كان التعاون الأول بين مغنية الأوبرا العالمية شونا بيسلي والمعهد العالي للموسيقى في دمشق أثناء التحضيرات لأوبرا "ديدو وانيس"، عندما تم اختيارها من قبل المجلس الثقافي البريطاني مع عدد من الفنانين والتقنيين للتعاون مع المعهد. ونتيجة للنجاح الذي حققته الأوبرا فإن الفنانة شونا دخلت مع المعهد في تجربة جديدة تتضمن إقامة ورشات عمل مع الطلاب. وأبرز تواجد شونا بيسلي بشكل دائم في المعهد أمرين أساسيين: الأول مقدرة طلاب الأوبرا في سورية على التطور وتقديم أدوار مختلفة. بعد ان استطاعت هذه الفنانة احياء عدد من الحفلات مع الطلاب. والثاني اختلاف نظرة المنهج الذي تملكه شونا عما هو متبع في المعهد من قبل المدرسين الروس. وهذا التباين الذي أوجد بعض الخلافات أغنى عملياً نظرة الطلاب الى طبيعة الأوبرا، فبرزت شونا كفنانة أكثر منها مدرسة على رغم امتلاكها وجهة نظر تعليمية. واللقاء الذي أجريناه معها يبرز الى حد بعيد وجهة نظرها في طبيعة الغناء الأوبرالي وعلاقته مع الفنون في سورية. قبل ثلاثة أعوام تقريباً شاركت في أوبرا "ديدو وانيس" مع مجموعة مغنين سوريين، هل لاحظت بعد هذه الفترة تطوراً في الغناء الأوبرالي في سورية وفي طبيعة الاهتمام به؟ - عندما كنا نحضر لأوبرا "ديدو - وانيس" كان هناك الكثير من الصعوبات المتعلقة بالتمثيل الغنائي، فظهر خوف من طبيعة العمل وضخامته ومن التقنيات المرافقة له. لكن بعد ان تم تقديم الأوبرا زال هذا الخوف وأصبح الطلاب أكثر تقبلاً لتعلم الأداء الدرامي المرافق للغناء. بالطبع فإن هذا الأمر ينطبق على من شاهد الأوبرا واستمتع بها فأصبح أكثر استعداداً لسماع الغناء الأوبرالي، واعتقد بأن الطلاب اليوم متحمسون للتعلم على رغم عدم وجود دراسة درامية مكثفة لهم. تقومين الآن مع المعهد العالي للموسيقى بورشات عمل مشتركة، ما هي طبيعة هذا التعاون وما هي أهميته بنظرك؟ - ما نقوم به الآن هو نوع من التعاون يساعد الطلاب في التعلم من أدائهم المشترك، لكنني لا أعمل مع طلاب الصفوف العليا في المعهد فهم يخضون للتعلم من قبل مدرسين روس. والحفل الذي قمنا به أخيراً يعطي فكرة عن معنى ورشات العمل. اذ يستطيع الطلاب الاستماع الى أداء كل واحد متهم بشكل منفرد. فيتعلمون من هذه المشاركة بشكل فعال وبعيداً عن التدريبات التي تتخذ طابعاً تدريسياً بحتاً. واعتقد بأن الغناء الأوبرالي يحتاج لهذا النوع من التعاون لأنه ينتمي لثقافة أخرى مختلفة عن ثقافة البلد. فالطالب يستمع الى الموسيقى والغناء العربي في كل لحظة من حياته، بينما هو لا يعيش الثقافة التي تنتمي اليها الأوبرا. لذلك لا بد من ان نعطيه تلك الثقافة التي تعتبر غربية أو أوروبية وذلك عبر معايشتها. فالتدريس الأوبرالي يمنحه تقنيات الغناء فقط بينما هو بحاجة لاستيعاب الثقافة الخاصة بالأوبرا. فما نفعله عملياً هو اتاحة المجال للطلاب كي يجوبوا بأنفسهم ممارسة هذه الثقافة فيغنون بعض المقاطع المختلفة، ويعيشون حالات من الغناء والأداء الدرامي متباينة وبعيدة عن صرامة المناهج المقررة لهم. لا بد انك اطلعت على اشكال الثقافة الموسيقية السورية، سواء الموسيقى أو الغناء بشكله الكلاسيكي الشرقي، هل تجدين ان هناك بعداً ما بين هذه الاشكال والغناء الأوبرالي؟ - هناك فرق كبير بين الموسيقى العربية والغناء الأوبرالي. أنا ما زلت أتعلم عن الموسيقى والغناء العربيين، وأحياناً عندما استمع للطلاب يغنون بالعربية فإنني اختار مقطعاً معيناً وأطلب منهم ان يجدوا علاقة بينه وبين أدائهم الأوبرالي. ولكن هذا الأمر صعب لاختلاف التقنيات بين النوعين، فالغناء العربي يستخدم جزءاً من الصوت، بينما الغناء الأوبرالي يستخدم أجزاء اخرى ربما تكون الأعمق. ويظهر هذا الأمر في العضلات المستخدمة للغناء. فهناك توظيف للعضلات كافة عبر الغناء الأوبرالي مع إراحة لعضلات الصدر. وبعض الأداء العربي يتقارب مع الأوبرالي لذلك انبه الطالب الى ضرورة الاستفادة من هذا التقارب في أدائه. وهذا التنبيه يساعد كثيراً لأنه أقرب الى نفسه من أي شيء آخر. ولكنني أكرر ان هناك تفاوتاً كبيراً خصوصاً في موضوع التقنيات. هل تشكل اللغة عائقاً امام تعليم الطالب السوري الغناء الأوبرالي، أو تلقي المستمع لهذا الشكل الموسيقي؟ - اعتقد بأن ايجاد أوبرا بالعربية أمر مثير للاهتمام مثل التجربة التي قامت بها رتيبة الحفني في مصر، ولكن موضوع الترجمة يحتاج الى شخص يتقن اللغتين بشكل جيد ويكون مغنياً ايضاً. وبالنسبة الى المغني فإن جزءاً من عمله هو اتقان لغات عدة لأن الأوبرا كتبت بلغات كثيرة. فهو عندما يؤدي أوبرا معينة فإنه يفهمها كلمة كلمة، وهذا ما حاولت ان أقوم به في سورية، فسابقاً كانوا يعطون فكرة للطلاب عن العمل، لكنني طلبت منهم ان يفهموا العمل كله خصوصاً المقطع الذي سيؤدونه... لأنك عندما تفهم تفاصيل ما تقوله تستطيع معايشة الحالة الدرامية الموجودة فيه وخلق انطباع عنه أثناء الأداء. كيف ترين آفاق العمل الأوبرالي في سورية؟ - للأوبرا مستقبل كبير في سورية خصوصاً عندما ينتهي بناء دار الأوبرا، ولكن حتى انجاز هذا العمل اعتقد بأن البلد ستخسر معظم المغنين الذين سيذهبون للعمل في الخارج. وبالطبع فإن الاحتكاك وزيادة المعرفة عبر السفر أمر مهم جداً. ولكن من الضروري ان يعود هؤلاء المغنون الى بلدهم ليجدوا مكاناً لممارسة عملهم. ومن الأمور التي أحاول المشاركة في تحقيقها قبل عودتي الى بلدي تأسيس اعمال اوبرالية صغيرة، فليس من الضروري ان تكون الأوبرا بتكاليف باهظة وباستخدام تقنيات كبيرة ومسارح ضخمة. بل نستطيع اقامة حفلات صغيرة يتنوع فيها الغناء عبر تقديم مقاطع مختارة تضمن تواصل المغنين مع الناس، وتجعلهم يستمرون في التدريب والغناء والتفكير والتجربة في مجال الأوبرا.