بدأت منذ الأربعاء الماضي عملية تسجيل اسماء المرشحين للانتخابات التكميلية الفرعية البرلمانية في أربع دوائر انتخابية في ايران، أهمها طهران، تليها اصفهان ثم سلماس وخمين، وأعلنت وزارة الداخلية ان الانتخابات الفرعية ستجري يوم الجمعة 13 آذار مارس المقبل، ودعت الوزارة الايرانيين المقيمين في الخارج الذين يرغبون في ترشيح أنفسهم الى أن يراجعوا السفارات أو القنصليات السياسية في الخارج لتسجيل اسمائهم. وستجري الانتخابات في طهران لاختيار نائبين خلفاً للنائبين السابقين اللذين عينهما الرئيس سيد محمد خاتمي في حكومته، هما وزير الداخلية عبدالله نوري ووزير الأمن قربانعلي دري نجف آبادي. كما سيقترع الناخبون في اصفهان لاختيار خلف للنائب الدكتور مصطفى معين الذي عيّن وزيراً للتعليم العالي في الحكومة الجديدة. وستكون هذه الانتخابات أول اقتراع شعبي بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وتكتسب أهمية بالغة على رغم كونها فرعية ولن تؤثر نتائجها في قلب ميزان القوى السياسي والتركيبة النيابية داخل مجلس الشورى الاسلامي البرلمان الذي يضم 270 نائباً. ويحظى فيه اليمين المحافظ بالغالبية النسبية. وتعود أهمية الاستحقاق الانتخابي الجديد الى أنه سيكون بمثابة اختبار لتوجهات الرأي العام بعد عشرة شهور من انتخابات 23 أيار مايو التي حقق فيها خاتمي فوزاً ساحقاً على منافسه الرئيسي مرشح "مؤسسة" الحكم رئيس البرلمان علي أكبر ناطق نوري، وبعد ثمانية أشهر من تسلم خاتمي مقاليد الرئاسة بصورة رسمية وفعلية. ومن الواضح ان "جناحي" النظام الرئيسيين حريصان على اثبات وجودهما وتأكيد قوتهما السياسية. وإذا استطاع المرشحون المؤيدون لخاتمي الفوز، خصوصاً في دائرتي طهران واصفهان فسيكون ذلك بمثابة استفتاء ثانٍ لصالح الحكومة الجديدة والتيارات التي تؤيد خاتمي، وسينظر الى فوزهم على أنه رسالة تأييد شعبي لسياسات وأداء خاتمي وحكومته خلال الفترة المنقضية، وتعبيراً عن رغبة الرأي العام في دعم وتعزيز توجهات "الانفتاح والاعتدال" التي يرفعها "العهد الجديد" عنواناً لرؤيته وبرنامجه في الحكم، وهو ما سيشكل، في المقابل، انتكاسة جديدة للمحافظين والمؤسسة التقليدية، لن تضعفهم داخل البرلمان ولن تؤثر، بالضرورة، على هيئة رئاسته خصوصاً وأن عملية انتخاب رئيس البرلمان وسكرتاريته ستتم في حزيران يونيو المقبل، لكن آثارها السياسية السلبية على "اعتبار المحافظ" قد تكون محبطة لقواعده وأنصاره، سيما وأن الانتخابات الرئاسية كانت صدمة حقيقية وعميقة لا تزال آثارها بينة في تحليلات وتعليقات ومواقف سياسية حتى الآن، وانعكست في حدوث انقسامات داخل الجسم المحافظ العريض. أما إذا حقق المحافظون فوزاً في هذه الانتخابات النيابية التكميلية، خصوصاً وأنهم يحظون بثقل ديني ومالي كبير في العاصمة طهران، فانهم سيتخذون من المحطة الانتخابية والفوز مدخلاً للعودة الى الساحة بقوة، بما يمكن ان يشكل حرجاً سياسياً لأنصار خاتمي. ولا شك في التيار المحافظ ما زال يتمتع بنفوذ حقيقي وفاعل في مؤسسات النظام وهياكل الدولة، المدنية والدينية وغير المدنية، وهم لذلك لم يفقدوا كل قوتهم وثقلهم على المستوى الأفقي، أي على مستوى الحكم، لكن الانتخابات الرئاسية للأخيرة كشفت ظهورهم، وأبرزت أنهم يفتقدون القوة العمودية اللازمة لقيادة النظام وإدارة شؤون الدولة، أي التأييد الشعبي. وإذا استطاعوا، حينئذ، أن يضمدوا جرح الانتخابات الرئاسية بفوز في الانتخابات البرلمانية التكميلية، فلا محاولة انهم سيعيدون ترتيب أوراقهم بما يدفعهم الى الانطلاق في اتجاه الرأي العام في كل أنحاء البلاد وليس فقط في المناطق التي جرت فيها الانتخابات، سعياً الى كسب ثقته من جديد، سيما وأن الرأي العام الجماهيري يبدو ملتفاً حول خاتمي في هذه المرحلة، ويحرص مؤيدو الرئيس على استثمار هذا التأييد لصالحهم ولحساب تياراتهم، خصوصاً اليسار الاسلامي الراديكالي ومجموعة كوادر بناء ايران اللذين باتا يتمتعان بنفوذ في السلطة التنفيذية. ومع ذلك، وعلى رغم أن باب تسجيل المرشحين فتح الأربعاء الماضي، فإن ظاهر الأمور يوحي بأن أنصار خاتمي منقسمون والمحافظين مرتبكون. والأكيد ان خاتمي الذي خاض المنافسة الرئاسية كمستقل وحظي بتأييد الراديكاليين وقوى الوسط واليمين المعتدل، ليس معنياً بصورة شخصية بالمنافسة النيابية المقبلة، ليس فقط لأنه رئيس للجمهورية ورئيس للسلطة التنفيذية يتوجب أن ينأى بنفسه عن معارك سياسية ومنافسات انتخابية، بل أيضاً لأنه يسعى أن التأييد الشعبي الذي يتمتع به يتجاوز التيارات السياسية عموماً، والتيارات المؤيدة له خصوصاً. لكن أنصاره ينظرون باهتمام لهذه الانتخابات التكميلية ويحرصون على أن يحصل وفاق بين المجموعات والتيارات التي تؤيده والمنضوية داخل "النظام"، أي ليس المعارضة الليبرالية التي تُعلن دعمها لاستراتيجية الانفتاح الثقافي والاعتدال السياسي التي يعمل خاتمي على تنفيذها. وبينما تؤكد المعلومات ان الراديكاليين يسار و"الكوادر" يمين معتدل اتفقوا على التحالف في اصفهان، ويبدو ان مرشحهم سيكون الراديكالي المعتدل علي مزروعي، علماً ان الراديكاليين يتمتعون بتأييد واسع في أصفهان، فإن الجماعات المؤيدة لخاتمي لم تتفق على مرشحين وفاق في طهران حتى الآن. وأكدت مصادر سياسية ل "الحياة" ان "مجمع روحانيو مبارز" المحور الديني - السياسي لليسار الاسلامي الراديكالي الذي كان خاتمي عضواً في قيادته قبل الرئاسة، قرر ترشيح أمين عام منظمة مجاهدي الثورة الاسلامية الوزير السابق بهزاد نبوي وزوجة أمين عام "روحانيون" رئيس البرلمان السابق مهدي كروبي السيدة فاطمة كروبي، وتابعت المصادر بأن كروبي ستخوض الانتخابات، بينما لم يقرر نبوي الترشح بصورة نهائية ويقول انه "ليس مستعداً نفسياً". وهناك محاولات "لاقناعه خصوصاً وأن فوزه سيطلب عودة الكتلة النيابية المؤيدة لخاتمي ولا يُعرف عن نبوي من جرأة وامكانات ذاتية معتبرة. وتابعت المصادر بأن التيار الطلابي يصر على ترشيح النائب السابق علي أصغر زادة. واللافت أن "الكوادر" الذين ظهروا على الساحة قبل سنتين كمجموعة تسترشد بتوجهات الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني لم يعلنوا أو يلمحوا الى اسماء يمكن أن يرشحوها. أما المحافظون الذين حققوا فوزاً كبيراً في الانتخابات البرلمانية الماضية في طهران، فانهم يظهرون مرتبكين، ولم يحسموا أمرهم. ويقال انهم حريصون على ترشيح اسماء بارزة كوزير الخارجية السابق علي أكبر ولايتي واحدى الشخصيات النسائية لكسب الصوت النسائي ذي التأثير المرجح في الاقتراع، لكن أوساطاً يمينية أكدت ل "الحياة" ان ولايتي لم يتخذ قراره النهائي وأنه يميل الى عدم الترشح مفضلاً البقاء مستشاراً لمرشد الجمهورية الاسلامية للعلاقات الدولية، وعدم خوض انتخابات غير مضمونة النتائج قد تكون عواقبها السياسية وخيمة إذا لم يفز.