"فتصدى له من قتله غيلة في الشمال الشرقي من اليمن يوم 31 آذار 1965، ولم يعرف قاتله". بهذه الكلمات تنتهي عادة كل سيرة تكتب للشاعر والسياسي اليمني محمد محمود الزبيري. وفي هذا لم يشذ الزبيري عن تلك السلسلة من السياسيين والمناضلين اليمنيين الذين كانوا، ولا يزالون الى حد كبير، يرحلون عن عالمنا اغتيالاً، وكأنه كتب على النخبة اليمنية ألا يموت ابناؤها موتاً طبيعياً، أو عن مرض، الا نادراً. وهذا على الرغم من ان ابناء اليمن لم يعرفوا بالعنف أو بالنزوع الى القتل، لكن ذلك هو مصير جيل بأكمله من اولئك الذين اعتقدوا ان السياسة، مثل الادب، مكان يمكن فيه التعبير عن العواطف والمواقف من دون خوف. مهما يكن فان الزبيري، مثل العديد من زملائه الذين ينتمون الى جيله نفسه، جمع بين حب الادب والشعر خاصة، وبين النضال السياسي. وهو حسب ما يقول مؤرخو حياته أفلح في الفنين معاً، وكان يمكن ان يكون له شأن اكبر فيهما لولا قتل معارضيه السياسيين له، وهو بعد في السادسة والاربعين. فقد ولد الزبيري العام 1919 في صنعاء باليمن، ونشأ يتيماً في اسرة متواضعة الحال، لكنها كانت اسرة تهتم بالعلم رغم تواضعها. هكذا قيض لمحمد الفتى ان يتوجه الى القاهرة باكراً حيث تلقى علومه العالية في دار العلوم، ليعود منها الى اليمن في 1941، وقد اضحى في الوقت نفسه كاتباً وشاعراً ومناضلاً سياسياً، اذ انه خلال السنوات الثلاث الاولى بعد عودته تمكن مع رفاقه من تأسيس "حزب الاحرار اليمنيين" 1944، ثم "جمعية اليمن الكبرى" 1946 التي اصدرت صحيفة "صوت اليمن". والزبيري منذ وصوله الى صنعاء، لم يتوقف عن النضال، رغم ان السلطات اعتقلته في 1942، ثم نفته حين توجه الى عدن ومنها الى السعودية ثم الهند وباكستان. وفي عدن حيث كانت تصدر صحيفة "صوت اليمن"، راح الزبيري يدعو الى الثورة. وفي 1948 حين قامت بالفعل ثورة ابن الوزير كان من الطبيعي ان ينضم اليها حيث رجع الى صنعاء وعين وزيراً للمعارف. بيد ان عهد تلك الحكومة لم يطل اذ سرعان ما تمكن الامام احمد من القضاء عليها، فما كان من الزبيري الا ان توجه هذه المرة الى القاهرة حيث أقام فيها نحو عشر سنوات انصرف خلالها الى كتابة الشعر، اضافة الى عمله السياسي التحريضي في سبيل ثورة يمنية جديدة، وذلك من خلال برامج راح يبثها من اذاعة "صوت العرب" التي كانت ناشطة في مجال التحريض السياسي في ذلك الحين. وبالتوازي مع عمله التحريضي ذاك، اشتغل الزبيري محاضراً في اللغة العربية بجامعة الاسكندرية منذ 1960. وكان ذا نشاط ادبي شعري واسع هو الذي اعترف لاحقاً بان الشعر كان لديه في خدمة السياسة، حيث يقول في نص كتبه عن سيرته وعن شعره: "وشعري او معظمه تطغى عليه السياسة سواء ما كان منه مدحاً وما كان رثاء وما كان ثورة، وما كان شكوى، او ما كان شيئاً غير ذلك وهذا هو المنطق الواقع، فان حياتي كلها ليست حياة منفكة عن الحياة العامة بأي حال من الاحوال". ومع هذا يضيف الزبيري: "كنت مفتوناً بشعري الى أبعد حدود الفتنة...". عاد الزبيري الى صنعاء في 1962، حيث قامت ثورة عبدالله السلال ذات الارتباط بمصر الناصرية، فعين نائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للتوجه والاعلام. غير ان شهر العسل بينه وبين الثورة لم يدم طويلاً، اذ انه سرعان ما استقال من المناصب التي اسندت اليه كافة، هو الذي شغل الى ذلك وزارة التربية كما عين عضواً في البعثة اليمنية لدى جامعة الدول العربية. غير ان اخلاءه الى الهدوء بعيداً عن السياسة حيث كان يود الانصراف الى الادب، لم ينجه من مصيره، اذ ما ان حلّ اليوم الاخير من آذار 1965 حتى قتل غيلة "دون ان يعرف قاتله" وإن كان من المعروف ان من قتله كانوا رفاقه في ثورة 1962، الذين اختلف معهم كما أسلفنا. وقد وضع الزبيري العديد من المؤلفات السياسية ومن ابرزها "الخديعة الكبرى في السياسة العربية" 1959 و"الامامة وخطرها على وحدة اليمن" و"الاسلام دين وثورة"، اضافة الى كتابته لسيرة "نعمان: الصانع الاول لقضية الاحرار" 1961. اما في مجال الكتابة الادبية فقد اصدر عدة مجموعات شعرية أبرزها "ثورة الشعر" و"صلاة في الجحيم" 1961 كما اصدر رواية بعنوان "مأساة واق العراق". ولقد جمع شعره في "ديوان الزبيري" الذي صدر في بيروت عامي 1978 و1982، مع مقدمة دراسية وافية كتبها المثقف اليمني المعروف عبدالعزيز المقالح.