هناك ضربة عسكرية آتية اذا لم يتراجع صدام حسين في آخر لحظة ويسمح لفريق التفتيش الدولي بدخول كل المواقع التي يريد دخولها بحثاً عن أسلحة الدمار الشامل. وقد عرضت الولاياتالمتحدة وحليفاتها على الرئيس العراقي جزرة وعصا عليه ان يختار أحداهما هذا الأسبوع، فمن ناحية، اقترح الرئيس جاك شيراك الذي لم تعد بلاده ترفض استعمال القوة زيادة برنامج النفط مقابل الغذاء أربع مرات، فيسمح للعراق ببيع ما ثمنه أربعة بلايين دولار من النفط كل ثلاثة أشهر، ومن ناحية اخرى تسعى بريطانيا الى استصدار قرار قوي من مجلس الأمن الدولي يعتبر العراق "في حال، انتهاك لالتزاماته"، ما يوفّر غطاء دولياً جديداً للضربة الأميركية - البريطانية المتوقعة. الولاياتالمتحدة تصرّ على انها تملك تفويضاً للتحرك ضد العراق من دون الحاجة الى قرار جديد، وتوافقها بريطانيا على هذا الرأي، لذلك فالسعي الى قرار جديد لا يتجاوز كونه محاولة من الولاياتالمتحدة لاثبات انها استنفدت الوسائل الدبلوماسية قبل ان تلجأ الى الخيار العسكري. وقد بنت الولاياتالمتحدة قوة جوية كافية في الخليج لعملية عسكرية واسعة النطاق تستمر أياماً، أو أسابيع، الى ان يذعن صدام حسين لقرارات الأممالمتحدة. وهي وحدها تملك أكثر من 200 طائرة في المنطقة تضاف اليها أسراب أخرى يمكن استعمالها من قواعد في المحيط الهندي أو أوروبا، مع وجود 24.500 جندي أميركي في البحر وعلى البر. وتجتمع السفن الحربية الأميركية على شكل جزر صغيرة في الخليج، ولا يمضي يوم من دون وصول تعزيزات، كان بينها في نهاية الأسبوع ست طائرات "ستيلث". ثم هناك قوة بريطانية مساندة، في القلب منها حاملة الطائرات "انفنسبل". وستكون كارثة جديدة اذا لم يحسن الرئيس العراقي قراءة الوضع، واذا اعتقد مرة اخرى ان الولاياتالمتحدة تحاول خداعه، فكما في المرة السابقة لا يمكن للادارة الأميركية ان تتحمل نفقات حشد قوات هائلة في منطقة بعيدة، وان تدخل هذه القوات في عملية عد عكسي للحرب، ثم تتوقف من دون تحقيق ما تريد. وهي تريد الآن تفتيش المواقع العراقية كافة، خصوصاً المواقع الرئاسية، ولن تقبل شيئاً دون هذا مهما حاول الرئيس العراقي قبل أسبوعين سمعت طارق عزيز يقول ان الأمر كله "مؤامرة" لأن العراق سمح لفريق التفتيش الدولي بدخول 114 موقعاً رئاسياً أو قصراً، وملاحظتي هنا خارج المواجهة الأخيرة، فمن أين للرئيس العراقي 114 قصراً، وهل عند القادة العرب العشرين الآخرين مجتمعين هذا العدد من القصور؟. وفي حين يصعب على المراقب من الخارج، حتى لو كان عربياً، ان يسبر أغوار عقل الرئيس العراقي ليعرف كيف يفكر، فإن من الخطأ البالغ "تفصيل" العالم على قياس حاجات النظام العراقي، لأن الفضيحة الجنسية الأخيرة لن تلهي الادارة الأميركية عن الوضع العراقي، والمجابهة مع العراق بدأت قبل الفضيحة لذلك لا يمكن القول كذلك ان المجابهة الحالية اثيرت لتحويل الأنظار عن الفضيحة. ما يحدث أميركياً الآن هو عكس المنطق السابق، فالادارة يهمها ان تثبت ان الفضيحة لا تمنعها من التركيز على المصالح الأميركية، والرئيس كلينتون قال مرة بعد مرة انه يريد الاهتمام بما انتخب من اجله، ما يعني في هذه الأيام الوضع العراقي قبل غيره. ثم ان هناك سابقة أميركية نذكرها جميعاً، ففضيحة ووترغيت التي ثارت بعد انتخابات سنة 1972 في وجه ريتشارد نيكسون لم تمنع ادارته من ممارسة أهم نشاط خارجي لها بين الانتخابات واستقالة نيكسون سنة 1974، من الشرق الأوسط الى الصين. وكما أدار هنري كيسنجر السياسة الخارجية الأميركية لحسابه في تلك الفترة، فإن السيدة مادلين أولبرايت قادرة الآن على لعب دور أساسي، أو مستقل، في هذه السياسة من دون تدخل كبير من الادارة المنهمكة في مشاكلها الأخرى. وأظهرت السيدة أولبرايت في جولتها الأخيرة انها تعرف ما تريد، فهي استمالت الفرنسيين وحيّدت الروس، ونسّقت مع البريطانيين، ثم أمرت اسرائيل بالحياد ووعدت بالدفاع عنها اذا تعرضت لهجوم، وحاولت اقناع الدول العربية بدعم الموقف الأميركي أو الصمت عنه. ولا بد ان خطواتها القادمة مدروسة أيضاً، وهي ستنتهي بضربة عسكرية اذا لم يتراجع الرئيس العراقي، فلا خيار ثالثاً في الموضوع.