بلسماً يداوي جروح لا شفاء لها، كما تدّعى الحكمة الفلسفية "لا تبحث عن السعاده فهي سراب. اضحك فقط"؟ غدة الضحك "أنتم مضحكون. نظرتكم مضحكة، وملابسكم مضحكة. هأ هأ هأ هأ! وأسئلتكم تثير الضحك. آه لو تعرفون كم تثيرون ضحكي.... هأ هأ هأ هأ"! وانطلقت الفتاة تضحك دون توقف، وبادلها الأطباء المحيطين بها الضحك مرتين. مرة بسبب عدوى ضحكاتها القوية، ومرة ثانية لفرحهم بالعثور على موقع الضحك في الدماغ. حدث ذلك صدفة عندما أدخلوا قطباً كهربائياً في موقع في الفص الأيسر من جبهة دماغ الفتاة للبحث عن سبب نوبات الصرع التي تصيبها. ووجد الأطباء أن تمرير تيار كهربائي خفيف في هذا الموقع جعل الفتاة تبتسم، وعند تمرير تيار كهربائي أقوى تطلق ضحكات رنانة تعدي السامعين وتجعلهم يضحكون. ذكر ذلك تقرير نشر الشهر الماضي في المجلة العلمية "نيتشر" Nature جاء فيه أن أطباء كلية الطب في جامعة كاليفورنيا اكتشفوا غدة الضحك في الدماغ أمام المنطقة الملحقة بالمنطقة التي تتحكم بحركة الجسم. وأشار التقرير الى أن الفتاة لا تضحك عند حث موقع الدماغ المتصل بالصرع. ولا يماثل الضحك الذي يحدثه حفز الغدة ما تثيره الدغدغة. فالفتاة البالغة 17 عاماً كانت ترى منظر الأطباء مضحكاً فعلاً. ملامحهم مضحكة، ومضحك ما يقولونه ويفعلونه. وحين سألوا الفتاة عن سبب ضحكها قالت أنها لم تكن تضحك دون سبب، بل لأشياء تراها مضحكة. ما هي الأشياء المضحكة؟ أجابت: حصان يمشي بطريقة مضحكة وكلام في الكتاب أضحكها كثيراً. والمثل الهازل الذي يقول "الدنيا ضحك" اتخذ معنى آخر في مشاعر الفتاة. أحداث مألوفة لا يرى فيها الآخرون ما يلفت الاهتمام، تكتشف فيها الفتاة جوانب مثيرة للمرح والضحك. وذكر الأطباء في تقريرهم أن المعلومات عن موقع الضحك قليلة تماماً. فالموقع ملحق بمنطقة الحركة التي تتحكم بعمل أطراف الجسم وعضلات الوجه والنطق. ويرجح العلماء العثور في الموقع على العلاقة الوثيقة التي تربط بين الكلام والضحك. ويأتي اكتشاف موقع الضحك في الدماغ خطوة جديدة في سلسلة اكتشافات مثيرة حققها العلماء أخيراً في فهم الدماغ. ورصد الباحثون علاقة الدماغ بنحو 44 تعبيرا متميزا للمشاعر الانسانية المختلفة كالحزن والسرور والغضب واللهفة والمشاركة والحب. بعض التعابير لا يستغرق سوى أجزاء من الثانية. ومع أن أسباب الضحك كثيرة وتختلف تسمياته في اللغات المختلفة، إلاّ أن تعابير الوجه الضاحك متماثلة على رغم اختلاف الأجناس والثقافات. فعضلات الوجه التي تتحرك مع الضحكة هي نفسها سواء أشرقت في وجه بدوي من الجزيرة العربية، أو صياد من سكان الأسكيمو، أو حسناء ايطالية من كابري. كل الضحكات تنقل تعابير وملامح غريزية متشابهة. الضحك صحة ويأخذ أطباء النفس والأعصاب موضوع الضحك بجدية الى الحد الذي أسسوا مجلة طبية خاصة به تصدر في الولاياتالمتحدة اسمها "علاج المرح" Nursing Jocularity. وأشارت أبحاث منشورة في المجلة أن اصطناع الضحك يمكن أن يغير نبض القلب وينشط عضلات الوجه ويخفف حرارة الجلد بشكل مماثل للضحك الحقيقي. ومن الأبحاث التي تلفت الانتباه في المجلة علاقة الضحك بمناعة الجسم ومقاومته للأمراض. وذكر مؤلف البحث الدكتور لورنس بيرك من كلية الطب في جامعة لوما ليندا Loma Linda University في الولاياتالمتحدة أن الضحك يقلل كمية هرمونات "كورتيزول" التي تنجم عن التوتر والاجهاد العصبي، ويزيد الكُريات اللمفاوية في الدم التي تكافح عدوى الاصابة بالأمراض. ووجد الباحثون أن مشاهدة الأفلام الهزلية تعزز اطلاق الغلوبلين المناعي الذي يفرزه الدم عند دخول أجسام غريبة. ويعتبر الغلوبلين المناعي immunoglobolin الذي ينطلق مع اللعاب خلال الضحك خط الدفاع الأول ضد الجراثيم التي تسبب الزكام والسعال. ويقلل الضحك نبض القلب وضغط الدم ويجعل عضلات الصدر والكتفين تنشدّ وتزيح التوتر المتراكم في الجسم. والضحك يقلل مشاعر الشخص العدوانية التي تعتبر عاملاً مهمها في النوبات القلبية. وفي التأثير النفسي للضحك يقول الدكتور باتي ووتن: "طالما نستطيع أن نكرر ضاحكين، فاننا أقل تعرضاً لمشاعر الكآبة والاحساس بالعجز".