تانيا يارد، الراقصة الأولى في فرقة كركلا، تتحدث عن الرقص بيديها وملامح وجهها وعينيها السوداوين الواسعتين. تتحدث بنهم وبراءة مثل طفلة أثارها شيء عجيب. ولو قلنا أن الرقص حياتها لا نجانب الحقيقة. كثيراً ما تكون مريضة، محرورة، بالكاد قادرة على كوب ماء، فمتى لمست قدماها خشبة المسرح تراها توقدت مثل جمرة. إنها "أليسار" و"الميساء"، وفي الشخصيتين يتبدّى اتقانها بوضوح مميّز، وتتجلّى تقنيتها المؤسسة على الباليه والرقص المعاصر، مجبولة بالرقص الشرقي. منذ صغرها تحمست تانيا لساعة الرقص الأسبوعية في المدرسة لكنها لم تكن تفكّر بأكثر من ذلك حتى وقعت الحرب اللبنانية واضطرت أسرتها الى الهجرة العام 1975. وفي باريس دخلت مدرسة متخصصة بالرقص حيث أكملت دراستها الثانوية، وكانت تضيف الى ذلك دورات للتخصص كلما سنحت الفرصة. العام 1980 جاءت في زيارة الى لبنان مع صديقة فرنسية. وكانت سمعت بفرقة كركلا وأرادت ان تعطي صديقتها فكرة عن رقصنا: "كانوا يقدمون "حكاية كل زمان" في الكازينو. صديقتي أعجبت كثيراً بالمستوى الفني وبراعة الراقصين. والواقع ان كركلا كان يحتوي مجموعة مهمة يومذاك. في الإستراحة دخلنا الى الكواليس لتهنئة عبدالحليم ولقاء الراقصين. وهكذا بدأت مع كركلا، بالصدفة". شاركت تانيا في "حكاية كل زمان" جزئياً لدى تصويرها للتلفزيون. ثم تقدمت الى الصف الأول مع راقصي وراقصات "حيّوا الفرح". وفي "أصداء"، التي احتوت لوحات ومقاطع من أعمال كركلا السابقة، تألقت تانيا ووطّدت خطواتها في مقدمة الفرقة. وتوالت الأعمال: "حلم ليلة شرق" ثم "أليسار" وأخيراً "الأندلس، المجد الضائع". في 15 سنة خمسة أعمال تخللتها رحلات الى الخارج شملت الولاياتالمتحدة وأوروبا والشرق الأقصى وأفريقيا. في منزلها في الرابية تكلمت تانيا عن افتقار لبنان الى معهد وطني للرقص وغياب الرقص كمادة مقبولة في برنامج كلية الفنون. "هناك مدارس هنا وهناك تعلّم الباليه والرقص المعاصر. لكن لو عاد الأمر إليّ، بعدما اطّلعت على الفارق، لما أضعت وقتي في دراسة الرقص في لبنان، لا لأن المدارس الموجودة رديئة بل لأن المستوى الحرفي ما زال عندنا أقرب الى الهواية والتجريب، والأفضل - كما يقول المثل - ان تعطي خبزك للخبّاز". أما واقع حياة الراقص من الناحية المعيشية فالسؤال عنه يجعلها تضحك ساخرة: "ليست لدينا ضمانات من أي نوع. وبما أن الدولة لا تساعد ولا تدعم فإن الراقص مجبر على البحث عن عمل آخر ليعيش منه. ولذا رأينا تدهور المستوى في السنوات الأخيرة، فالراقصون والراقصات يبلغون مرحلة في حياتهم تجبرهم على البحث عن استقرار مادي، عن مستقبل لأطفالهم وحماية من المرض والشيخوخة، وهذا كله غير متوافر بالمرة". وتقول تانيا ان تدرّجها بلغ الذروة في "أليسار" لكنها تتوقع تكثيف خبرتها مع كل عمل. وهي لا تستطيع ان تضع لنفسها حدوداً. "بالطبع عليّ أن أتوقف متى قررت أن أنجب الأطفال في الأعوام القليلة المقبلة. لكنني أستطيع العودة حسب الظروف. فالرقص في دمي، ولا أعرف كيف يمكن أعيش من دونه".