المشاكل والأزمات المعاصرة السياسية منها او الاقتصادية التي تواجهنا كأمة، تطفو على السطح تارة من الزمن قد تزيد وقد تقصر، لكن ما ان تنفرج بشكل او بآخر حتى يعود الكلام والخصام أحياناً أخرى حول قضايا الأمة التاريخية المزمنة والتي قد تمثلها الى حد بعيد ثنائيات التراث والحداثة والدين والعصر. انها قضية جوهرية تنمو وتستقر داخل وجدان كل عربي ومسلم. الرؤية الحقيقية لها يجب ان تنبع من خلال الادراك التام بأننا امة "نص" وهو القرآن الكريم. هذه حقيقة لا يمكن بحال من الأحوال تجاوزها او الغاؤها وإلا خرجنا من نطاق مفهوم الأمة تاريخياً بالمعنى الاسلامي الشمولي "هذه امتكم أمة واحدة". واعتقد بأن التشكيك في هذا النص الخالد بين الحين والآخر لا يخدم قضايا الأمة العربية او الاسلامية لارتباط مفهومي "العرب" و"الاسلام" ارتباطاً لا يمكن فصله بحال من الأحوال واعتماد كل منهما على الآخر. فهذا النص ثابت لا يمكن تغييره لكن الجزء المتحرك في هذه المعادلة هو "فهمنا" لهذا النص والذي يجب ان يكون حركياً ديناميكياً. فالأزمة في الأساس أزمة فهم جامد وليست أزمة نص، فالأجدر العمل على تحريك الفهم لدى العقل العربي والاسلامي لتجاوز مرحلة الجمود والتوقف. وانعكاس هذه الاشكالية على واقعنا المعاش المعاصر اورثنا مشاكل نفسية جعلتنا نتبنى ميكانيزمات الدفاع لمحاولة تبرير واقعنا المعاصر. فاستحضار أمثلة من ماضينا المجيد لنرشق بها انجازات الحضارة الغربية الانسانية على وجه الخصوص أسلوب عجز وخطأ كبير يتمثل باستبدال الحاضر بالماضي وإلغاء لدور النقل النقدي الذي ترتكز عليه الحضارة المعاصرة. ان دخولنا عصر العلم والاتصالات يظل ناقصاً ما لم تدخله البنية الثقافية ايضاً، وبغير اعتمادنا على العقلية النقدية والتركيز على خلق مهارات التفكير النقدي في برامجنا التعليمية سنظل خارج الاطار التاريخي لعصر التقدم وإن عايشناه على استحياء كمستهلكين وزبائن. فالأزمة عميقة وعلاجها يتطلب تغييرات في البنى والقوالب الفكرية وهي أمور في منتهى الصعوبة ولكنها تصبح حتمية إذا ما أردنا تفعيل الحاضر بدلاً من تقديس الماضي.