تلقى ائتلاف أكاديمي تجاري في كندا الأسبوع الجاري مساهمة مالية سخية لتمويل مشروع طموح يرمي الى تطوير شبكة ذات أبعاد عالمية قادرة على نقل المعلومات والتطبيقات المتعددة الوسائط بسرعة خرافية تصل الى 1000 غيغابايت في الثانية، ما يعادل زهاء 17 مليون ضعف السرعة المتوافرة حالياً لمتصفحي انترنت. وكشف القائمون على المشروع لپ"الحياة" أول من أمس ان الحكومة الكندية قررت في خطوة لم تعلن بعد المساهمة بمبلغ 40 مليون دولار أميركي لغرض تمويل الأبحاث الخاصة بالشبكة الجديدة التي يشرف على انشائها وتشغيلها هيئة تطوعية تضم ائتلافاً من الجامعات ومعاهد البحث وشركات الاتصالات الرئيسية في كندا. وقال البروفيسور اندرو جيرنغ رئيس الائتلاف الأكاديمي التجاري الذي يطلق عليه اختصاراً اسم "كناري" الشبكة الكندية لتقدم الأبحاث والصناعة والتعليم ان المشروع الكندي يعتبر أول شبكات الجيل الثاني على المستوى العالمي وهو قادر على التعامل مع المعلومات الحسابية والتطبيقات المتطورة التي تعجز عنها شبكات المعلومات الحالية. وأوضح رئيس "كناري" التي يتخذ مقره في العاصمة الكندية اوتاوا ان الشبكة المقترحة "تدعم التطبيقات المتعددة الوسائط مثل المؤتمرات الحوارية والصور والرسوم الرقمية التي يتطلب تبادلها سرعات عالية ولا يحتمل التأخير والاختناقات التي يعانيها الجيل الحالي من شبكات المعلومات التجارية"، اشارة الى شبكة المعلومات العالمية. وحول الهدف من المشروع أشار جيرنغ الى ان شبكة المعلومات الجديدة ستخصص لأغراض البحث العلمي والتقني حصراً في المرحلة الأولى لكن استخداماتها المحتملة تشمل مجالات حيوية عدة أهمها ما يسمى بپ"التعليم عن بعد" والخدمات الطبية المتخصصة مثل متابعة العمليات الجراحية ودرس وتبادل صور الاشعة بين المخابر والعيادات. وذكر ان نجاح المشروع يرتكز على القدرات التقنية التي تملكها شركات الاتصالات الكندية والعاملة في كندا مثل "بيل" و"اي تي اند تي" و"تيليغلوب". وشدد في المقابل على مساهمة الجامعات ومراكز البحث الكندية التي قال انها ستكون أول مستخدمي شبكة المعلومات الجديدة حال دخولها الخدمة الفعلية في بداية الفصل الرابع من السنة الجارية. وشكلت مساهمة الحكومة الكندية حتى الآن مصدر التمويل الوحيد المتوافر للمشروع لكن "بيل أرنود" مدير مشاريع شبكات المعلومات لدى الائتلاف قال ان المخصصات الحكومية ستكون كافية لتغطية النفقات الأساسية المطلوبة وضمان اطلاق الشبكة الجديدة في الموعد المحدد وإن لم يستبعد احتمال مشاركة القطاع الخاص في عملية التمويل. وأوضح ارنود في مقابلة مع "الحياة" ان الشبكة الجديدة التي أطلق عليها اسم "كاستار نيت - 3" ستبنى على نجاحات سابقة حققها الائتلاف في مجال انشاء شبكات البحث المتطورة منذ انشائه سنة 1990 لا سيما شبكة "كاستار نيت - 2" التي دخلت الخدمة الفعلية في حزيران يونيو الماضي وتم ربطها بالشبكات المماثلة في الولاياتالمتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وجنوب شرق آسيا. وقال: "أود التأكيد على أهمية شبكة كاستار - 2 اذ تحاكي المشروع الأميركي المعروف باسم نيت - تو وتقوم على تقنية الموجة العريضة التي تتيح سرعات فائقة لتبادل المعلومات لكنها فعلياً أول شبكة وطنية تتمكن من الارتباط بالشبكات المماثلة في بعض الدول الأخرى رغم ان غالبية هذه الشبكات، لا سيما الأميركية لا زالت في مراحلها الأولى". وأشار الى ان "كاستار نيت - 2" تعتمد على شبكة من البدلات الحديثة التي تعمل بنظام التحويل غير المتزامن ATM وتتيح الفرصة لتقديم خدمات تشبكية متطورة والتعامل مع التطبيقات المتعددة الوسائط بنوعية عالية مثل تحميل ملفات أشعة اكس الضخمة بحركة فورية وهي عملية تتطلب مئات الدقائق في حال شبكة المعلومات العالمية مع ما يعنيه ذلك من مخاطر بالنوعية ودرجة الجودة. ولفت الى ان الشبكة المذكورة ليست للاستخدام العام والجهات الوحيدة المخولة لاستخدامها دونما حاجة للحصول مسبقاً على اذن من ادارة ائتلاف "كناري" هي الجامعات ومخابر البحث الحكومية وتتلخص العبرة من تقييد الاستخدام في اعتقاد الائتلاف ان هذه الجهات قادرة على المساهمة في تطوير الشبكة وتأهيلها للاستخدام التجاري في مرحلة لاحقة. وبالمقارنة مع سابقتها، أوضح مدير مشاريع شبكات المعلومات لدى الائتلاف المذكور ان "كاستار نيت - 3" ستعتمد على ما يسمى بپ"التقنية الضوئية" التي تعمل بنظام متطور لبث الموجات الليزرية المتعددة القياسات مما يسمح بنقل كميات هائلة من المعلومات الرقمية عبر الألياف الضوئية في فترات زمنية متناهية في الصغر. وقال: "حسب دراساتنا ومخططاتنا الأولية ستعمل الشبكة الضوئية التي ستحل لاحقاً محل كاستار نيت - 2 بسرعات تراوح بين 10 غيغابايت في الثانية في حد أدنى و1000 غيغابايت في الثانية في حد أقصى وسيتم ضمان هذه السرعة العالية عن طريق استخدام خطوط وشبكة اتصالات خاصة مثل الشبكات المستخدمة من قبل شركات الكابل. وما تعنيه السرعات الفائقة للشبكة الضوئية ان المتصفح سيكون بمقدوره تحميل مسوحات ومخططات طبية بالغة الدقة في حركة شبه فورية فيما يستغرق تحميلها عبر انترنت عادة بضعة أيام، وسيحصل فوق هذا على صور ديناميكية مجسمة ثلاثية الأبعاد وهو ما لا يمكن التقليل من أهميته في المجالات الطبية على وجه الخصوص. وأكد ارنود ان التقنية الجديدة ستجد طريقها الى الاستخدام التجاري في الوقت المناسب وسيكون بمقدور المستهلك العادي حينئذ الاستفادة من مميزاتها، لكنه أوضح في الوقت نفسه ان الشبكة الضوئية ليست منافساً او بديلاً لشبكة المعلومات العالمية حتى بالنسبة لزبائنها الأوائل من الجامعات ومراكز البحث الكندية. وقال: "تشير تقديراتنا الأولية الى ان الشبكة الضوئية وسابقتها كاستار نيت - 2 تستجيب لنحو 10 في المئة فقط من احتياجات المشتركين لدينا، خصوصاً في مجال تبادل التطبيقات المتعددة الوسائط، ولهذا السبب نشترط على الجامعات ومراكز البحث الراغبة في الاستفادة من خدماتنا الاشتراك مع أحد موفري خدمات انترنت". ولا يعني هذا الشرط تراجعاً في طموح القائمين على مشروع شبكات البحث الكندية بقدر ما يأخذ بعين الاعتبار الامكانات الهائلة المتوافرة للشبكات التجارية، أقله من وجهة نظر احدى الشركات المعنية بمتابعة تطور شبكة انترنت. ويعتقد آلان ميكلر رئيس شركة "ميكلر ميديا" الأميركية التي قامت بتنطيم معرض "انترنت كندا" السنوي في مدينة تورونتو أخيراً ان انترنت شبكة العنكبوت العالمية لا زالت في مرحلة "الحبو" لكنها على وشك الدخول في مرحلة من التطور الهائل الذي سيحدث، حسب رأيه، تغييراً جذرياً في الطريقة التي نعيش بها حياتنا ونسير بها أعمالنا. ويرى ميكلر ان العامل الحاسم والمهم في مرحلة التطور المقبلة سيكون قدرة شركات الاتصالات على تبني تقنية الموجة العريضة وتسخيرها لخدمة متصفحي انترنت في منازلهم بكلفة اقتصادية وهو احتمال رجح حدوثه في غضون ثلاث سنوات قائلاً ان سنة 2001 ستكون سنة حاسمة في مسار شبكة المعلومات التجارية. وكبرهان على جدية توقعاته أشار ميكلر ضمن ملاحظات قصد منها في المقام الأول الترويج لمعرض "انترنت كندا" الى سلسلة اتفاقات الدمج والتملك التي شهدتها صناعة الاتصالات في الولاياتالمتحدة خلال الپ16 شهراً الأخيرة وبلغت قيمتها الاجمالية نحو 54 بليون دولار. وقال ان كل هذه الاتفاقات تصب في خانة انترنت وستترجم في نهاية المطاف الى ثورة حقيقية في حياتنا وأعمالنا.