أعلنت السلطات السويسرية امس انها اعتقلت ضابطاً في جهاز الاستخبارات الاسرائيلية الخارجية موساد وانها تطارد اربعة آخرين متورطين في عملية تنصت غير مشروعة في برن في 19 شباط فبراير الجاري. وكانت سيدة سويسرية احبطت هذه عملية التي تسببت، على ما يبدو، باستقالة رئيس "موساد" داني ياتوم من منصبه، وبأزمة ديبلوماسية بين اسرائيل وسويسرا. وغداة الكشف عن عملية التجسس الفاشلة، قالت مصادر اسرائيلية ان الحكومة تحاول الحد من الاضرار التي لحقت بعلاقاتها "الممتازة" مع سويسرا من جراء الحادث. وعلى رغم ان سويسرا ابلغت احتجاجاً رسمياً الى اسرائيل، الا ان الاذاعة الاسرائيلية بثت امس ان الدولة العبرية ترفض تقديم اعتذار علني الى سويسرا. وقالت المدعية الاتحادية السويسرية كارلا ديل بونتي، خلال مؤتمر صحافي امس، ان عملية التجسس تتعلق بضباط "موساد"، وانها جرت في مبنى خاص في العاصمة برن. واضافت ان مكتب الادعاء الاتحادي "يجري تحقيقاً في انتهاك مشتبه به لحظر مفروض على جمع معلومات سياسية وربما عسكرية بصورة غير مشروعة". وزادت: "لدينا عناصر كافية تثبت ان الموساد متورط. ولدينا ايضاً تأكيد". واوضحت ان العملية كانت تستهدف "مواطناً اجنبياً لكنه ليس ديبلوماسياً". ورفضت اعطاء مزيد من التفصيلات. وقالت ديل بونتي ان "جارة يقظة" ابلغت شرطة برن انها لاحظت وقوف شخصين مشبوهين امام مبنى فجر 19 من الشهر الجاري، مضيفة ان "هذه المرأة كانت مستيقظة في ذلك الوقت ونظرت من الشرفة. لقد كانت مجرد صدفة". واعتقلت شرطة برن الرجلين الى جانب ثلاثة اسرائيليين آخرين قالت انهم اقتحموا طابقاً ارضياً، وفحصت الشرطة هويتهم واحتجزت احدهم وأطلقت الاربعة الآخرين. وذكرت ديل بونتي انها لا تعرف سبب الافراج عنهم. ولفتت المدعية الاتحادية الى ان مذكرة اعتقال صدرت في حق الاشخاص الاربعة الآخرين، واعربت عن اعتقادها بأنهم فروا من سويسرا. ولم تعط تفصيلات عن المبنى الذي استهدفته هذه العملية في برن قائلة ان ذلك يضر بالتحقيقات. وافادت وسائل الاعلام في سويسرا ان العملية استهدفت ايران، كذلك نقلت وسائل اعلام اسرائيلية عن مصادر اجنبية قولها ان اجهزة تجسس الكترونية زرعت في البعثة الايرانية. لكن الناطقة باسم الخارجية السويسرية ياسمين شاتيلا قالت لوكالة "رويترز" ان القضية ليست لها اي صلة بايران او بديبلوماسي من طهران. واضافت: "لم يتحدث أحد عن اي صلة بايران. القضية ليست لها صلة بمسؤولين ايرانيين". وتابعت: "حكومتنا تحتج بشدة على هذا الاعتداء على سيادة سويسرا والقانون الدولي من جانب عضو في وكالة الاستخبارات الاسرائيلية. انه حادث غير مقبول0 ننتظر اعتذاراً من اسرائيل". وسئلت عما اذا كانت سويسرا تنوي سحب ديبلوماسييها من اسرائيل احتجاجاً على الحادث، فقالت: "لا توجد خطط من هذا النوع الآن". كذلك قال وزير الدولة للشؤون الخارجية جاكوب كلينبيرغر ان السفير الاسرائيلي في سويسرا استدعي الاثنين الماضي ليتسلم احتجاجاً رسمياً من سويسرا. واضاف خلال مؤتمر صحافي: "هذا الحادث غير مقبول وسيكون له تأثير سلبي على العلاقات بين الدول الصديقة". وفي تل ابيب، تعهد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو امس حل النزاع الديبلوماسي مع سويسرا. وقال للصحافيين بعد اعلان نبأ اعتقال الاسرائيلي: "اعتقل مواطن اسرائيلي في سويسرا وعلينا ان نهتم بالأمر ... ليس عندي ما اضيفه. نحن نهتم بالأمر عن طريق سفارتنا في بيرن ووزارة الخارجية. سنفعل كل ما هو ضروري لحل المشكلة". وجاء في بيان لوزارة الخارجية الاسرائيلية ان "المعهود هو ان تعالج قضية كهذه بهدوء وان تجري محاكمة سريعة للعميل وان يتم ابعاده لتستمر العلاقات الودية بين الجانبين". وقالت مصادر اسرائيلية قريبة من نتانياهو انه سيقرر خلال اجتماع لكبار المسؤولين في وزارة الخارجية هل ستقدم تل ابيب اعتذاراً لسويسرا التي اعلنت انها لن تكتفي بهذا الاحتجاج وهددت بإلغاء زيارة مقررة للرئيس السويسري الى تل ابيب في ايار مايو المقبل. وحاولت المراجع الرسمية الاسرائيلية التخفيف من وقع الكشف عن العملية على العلاقات الاسرائيلية معتبرة أنه من "حق اسرائيل ان تقوم بنشاطات لصد المخاطر التي تهدد أمنها حتى في أراضي دول صديقة". ولمحت مصادر اسرائيلية الى ان عملية التنصت استهدفت عناصر ناشطة في "حزب الله". وقالت الاذاعة ان أياً من الديبلوماسيين الايرانيين لم يكن مستهدفاً في عملية التنصت. وفي السياق نفسه، كشفت مصادر اسرائيلية ان جهاز "موساد" واجه فشلاً ذريعاً قبل فترة وجيزة اثناء محاولة اغتيال مسؤول كبير في "حزب الله" اللبناني. وافادت ان السلطات اللبنانية اعتقلت قبل مدة قصيرة عميلين ل "موساد" فوق الاراضي اللبنانية خططا لاغتيال شخصية رفيعة المستوى في "حزب الله". ولم يكشف هوية العميلين، غير انه يبدو انهما لبنانيان الامر الذي يفسر تكتم اسرائيل على القضية. ووجهت هذه القضية ضربة ثانية الى "موساد" بعد فشل محاولة اغتيال لمسؤول من "حركة المقاومة الاسلامية" حماس في الاردن العام الماضي. وقالت مصادر سياسية ان اسرائيل اجرت اتصالات مكثفة مع سويسرا للسعي الى اجراء محاكمة سريعة وترحيل عميل "موساد". وقال خبراء ان الاضرار طويلة المدى الناجمة عن العملية ستعتمد على مدى احتواء الحكومة الاسرائيلية للموقف. وكان اكثر ما يهدد العلاقات مسبقا هو الجدل في شأن ارصدة معلقة في بنوك سويسرية منذ الحرب العالمية الثانية. كما واجهت سويسرا اتهامات بالاحتفاظ بذهب الرايخ الالماني الثالث في بنوكها والذي كان بعضه ملكاً لضحايا النازية. واثناء الازمة الاخيرة بين العراق والولايات المتحدة قبلت اسرائيل عرضا تقدمت به سويسرا لإمدادها بنحو 300 الف عبوة من مضادات غاز الاعصاب وأقنعة غاز مجاناً. وتصدر سويسرا، احدى اكبر الشركاء التجاريين لاسرائيل في اوروبا، كميات ضخمة من الالماس الى الدولة اليهودية، كما تتفاوض شركة "سويس اير" للطيران مع وزارة النقل الاسرائيلية في شأن امكان زيادة عدد رحلاتها الى اسرائيل. والعملية الاخيرة ل "موساد" في سويسرا ليست اولى عملياته فوق الاراضي السويسرية. ففي عام 1963 اعتقل عميلان للجهاز في برن لتهديدهم احد افراد عائلة عالم الماني كان عرض عليه العمل في برنامج لتطوير الاسلحة في مصر. واطلق العميلان بعد اشهر لكن العملية هزت العلاقات الاسرائيلية - السويسرية. وفي عام 1969 سجن عميل سري اسرائيلي يعمل في شركة "العال" الاسرائيلية للطيران في السجون السويسرية شهوراً عدة عقب اطلاقه النار على فلسطيني في مطار في سويسرا. وتأتي قضية برن الفاشلة لتضيف الى الارباك السائد في اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية. وطالب حزب العمل المعارض بسن قانون ينظم عمل "موساد" على غرار مشروع القانون الذي عرض اخيرا على الكنيست البرلمان الاسرائيلي للمصادقة عليه لتنظيم اداء جهاز الاستخبارات الداخلي شاباك. كما تسود حال من القلق والغضب المحافل الامنية الاسرائيلية ازاء تزايد ما اسمته "ظاهرة تسريب معلومات سرية" تهدد امن الدولة. وطالب رئيس لجنة الخارجية والامن في الكنيست عوزي لانداو بإجراء تحقيق جذري لكشف المسؤولين عن تسريب المعلومات السرية. وقال: "اننا نشهد تطور ظاهرة خطرة جداً تتمثل بتسريب المعلومات السرية". واتهم لانداو شخصيات لم يحدد هويتها باستخدام هذه المعلومات لحسم نزاعات داخلية او لتحقيق مكاسب شخصية. وحمل وزير البنى التحتية ارييل شارون بشدة على هذه التسريبات، وقال انها "تعرض أمن الدولة للخطر".