ربما تبدو الذرّة شيئاً صغيراً جداً بالنسبة للكثيرين، لكن الاختصاصيين فيها، مثل محمد شاكر (كندي من أصل جزائري، مواليد وهران 1954) يتعاملون مع الذرّة المفردة وكأنها بحجم غرفة ضخمة أو ملعب فسيح. وبصورة مبسطة، تتألّف الذرّة من إلكترونات تدور في مدارات حول نواة تتألف من جسمين أساسيين هما البروتون والنيوترون. وإذ يغوص الاختصاصيون في هذه المُكوّنات، فإنهم يكتشفون القوى التي تربطها ببعضها، وأنواع الأشعة التي تتولّد عنها، كما يسألون عن التراكيب التي تتألف منها مكوّنات الذرّة نفسها! في هذا العالم الدقيق والمتشابك، اختار شاكر اختصاصه، مركّزاً على الأنواع المختلفة من الأشعة الذرية. وبدأ مشواره بالسفر إلى فرنسا لإكمال علومه الجامعية، فنال شهادة الماجستير في الفيزياء من جامعة «بيار وماري كوري» في باريس (1978). بدأ دراساته المتخصصة عن بلازما الذرّة في جامعة «أورساي» الفرنسية، ثم أكملها في جامعة مونتريال (كندا)، حيث نال شهادة الدكتوراه عام 1985. جيلان من الليزر تلقى شاكر منحة من حكومة كندا للعمل كمتدرب في «المعهد الوطني للبحث العلمي» في كيبك في مجال تفاعل الليزر (وهو أشعة تصدر من التلاعب بالذرّات) والحفر على المواد النانوية المتناهية الصِغر بواسطة أشعة أكس، وهي من إشعاعات الذرّة أيضاً. وتدرّج شاكر في هذا المعهد ليصبح مديراً للطاقة والمواد والاتصالات السلكية واللاسلكية، وأستاذ كرسي في «دائرة بحوث كندا»، ومشرفاً على مختبرات إنتاج البلازما وتصنيع المواد المتناهية الصغر والكتابة بالليزر. كما يعمل أستاذاً زائراً في مختبرات البلازما في فرنسا، و«مختبر العلوم» في جامعة ميتشيغان الأميركية. وتصفه وثائق «المعهد الوطني للبحث العلمي» بأنه خبير بارع في دراسة البلازما بواسطة الليزر، وفي عمليات التوليف والحفر على المواد بأشعة أكس وتصنيع المواد النانوية وتنمية التردّدات اللاسلكية. وفي مقابلة مع «الحياة»، ذكر شاكر أنه قاد، منذ عام 1999، برنامجاً للبحوث يركز على دراسة مصادر البلازما المتطورة، إضافة الى الليزر والبلازما العالية الكثافة. وبيّن أن البرنامج يهدف الى تعزيز عمليات تصنيع المواد الفائقة الصغر، بمعنى أنها تقاس بالنانومتر الذي يساوي كسراً من الألف من المليون من المتر! ولفت إلى أن نتائج هذه البحوث وفرت له قاعدة علمية أساسية لفهم آليات السيطرة على أشعتي «إكس» والليزر، خصوصاً الليزر الذي ينتج في نبضات زمنية تساوي نانوثانية Nanosecond، أي واحد على البليون من الثانية. وأوضح شاكر أن بحوثه تمحورت حول جيلين من الليزر. يحمل الأول أسم الليزر العالي الحرارة High Temperature Laser، وهو أشعة تستعمل في إنتاج بلازما مشعّة يصدر عنها أشعة أكس. ويستعمل هذا الليزر للحفر على المواد الفائقة الصلابة، مثل الألماس. وتصل قوة بعض أنواع هذا الجيل إلى ملايين الكيلوواط من الكهرباء. ويشار الى الجيل الثاني باسم الليزر المنخفض الحرارةLow temperature Laser، ويستعمل في التعرّف الى تركيبة المواد المتعددة، إذ «تنكشف» عند ضربها بالليزر، كما يستخدم في رصف المواد الفائقة الصغر (نانوية) وربطها ببعضها بعضاً. وأوضح شاكر أنه بفضل هذه التقنيات، صار ممكناً التوسّع في تصنيع صفائح بالغة الرقة من الذهب أو المعادن الأخرى. وبيّن أنه منشغل حاضراً في التعمّق بآليات عملية توليف المُكوّنات النانوية Nanoparticles Synthesis بواسطة استعمال الليزر. والمعلوم أن هذه الآليات تجد تطبيقات واسعة لها في الكومبيوتر والإنترنت. فمثلاً، تستخدم في تطوير قوة الرقاقات الإلكترونية، بحيث تتسع لبلايين من البايت في مساحة صغيرة جداً. وكذلك تستعمل في زيادة قوة الألياف الضوئية للإنترنت، فتصبح قادرة على نقل مواد «ثقيلة»، مثل السينما والبث المتلفز والألعاب الإلكترونية، بسرعات عالية. وفي الكيمياء، تفيد هذه الآليات في تحفيز تفاعلات كيماوية غير تقليدية. وتحدّث عن مسألة «الحفر» على المواد بأشعة الليزر، بمعنى استخدام الأشعة الفائقة الدقة للتحكّم بذرات أو جزيئات على سطح معيّن، ثم جرّها وتجميعها وتنظيمها بالطريقة المطلوبة. ويعتبر هذا «الحفر» بالأشعة من العمليات الأساسية في تقنيات النانو. وشرح شاكر أحد إنجازاته الأخيرة، المتمثل في تقصي أضأل كميات من مادة معينة، إذا وُجِدت في وسط، مثل الماء. وبذا، يفيد هذا التقصي في تحديد تركيز المعادن الثقيلة في وسط مائي، مهما كان ضئيلاً. وبيّن أنه اتفق مع شركة «نورتل» الشهيرة، على صنع أدوات إلكترونية دقيقة باستخدام البلازما. وأوضح شاكر أيضاً أنه عمل على إنشاء شبكة للتواصل بين المهتمين بشؤون علوم النانو، وسمّاها «شبكة العلوم الدقيقة وتكنولوجيا النانو». وتربط الشبكة عدداً من الجامعات الكندية والمؤسسات العالمية المتخصصة في قطاعات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات السلكية واللاسلكية. ونشر شاكر أكثر من 150 بحثاً في دوريات علمية، وقدّم 81 ورقة عمل في مؤتمرات دولية، وسجّل الكثير من براءات الاختراع المحفوظة في أرشيف «المعهد الوطني للبحوث» في كيبك. وتلقى بحوث شاكر اهتماماً وصل إلى حدّ منحه مساعدات مالية بما يزيد على 50 مليون دولار، لمتابعة هذه البحوث. ويحوز شاكر عضوية في «المؤتمر العلمي الدولي للمؤسسات المتعددة الجنسيات» و «مؤسسة كندا للإبداع العلمي» واللجنة المنظمة ل «المؤتمر الدولي لفيزياء البلازما» و «لجنة الخبراء في العلوم الدقيقة وتكنولوجيا النانو» و «لجنة التقويم لبرنامج البحوث الاستراتيجية» في كندا.