أصدرت "المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة" ايسيسكو أخيراً كتاب "الاستراتيجية الثقافية للعالم الاسلامي" باللغات العربية والفرنسية والانكليزية. وهو يتضمن الخطة التي أعدتها المنظمة وأقرها مؤتمر القمة الاسلامي في دورته السادسة التي انعقدت في داكار السنغال في أواخر العام 1991. ويقول الدكتور عبدالعزيز بن عثمان التويجري، المدير العام للمنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة، في مقدمته للكتاب الجديد: "ان الاستراتيجية الثقافية للعالم الاسلامي التي سهرت على اعدادها المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة بالتعاون والتنسيق مع الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الاسلامي ترسم لأول مرة معالم الطريق امام البلدان الاسلامية في اتجاه احداث نقلة نوعية في أساليب العمل الثقافي وأدواته وطرقه، وفي غاياته ومراميه، وفي الدور المتميز والهام الذي تقوم به الثقافة بمدلولها العام في التنمية الانسانية الشاملة والمتكاملة والمتوازنة، وصولاً الى تطوير العالم الاسلامي من خلال الاداء الثقافي الذي يشمل جميع مظاهر النشاط الانساني في مجالات الابداع والتعبير، وفي ميادين التوعية والترشيد، وفي حقول التربية والتكوين، وعلى المستويين التنظيري والتنفيذي". والواقع انه منذ انطلاق العمل الاسلامي المشترك في العام 1969 بمناسبة انعقاد مؤتمر القمة الاسلامي الأول، وتأسيس منظمة المؤتمر الاسلامي في العام 1972، والأمة الاسلامية تتطلع الى تطوير اداة التضامن وتحديث أساليب التعاون في دائرة القيم والمبادئ والأهداف المنصوص عليها في المواثيق التي تنظم العمل الاسلامي الدولي، ابتداء من بيان القمة الاسلامية الأولى ومروراً بميثاق منظمة المؤتمر الاسلامي وبلاغ مكة، وانتهاء بجميع القرارات الصادرة عن مؤتمرات القمة الاسلامية. لقد دخل العمل الاسلامي المشترك مرحلة جديدة بمصادقة مؤتمر القمة الاسلامي السادس المنعقد في داكار على "الاستراتيجية الثقافية للعالم الاسلامي"، التي تعد بكل المقاييس العلمية والسياسية والثقافية فتحاً جديداً في العمل الثقافي الاسلامي الذي يكرس لخدمة اهداف الوحدة للعالم الاسلامي القائمة على وحدة العقيدة، ووحدة التصور، ووحدة الهدف، ووحدة المصير. ويؤكد الدكتور التويجري ان هذه الاستراتيجية وضعت "الأسس العامة لرسالة الثقافة في البلاد الاسلامية، وفصلت القول في وظائفها ومهامها، ورسمت مجالات العمل ووسائل التنفيذ، وألقت الضوء على دور الثقافة في التنمية، مؤكدة أهميته وضرورته وحيويته، وأرست قواعد العمل الثقافي من هذه المنطلقات، فاكتمل بذلك الاطار العام لدور الثقافة في تنمية العالم الاسلامي شكلاً ومضموناً، نظرية وتطبيقاً، على النحو الذي يستجيب لتطلعات الأمة الاسلامية ويلبي طموحها، وهي تتهيأ لدخول القرن الحادي والعشرين أوفر ما تكون حظاً من التماسك والترابط، وأقوى عدة واستعداداً لمواجهة تحديات القرن القادم، وأعمق وعياً بمقتضيات التحول الحضاري الذي هو شرط التغيير المفضي الى آفاق التطور ورحاب التقدم في اطار الهوية الثقافية الاسلامية، وفي دائرة الذاتية الحضارية الايمانية". لقد انتقل العمل الثقافي الاسلامي الى مرحلة التخطيط العلمي القائم على استشراف آفاق المستقبل، والمستند الى دراسة معطيات الواقع الاسلامي، واستغلال القدرات والامكانات، وتوظيف الطاقات والموارد، وتحليل المعوقات والصعوبات، ودراسة التطورات والمستجدات، ومواجهة الاحتمالات والمفاجآت، والتصدي للتحديات أياً كان مصدرها. وبذلك انسجم النشاط الثقافي الاسلامي، على مستوى البلدان الاسلامية، مع ايقاع العصر، وانفتح على مستجداته وتكيف مع واقعه واندمج في اطار العمل الدولي في مجال الثقافة، محتفظاً بخصوصياته، محصناً بمقوماته، متميزاً بسمائه. ويقول التويجري: "ان "الاستراتيجية الثقافية للعالم الاسلامي" تضع الأمة الاسلامية على أول الطريق في اتجاه تأكيد الذاتية الحضارية الاسلامية، واثبات القدرة على التعامل مع الثقافات الانسانية بمختلف تياراتها ومشاربها، والتفاعل مع قضايا العصر بكل اتجاهاتها وموضوعاتها، والتعايش مع الابداعات الفكرية والأدبية والفنية والانسانية من موقع القوة والتفوق والتميز. وبذلك دخل العالم الاسلامي عصراً جديداً قوامه التخطيط للمستقبل، ودراسة الحاضر، وتحليل المشكلات الثقافية التي تعوق النمو الثقافي في البلدان الاسلامية". لقد بدأ العمل الاسلامي المشترك متواضعاً يستند الى تأجج العاطفة الانسانية أكثر مما يعتمد على تألق العقل العلمي. ولم يمنع ذلك ان تتحقق انجازات حضارية في غاية الأهمية طوال الثماني والعشرين سنة الماضية 1969 - 1997، أكسبت الحضور الاسلامي في الساحة الدولية تميزاً ونفوذاً، وعمقت من انتماء الأمة الاسلامية الى جذورها وأصولها، والى قيمها ومقوماتها، وقوت من سياسة التضامن الاسلامي فلسفة وعقيدة وسلوكاً، ومنهجاً وأداة وأسلوباً. فتقاربت المسافات، وتضافرت الامكانات، وتكامنت الجهود، وقام للتعاون الاسلامي صرح أخذ يعلو مع نمو حركة التفاعل والتمازج والتعايش بين البلدان الاسلامية، وتعددت تبعاً لذلك مجالات العمل الاسلامي المشترك، ونال المجال التربوي والعلمي والثقافي حظه الوافر من التطور الطبيعي. منذ تأسيس المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة في سنة 1982 الى انعقاد مؤتمر القمة الاسلامي السادس الذي تميزت اشغاله، على المستوى الثقافي العام، بإقرار "الاستراتيجية الثقافية للعالم الاسلامي. وتتألف الاستراتيجية هذه من مقدمة شاملة تتناول مسائل مثل: حاجة العالم الاسلامي الى استراتيجية للثقافة، وضرورة الاستشراف المستقبلي للعمل الثقافي، وحدة التقلبات والتفاعلات داخل العالم الاسلامي، ودور الثقافة في المسيرة التنموية، والقائمين على العمل الثقافي. ثم تأتي الفصول المتنوعة: المفاهيم والخصائص والمصادر، والأهداف، وقضايا الثقافة الاسلامية، ومجالات عمل الثقافة الاسلامية، ووسائل تنفيذ الخطة. ولا بد هنا من استعراض مجالات عمل الثقافة الاسلامية كما تلحظها الخطة وهي: الانتاج الفكري، اللغة العربية ولغات الشعوب الاسلامية، الآداب والعلوم الانسانية، الاعلام ووسائل الاتصال، التربية والتعليم، دور المسجد واعداد الائمة في نشر الثقافة الاسلامية، دور الاسرة المسلمة، أهمية ثقافة الطفل المسلم، البحث العلمي، التراث الاسلامي، تراث فلسطين وثقافتها، الفنون والحرف، الثقافة الشعبية، التبادل والحوار الثقافي، الجاليات الاسلامية والجماعات الاسلامية بالخارج، ضرورة تنسيق العمل الثقافي، وتهيئة مناخ العمل الثقافي.