الكتاب: "غواية موتي" المؤلفة: سلوى نعيمي الناشر: شرقيات - القاهرة - 1997 "غواية موتي" للشاعرة سلوى نعيمي، مجموعة نصوص نابضة بتوقٍ الى الموت قد يوازي توق معظم الناس الى الحياة. نصوص مفتوحة على عوالم الموت، على جدلية الموت والحياة والوجود والمعاناة الانسانية والسعادة، على جدلية الروح والجسد. هل ان نعيمي جادة حقاً في الجمع ما بين الغواية والموت؟ هل هي فعلاً ترى فيه اغواءً؟ ام انها في اعماقها تخشى الموت، لكنها تحاول تحديه بالشعر، وعلى طريقتها؟ مهما يكن الجواب، هي تبدو احياناً في الديوان هازجة لاستقبال الموت الذي لا بدّ آتٍ ليحمل الى المجهول كل انسان. كأنها تستعجل مجيئه، تترقبه بشوق، بل بفرح، بإرادة كلية. لكأن هذا الموت هو لها المخلص، حارس سعادتها الآتية، المغايرة. تتسلّل الى فضاءاته قبل ان تعرفه. تكثف انتظارها اياه الى حد معايشة حالاته وهي النابضة بعد بالحياة. ماهرة هي في الغوص بجرأة الى قعر الشعور الواعي لحقيقة الموت الحتمية. مهجوسة بالرحيل. مطواعة في تقبّل فكرة الموت بفرح، بل كثيراً ما تبدو ساعية اليه. من الواضح ان الشاعرة تسبح عكس التيار. الجميع يخشى اقتراب لحظة الموت كونه الزوال والانطفاء. اما لديها فهو الميناء التي ستحملها الى انعتاق من معاناة، الى تحرر من حزن وألم وخيبة. ربما هو لها الضفة الاخرى التي لا يمكن ان تكون العدم بل ضفة سلام ونور ازليين. من هنا انها تتأقلم مع فكرة الموت، تذهب مع هذه الفكرة الى حد شخصنة الموت. تجعل له قدرة على الاغواء والجذب. بل هي لا تتورع عن الايغال في ثنايا الموت، وينعكس هذا جلياً في معجم الشاعرة الحافل بعبارات تقول الموت مباشرة او هي موحية به وبما ينطوي عليه: "... تتلمسان الارض الباردة كجثتي" ص 65، "هل اكون قدمت خلسة؟" ص 66. الا ان سلوى نعيمي التي يوحي بعض قصائدها في الديوان بأن الموت لها حيّز للفرح او محرر من الحزن، تطل احياناً ساخرة من هذا الموت: "هل اكون قد مت خلسة؟" ص 66. ولعلّها بقدر ما تدرك استحقاق الموت وما يعنيه من انعتاق وراحة، تدرك في المقابل استحقاق الحياة وما تعنيه من مباهج وسعادات ورغبات دنيوية حتمية. وربما شعارها ان تعيش ليومها كأنها تحيا ابداً ولغدها كأنها تموت غداً. لذا، قد يلمح قارئها ظلَّ تلك المرأة اللاهية العارفة ان الدنيا لا تستحق الحزن، فتروح تحيا الحياة بكل ملاءتها، وبالتالي بشيء من الفانتازيا التي قد تضفي على الايام بعضاً من السحر، ولو مرحلياً او وهمياً. من هنا قد يمكن تفهُّم اسلوبها المباشر في التعبير عما يعتريها كأنثى وكإنسان: "متوردةً، أغلقت خلف مخلوقات الليل، / تعود الى قبورها، أعود الى توازني / أخفي عنقي بقبة عالية قبيحة. / أخاف عليكِ بصمات القبلات وأطلال الدم /" ص 57. وقد يستشف البعض ازدواجيةً لديها اذ تتوق الى الموت، في موازاة اقبالها على الحياة، فتطل بشخص تلك المرأة التي تتقن العيش، المتحررة من قيود المرأة الشرقية، التاركة لأنوثتها انسياباً كلياً. وثمة ما يلفت في الديوان لجهة اتسام بعض القصائد بلمحات تذكّر بأجواء افلام العنف، والاهم انها مشغولة بإيقاع سيناريو من وحيها. تقول في ص 103: "بُمْ / قنبلة موقوتة. طلقة مسدّس في منتصف الجبين. سيارة / مفخخة /". هذا قبل ان تنتقل الى الضفة الاخرى في القصيدة نفسها، ربما لإبراز النقيض للمشهد الاول: "ويدركنا الصباح معاً: / أنا / والملك الذي كان سعيداً /". وأكثر من هذا، استعارت عبارة دراكولا عنواناً لإحدى قصائدها. اما سوريالية سلوى نعيمي ففي اعتبار انها كانت، مثلاً، تينة طازجة ص 17 او ان لها يداً ثالثة ص 119. وقد تكون هذه السوريالية انسحبت على اسلوبها اللغوي بحيث تتفلّت من القواعد التقليدية لاستعمال ادوات القطع فلا تتردد في وضع نقطة حيث يفترض ان الجملة بدأت، وحيث لم يكتمل المعنى: "في صباحي الصحراوي، تتحرك القوافل، أجتاز، صامتة، / مدناً وأجساداً وسماواتٍ وقبائل، إنّ /" ص 85. ختاماً، يمكن تحسّس ظلال سيرة ذاتية للشاعرة التي لا تتردد في كتابة اليومي مهما كان بسيطاً وعادياً، مبرزةً ارتباطه غالباً بالابداعية والقدرة على الخلق: "من الحنفية، / تسقط القصيدة كالسمكة، / بين يدي / وأنا أغسل صحون العشاء/" ص 9. لكن يلاحظ ان عفويتها المحبّبة الظاهرة كإنسانة، لم تغب عن القصيدة ايضاً حتى لكأن بعض قصائدها بدا مشغولاً بالسرعة التي تنزل فيها السمكة من الحنفية. في اختصار، سلوى نعيمي في ديوانها، شاعرة حياة وموت، جريئة في غوص بحر الحياة كما في انتظار اطلالة سفينة الموت. بعفوية وصراحة تتعامل مع الدنيا، وبالاسلوب نفسه تواجه مفهوم الرحيل منها. ولعلّ الشعر لها صمام امان يقيها خوفاً من الاثنين معاً.