مثل فراشات بيضاء وقف المستقبلون بدشاديشهم البيضاء. مدخل مطار دبي الدولي يتحول الى منتزه متحرك للألوان والشخصيات الكرتونية والمهرجين. الزحمة كبيرة و"فتيات مرحبا" بأزيائهن الصفراء يقفن حاملات لوائح أسماء الوافدين الذين عليهن مرافقتهم الى مراكز ختم الجوازات. السيل لا ينقطع وقوافل القادمين الذين تفرغهم الحافلات الضخمة عند بوابات الدخول الى صالة الوافدين لا يتوقف على مدار الساعة. هوليوود صغيرة تشع في الردهة الاولى التي يخطو اليها القادمون. الدشاديش البيضاء تشبه تماثيل متسقة. أغلب اصحابها اخضعوا أنفسهم ل "ريجيم" قاسٍ استعداداً للولائم والاحتفالات التي عليهم ان يحضروها خلال 31 يوماً يستغرقها "مهرجان دبي للتسوق 98". التجربة علمتهم. المهرجان يتكرر للسنة الثالثة ودبي تصبح مائدة كبيرة ومحلاً واسعاً ومسرحاً مفتوحاً. الضيافة هنا صنعة يقوم بها محترفون لكنها اولاً، وقبل كل شيء، تشبه شبكة عنكبوت تغزل خيوطها في كل ارجاء المدينة ونواحيها وتعج بالحركة والمسرّة... والمأكولات من سائر اقطار المعمورة. محمد القرقاوي، منسق عام المهرجان، وقف ومعه بقية اعضاء هيئة المهرجان. بينهم ايضاً من تلفعن بالرداء الاسود الطويل المنسدل في راحة لا يقضُّها الا زحمة الحركة ومتابعة الاجراءات. الازدحام بدا شديداً وعدسات المصورين وأقلام الصحافيين كانت الحاضر الاكبر عند مدخل المطار. أسرة "الهندي" السعودية لم تكن تتوقع هذه المفاجأة. اكبر جائزة لطفل في العالم منحت لولديها عمر 6 سنوات وأفنان 4 سنوات. الوالدان القادمان على رحلة من جدة الى دبي كانا ينظران بدهشة واضحة الى علب الهدايا وهي تفتح وتخرج مكنوناتها. افنان تعلقت بذراع والدها. كانت الكاميرات تنقل المشهد وعلامات الدهشة البادية بوضوح على محيا العائلة السعيدة. في الدقائق الاولى لافتتاح المهرجان، الذي يستمر 31 يوماً من 19 الشهر الجاري وحتى 18 الشهر المقبل، اختار المنظمون ان يقدموا الى أول طفل يصل الى دبي اكبر هدية في العالم ستدرج في موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية. انتقل المنظمون جميعاً الى مدرج المطار منتظرين نزول اول زائر صغير لدبي لدى انطلاق مهرجانها السنوي للتسوق. العائلة السعودية فوجئت بحجم الوفد الكبير نقلت في سيارة ليموزين الى صالة الوافدين. عند المدخل نصبت علب الهدايا الضخمة التي كانت تعلو حتى السقف. المهرجون كانوا يحيطون بالحشد. هناك جو من الفرحة يمتد داخل المطار بأكمله ويفيض الى انحاء المدينة. مدير عام الدائرة الاقتصادية عضو اللجنة العليا لمهرجان التسوق محمد العبار يقول "مهرجان 98 يعتمد على صورة الطفل وصورة العائلة لأن لا مهرجان ينجح من دون اطفال ومن دون نساء". الاحتفال بعائلة الهندي وتكريمها وانزالها في فندق "شيراتون دبي" على حساب هيئة المهرجان كان بادرة رمزية هدفها اظهار الاهتمام بالطفل الذي اختاره المنظمون شعاراً لهم. يضيف العبار "كل جهودنا ركزناها السنة الجارية على تكريم الاطفال وتعزيز الاهتمام بنشاطات العائلة. البرامج التي ينيف عددها على 250 برنامجاً تنصب على ابراز هذا الجانب. هناك عامل التسوق الذي يعتبر العنصر الاساسي للقادمين الراغبين في الاستفادة من الحسومات على الاسعار، ولكن الانشطة الرياضية بجميع أنواعها والبرامج التعليمية والتثقيفية اعدت لتشمل جميع فئات القادمين سواء كان الامر يتعلق بتهيئة الام لمعرفة أسس تدريس أطفالها أو كان موضوعاً يتعلق بتربية الطفل وتعليمه". يتابع قائلاً "على مدى السنوات الثلاث الاخيرة صارت الجوانب الاخرى المصاحبة لانشطة التسويق اقوى وأكثر اتساعاً. واعتقد بان الانسان كسائح أو زائر أو مقيم يرغب في الجانب الترفيهي وثمة انشطة وندوات للأطفال والنساء والرجال والمعاقين بجميع فئاتهم نظمت لتلبية هذه الرغبة". في حديقة خور دبي داست اقدام المتدافعين النباتات الغضة والشتول التي سهر عمال البلدية على نصبها ومد انابيب الري بالتنقيط على امتدادها. الحديقة شهدت حفل الافتتاح الاول ورجال الشرطة تفانوا في عملهم لتسهيل انسياب السير. الانشطة التجارية التي كانت تقوم بجانب الحديقة العام الماضي نقلت وتوزعت في انحاء المدينة. الخطوة خففت شدة الازدحام الذي كانت تعانيه الشوارع المحاذية. لكن الامر في يوم الافتتاح كان مختلفاً وأصحاب السيارات اوقفوها مسافات بعيدة تحتاج الى ربع ساعة احياناً لقطعها، بعدما سدت المنافذ الى الشوارع التي تسير فيها الاستعراضات. داخل الحديقة تقاطر المتفرجون، خليط الجنسيات مذهل. هناك كرة ارضية صغيرة ولدت فوق مساحة حديقة شاسعة يحدها الخور ومياه البحر الزرقاء التي تسكنه. الأزياء المختلفة واللهجات والأعراق اجتمعت في خليط عجيب يكاد يحجب فتنة الاستعراض الكبير الذي نظم بترتيب يثير مشاعر حنان ويدفع الابتسامة قسراً الى الشفاه. على طول الطرقات الفرعية التي تذرع باسفلتها جوانب حديقة الخور وقفت صفوف الاطفال الصغار تحفها انظار المعلمات المتشحات بالرداء الاسود المنسدل. كل مجموعة من الاطفال، وأغلب المشاركين من الفتيات الصغيرات، كانت ترتدي زياً خاصاً. تنوعت مواضيع الأزياء، والاستعراضات الفولكلورية شدت انتباه الحاضرين. بعض الفتيات رقصن في استعراضات فنية شعبية محلية وأخرى تعود الى بلدان متفرقة من العالم. كانت هناك خريطة كبيرة من ثقافات الارض، تموج بين ايدي الصغيرات اللواتي طرن في حركات متقنة، شابها بعض الارتباك احياناً، يقلدن انماط الفنون الشعبية في شتى بقاع العالم. الحدث يوم الافتتاح بدا كبيراً. هناك احتراف لا بد من الاعتراف به. تحويل مدينة الى منتزه مفتوح انجاز كبير. حفنة العاملين في مقر هيئة المهرجان يعملون على مدار الساعة لتنظيم وربط الانشطة الكثيرة التي تستمر 744 ساعة سيخفق فيها قلب دبي على ايقاع الاحتفالات التي شرعت المدينة ذراعيها لها وتركت ليلها بأكمله مضاء بأنوار النيون والليزر خوفاً من ان يبعد النهار بضوئه عن أعين الساهرين. مساء الاحتفال كان "نادي خور دبي للغولف واليخوت" مسرحاً لاستعراض عالمي عزفت فيها أنامل فانيسا ماي على آلة الكمان ألحاناً من تأليفها رافقتها فيها فرقتها الموسيقية التي صحبتها مراراً في جولاتها حول العالم. القنوات الفضائية كانت حاضرة لتنقل عبر عدسات كاميراتها المصوبة الى المسرح الكبير الذي نصب للفنانة العالمية الشابة تفاصيل الاحتفال الباذخ بألوانه المتجددة وموسيقاه العذبة وألعابه النارية الساحرة الى المشاهدين في عشرات البلدان. فانيسا ماي وأعضاء فرقتها والفنانون المحليون قدموا استعراضات راقصة. الموسيقى مستوحاة من معنى الحب ومن الافكار التي تراود مخيلات الاطفال الذين يشكلون الموضوع الرئيسي لأنشطة المهرجان. المسرح غير المرتفع لم يتح للكثيرين ممن جلسوا حول الطاولات الخلفية مشاهدة العروض الراقصة. وحدهم الراقصون الذين ساروا على عصي طويلة وقد ارتدوا أزياء سحرية ملونة بألوان تغيرها الاضواء الليزرية التي تنسكب من زوايا معتمة استطاعوا ان يبرزوا للمشاهدين البعيدين عن المسرح. البعض اضطر للوقوف او ترك مقعده للاقتراب من المنصة ليستطيع ان يمتع ناظريه بالعرض الساحر. لكن احداً من المشاهدين الألفين ممن حفت بهم حديقة "نادي خور دبي" لم تفته رؤية الاستعراضات الليزرية التي رافقت ايقاع الموسيقى او رؤية الالعاب النارية وهي تدوي في سماء دبي بألف لون ولون في عروض مذهلة البراعة. منذ العاشرة مساء ولمدة ربع ساعة اخذت الالعاب النارية تدوي وتنفجر وترسم نوافير من الضوء واللون وتحفر في جدار الظلام المنحسر امام انوار النيون التي تشع من ارض دبي اشكالاً وزهوراً واشجاراً تتدلى جذوعها وأغصانها في استرخاء لا يلبث ان يعكره الضوء الذي شع هنيهات في كبد السماء. الالعاب النارية كانت في اول الليل والسمر. لكنها حملت كل المشاهدين سنوات كثيرة الى عمر الطفولة. كانت هناك العاب نارية وليزرية ترافق اداء فرقة فانيسا ماي. الشعور بالدهشة امام هذه الالعاب كان رحلة إثارة وجيزة اعطت لبداية المهرجان معنى الطفولة ولمسة دفء ساورت نفوس الحاضرين. رحلة الاثارة استمرت بعد العرض الموسيقي. كثيرون شعروا بعد انتهاء العرض الساحر بأن لا رغبة لديهم في تذوق الاطعمة المنوعة التي جهزت للساهرين في بوفيه مفتوح يكفي آلاف الزوار. الذين غادروا حملوا في داخلهم شعوراً بالامتلاء. بعضهم كان يفكر في الاسترخاء وقضاء بعض الوقت للراحة. هناك ثلاثون يوماً تنتظر. الفاعليات والانشطة كبيرة كبر المدينة التي تقضم الارض حولها كل يوم وتمد خيوطها الخضراء في احكام مطبق على كل الارض التي تحيط بها.من الجو تبدو دبي لوحة سوريالية تحفها خيوط نور تسلك في كل اتجاه. خيوط نيون وليزر وأضواء كهربائية تلتف حول سيقان الاشجار وجذوع النخيل وجريدها وسطوح المباني وواجهاتها وضفاف الشوارع والخور الناعس والحدائق الملونة. المدينة تتألق في الظلام من بعيد. الطائرات التي تقلع وتهبط من غير توقف تجعلها تبدو اشبه بعش نسر كبير يبقى بعيد المنال ممتداً امام الناظرين متاحاً تصعب الاحاطة به بيد واحدة. دبي فيها ابتكارات جديدة وأخبار كثيرة وأنشطة متنوعة. المرور بها لأيام لا يكفي والاقامة بها لا تكفي والغياب عنها لا يكفي. انها مدينة الحلم الذي لا ينام، مدينة لا تحب الهجوع ولا الاسترخاء، مدينة عربية تسكنها روح هوليوودية.