جدد وزير الخارجية الإيراني كمال خرازي معارضة بلاده ضربة عسكرية أميركية للعراق، معتبراً أن الضربة عامل تهديد للأمن الإقليمي برمته، وانها "لا تحل الأزمة العراقية". وشدد الوزير في حديث إلى "الحياة" على ضرورة أن تطبق بغداد قرارات مجلس الأمن، ورأى أن هناك إمكانية لبلوغ العلاقات الإيرانية الخليجية مرحلة التعاون الاستراتيجي. ودعا الى نظام أمني في الخليج لا يستبعد العراق في المستقبل. وأعرب خرازي عن استعداد بلاده لتغيير موقفها من الولاياتالمتحدة إذا غيرت واشنطن سياساتها تجاه طهران، مؤكداً رغبة حكومته في تحسين العلاقات مع مصر. ونفى أن تكون إيران أعطت "الضوء الأخضر" لضرب الأمين العام السابق ل "حزب الله" في لبنان الشيخ صبحي الطفيلي، معرباً عن امله بألا تحدث "مشاكل كهذه في المجتمع الشيعي اللبناني في المستقبل". وهنا نص الحديث: منذ بداية الأزمة العراقية لوحظ نشاط مكثف للديبلوماسية الإيرانية في محاولة لاستبعاد الخيار العسكري. هل ترى إيران أنها معنية بالأزمة في شكل مباشر؟ - لسنا طرفاً مباشراً في الأزمة لكننا دولة في المنطقة مجاورة للعراق، ونرأس الآن منظمة المؤتمر الإسلامي، لذلك نحن قلقون من الأزمة والتطورات، ونعتقد أننا يجب أن نقوم بدور ونسعى إلى تخفيف الأزمة والحؤول دون ازدياد التوتر في المنطقة. نحن نعتقد أن الهجوم العسكري على العراق يصعد حدة التوتر في المنطقة، ومن الأفضل أن نبحث جميعاً عن حل سياسي لإنهاء الأزمة، وذلك بتطبيق قرارات مجلس الأمن والسماح للفرق الدولية بالتفتيش. شدد الرئيس سيد محمد خاتمي أخيراً على أن ضربة أميركية للعراق ستؤدي إلى كارثة تهدد أمن المنطقة. كيف تهدد الضربة الأمن الإقليمي، بما فيه أمن إيران؟ إن مجرد وجود القوات الأجنبية في المنطقة يهدد أمننا، واندلاع حرب في المنطقة يهدد أمن كل الدول المجاورة. في حال تعرض العراق لهجوم سنواجه حشوداً من المهجرين واللاجئين، وكارثة بيئية، ويمكن أن تكون لهذه الحملة العسكرية آثار أمنية إقليمية، وكل هذا يهددنا ويهدد جميع الجيران. للأسف، حرب العراق والكويت عام 1991 فتحت الأبواب للقوات الأجنبية، وبقيت هذه القوات بعد انتهاء الحرب، واليوم بحجة حرب جديدة مع العراق، تزيد هذه القوات حجمها وتحاول أن ترسخ وجودها، ما يصعّد التوتر في المنطقة ويشكل عامل تهديد لكل دولها. نحن لسنا راضين عن وجود القوات الأجنبية ونعتبر أمننا مهدداً. وهل تخشى إيران ضربة عسكرية بعد ضرب العراق؟ نحن لا نتحدث عن هذا بل نتحدث عن تأثيرات وجود القوات الأجنبية في المنطقة من زاوية أمنية، وننظر إلى المسألة برؤية شمولية استراتيجية، ونقول بثقة أن الأمن الإقليمي لا يتحقق إلا على يد دول المنطقة، ونعتقد أننا لا نستطيع توفير أمن المنطقة بقوات كبيرة منتشرة فيها. أتعتقدون أن هدف العملية العسكرية الأميركية المحتملة ضد العراق هو معاقبة حكومة هذا البلد وإجبارها على الامتثال لقرارات مجلس الأمن، أم أن العملية جزء من استراتيجية أميركية سياسية وأمنية أكثر شمولية في المنطقة؟ ظاهر الأمر أن حجة هذا الهجوم هي تنفيذ قرارات المجلس لكننا نعتقد أن هذا الموضوع لا يشكل الخلفية الكاملة، لأن أميركا ترمي إلى تحقيق أهداف استراتيجية أكثر شمولية من حملتها على العراق، ليس في هذه المنطقة فحسب بل في كل الشرق الأوسط. لذلك نعتقد أن حل الأزمة العراقية لا يتم بالعمل العسكري، بل يتطلب موقفاً سياسياً موحداً من كل الدول يُفهم الحكومة العراقية أن عليها التزام تطبيق قرارات مجلس الأمن، وأن تنهي الأزمة. نحن نؤيد زيارة الأمين العام للأمم المتحدة للعراق، ونرى أنه يجب القيام بخطوات كهذه واتخاذ موقف واحد يؤدي إلى حل الأزمة. ز كيف توضح رؤية إيران للاستراتيجية الأميركية في المنطقة؟ أميركا تسعى إلى زيادة نفوذها في المنطقة، وحضور القوات الأجنبية يهيئ الأرضية لنفوذ أوسع لأميركا. انتشار هذه القوات هو في حد ذاته علامة على انعدام الأمن الإقليمي ما يشجع دول المنطقة على شراء مزيد من الأسلحة، أي أن أميركا بوجودها العسكري تدفع إلى سباق التسلح في المنطقة. وشن هذه القوات الأجنبية هجوماًَ على دولة إسلامية يترك تأثيرات سلبية على المنطقة والعالم الإسلامي كله، وسيفهم باعتباره إهانة لشعب مسلم. هذا أحد الأهداف الأميركية، أي الإهانة والإذلال، ولن يكون في مصلحة المنطقة والعالم الإسلامي. لذلك نلاحظ أن ثمة معارضة واسعة في المنطقة للعمل العسكري الأميركي ضد العراق، وغالبية الشعوب والدول الإسلامية تعارض الخيار العسكري لأنها لا تستطيع تقبل أن تهاجم أميركا دولة إسلامية، من دون أن يعني هذا تبريراً لعدم تطبيق العراق قرارات مجلس الأمن. لذلك أقول إننا يجب أن نسعى إلى حل سياسي وإقناع العراق بالتزام قرارات المجلس. النظام الإقليمي تطالب إيران منذ مدة بتشكيل نظام اقليمي أمني وسياسي في الخليج. ما رؤيتكم لهذا النظام، وهل يستبعد منه العراق؟ - أمن الخليج يرتبط بتعاون الدول المطلة عليه وبنوع الثقة بينها، وبالآليات الأمنية التي ينبغي أن تشكل. ولا يمكن ضمان أمن الخليج بقوات أجنبية، وإذا حصل ذلك فإنه سيكون أمناً اصطناعياً وموقتاً. يجب النظر إلى هذه القضية برؤية بعيدة المدى، وأن نسعى إلى ترسيخ ثقة متبادلة في المنطقة، وتبديد القلق وتشكيل آليات أمنية إقليمية بمشاركة الدول الساحلية على الخليج، بما يضمن عدم اعتداء أي بلد على بلد آخر، ويحكُم التعاون والصداقة العلاقات الثنائية بين هذه الدول. أما أن العراق مستعد أو هل لدى بقية الدول الخليجية استعداد لقبوله في هذه المنظومة فهذا موضوع قابل للبحث، ولكن يجب ألا يمنع بقية الدول الإقليمية من أن تتحرك نحو هذا الهدف، وألا يحول دون أن توفر المقدمات للتعاون الأمني. وإذا حققت بقية دول المنطقة هذا الهدف وأمنت الأرضية اللازمة لهذه العلاقة، وإذا اتخذت خطوات حقيقية في هذا الاتجاه ونجحت هذه الدول في إبرام اتفاق أمني في ما بينها، عندئذ يمكن أن ينخرط العراق في هذا الإطار في الوقت المناسب. في ظل المناخ الإقليمي السائد، هل ترون أن التعاون الاستراتيجي الشامل ممكن بين إيران والدول الخليجية؟ - نعم ممكن. نستطيع أن نتعاون في مجالات مختلفة بوجود قواسم مشتركة عديدة بيننا، ونستطيع أن نوسع دائرة التفاهم ونتوجه نحو تعاون استراتيجي. نحن نعتقد بضرورة الانطلاق من القواسم المشتركة والتخطيط والتوجه عملياً نحو التعاون، وإذا كان ثمة اختلاف في الرأي في شأن بعض القضايا، فإن التعاون هو الذي سيؤثر إيجاباً لتسويتها، وينبغي ألا نجعل التعاون الإقليمي المشترك رهينة لبعض القضايا العالقة بين بعض الدول، وعلينا أن نتطلع إلى العناصر المشتركة بنظرة إيجابية وأن نعززها، وبهذه الرؤية يكون التعاون الاستراتيجي ممكناً. الخطاب السياسي الإيراني كان يشير إلى التنسيق مع الدول الخليجية، والآن تتحدثون عن تعاون استراتيجي. إلى إي حد يمكن أن يصل مثل هذا التعاون؟ - تحدثت عن ضرورة التوجه إلى تعاون استراتيجي وأعني أننا لا نستطيع الحديث عن هذه المسألة الآن، لكننا نستطيع أن نبدأ بالتعاون الإقليمي وتوسّع دائرته ونعزز الثقة ونعمقها كي نبلغ مرحلة التعاون الاستراتيجي، لأن بلوغ هذه المرحلة يحتاج تمهيداً، وأكثر ما في الأمر أهمية هو بناء علاقات قائمة على الثقة. نحن مستعدون للعمل في هذا المجال وتعزيز مناخ الثقة، ولمزيد من التعاون مع جيراننا، ومستعدون في هذه الأجواء أن نتحرك نحو التعاون الاستراتيجي. التطبيع مع مصر هل إيران مترددة في تطبيع كامل لعلاقاتها مع مصر؟ - نحن نتوجه نحو تطوير علاقاتنا مع مصر، وأعتقد أن الجانبين وصلا إلى نتيجة فحواها ضرورة حدوث تقدم في العلاقات، لأن إيران ومصر بلدان كبيران ومهمان في المنطقة والعالم الإسلامي، وينبغي أن تتطور وتتحسن روابطهما وأن يتعاونا مع كل دول المنطقة من أجل حل قضاياها. التطورات التي حصلت بين إيران ومصر خلال الشهور الأخيرة تعطي أملاً بإمكان قيام علاقات كاملة مع مصر يوماً ما. بالطبع، يجب تعزيز الأجواء الإيجابية القائمة وإزالة العوائق الموجودة، وهذا يحتاج إلى وقت. وهل يشمل ذلك العلاقات السياسية؟ نعم، عندما أقول علاقات كاملة فهذا يشمل العلاقات السياسية، لكن هناك عوائق، وعلينا أن نتعاون لإزالتها. إسرائيل والقوقاز معروف موقف إيران من إسرائيل، ونحن ضد الهيمنة الإسرائيلية، ونعتقد أن السياسات الإسرائيلية التوسعية في المنطقة تشكل تهديداً لكل دولها، لذلك نعتبر أن أي نفوذ لإسرائيل في المناطق المجاورة كالقوقاز وآسيا الوسطى، ليس في مصلحة هذه الدول، ويشكل تهديداً لأمننا. أي نفوذ إسرائيلي في هذه المنطقة غير مقبول لدينا. وهل تخشون التعاون الإسرائيلي التركي؟ - لا نتحدث عن الخشية أو الخوف، نتحدث عما نوافق عليه وما نعارضه وما نعتبره تهديداً للأمن الإقليمي، والسياسات الإسرائيلية التوسعية تشكل تهديداً لكل المنطقة، والتعاون العسكري بين تركيا وإسرائيل هو تهديد للمنطقة، والمناورات العسكرية التركية - الإسرائيلية - الأميركية في مياه المتوسط تشكل تهديداً مماثلاً لذلك عارضها كل الدول. شروط التطبيع يقول المسؤولون في إيران ان الجمهورية الإسلامية ليست في حاجة الى علاقة مع أميركا الآن. ألا تعتقدون ان الخيار الاستراتيجي امام ايران هو تحسين العلاقة مع واشنطن لتفادي الضغوط وسياسة التطويق؟ - نحن نعترف بالحكومة الأميركية، والوضع معها يختلف عن الكيان الصهيوني. اي اننا نعتبر الحكومة الأميركية حكومة قانونية، ونعتقد اننا يجب ان ننظم علاقاتنا مع كل الدول التي نعترف بها شرط ان تقوم هذه العلاقات على الاحترام المتبادل والمساواة، وأميركا ليست استثناء في هذا المجال. اذا قبل الأميركيون بأن يتعاطوا مع الجمهورية الاسلامية على اساس الاحترام المتبادل والتساوي، عندها سيضعون جانباً سياساتهم السلطوية المهيمنة وستتغير تصرفاتهم المعادية لإيران، وآنذاك لن نجد مانعاً في اقامة علاقة. نسمع دائماً في طهران ان على أميركا ان تثبت حسن نيتها. ماهي أول مبادرة يجب أن تقوم بها واشنطن في رأيكم؟ - اذا غيّرت تصرفاتها ضد ايران، ووضعت القانون الدولي والاحترام المتبادل معياراً لسلوكها، فهذا حسن نية. واذا امتنعت عن التدخل في شؤوننا الداخلية فهذا سيبيّن إرادة سياسية أميركية، واذا امتنعت عن اعاقة التنمية الاقتصادية الايرانية فهذا حسن نية. اذاً يجب ان تغيّر اميركا تصرفاتها الحالية ضدنا، التي نعتبرها مناقضة للقوانين الدولية والعلاقات السلمية بين الدول. واذا حصل ذلك سيكون دليلاً على حسن نية تجاه الجمهورية الاسلامية، ويمكن ان نردّ عليه بحسن نية ايضاً. جبهة ضد اميركا؟ هل صحيح ان ايران تخطط لتوثيق العلاقات مع روسيا واوروبا بصورة رئيسية لتشكيل ما يمكن تسميته جبهة ضد اميركا؟ - نحن نسعى الى تحقيق مصالحنا الوطنية مثل كل الدول، والروس والأوروبيون يسعون الى الهدف ذاته. من الممكن ان توجد قواسم مشتركة بين ايران وبقية الدول، ولا توجد مشكلة في تعاوننا واقامة علاقات ودية وحميمة، لكننا نعتقد ان عالم اليوم خرج من حال القطبية الاستقطاب وانتهى العهد الذي يريد فيه قطبان أو ثلاثة ادارة العالم، بل انتهى عهد الأقطاب، وعالم اليوم هو عالم التعاون الشامل، وإدارة الأمور واتخاذ القرارات الدولية بمشاركة شاملة، لذلك نتحدث عن المجتمع المدني العالمي، ونقول ان لكل شعب وثقافة وفكر ورأي في العالم الحق في ان يحصل على موقع ويتبوّأ مكانه، ويجب الا يكون فكر واحد وسياسة وقوة واحدة تفرض نفسها على الآخرين. فكما في المجتمع المدني الواحد يتخذ القرار بمشاركة الجميع، لا يكون القرار في المجتمع المدني العالمي من صلاحية طرف واحد. والاختلاف هو في الوحدات، أي ان الوحدة في المجتمع المدني الواحد هي الناس، والوحدة في المجتمع المدني العالمي هي الدول، وبالتالي لكل شعب ودولة الحق في ابداء الرأي واتخاذ القرار. قضية الطفيلي وهل صحيح ان ايران أعطت "الضوء الأخضر" لضرب الشيخ صبحي الطفيلي؟ - هذه المسألة مؤسفة، وهي قضية لبنانية. في رأينا حدوث هذا النزاع مؤسف وما كان يجب ان يحصل، ونأمل الآن بأن تُسّوى هذه القضية بالحكمة، وألا تحدث مشاكل كهذه في المجتمع الشيعي اللبناني في المستقبل. كل ما يمكننا ان نساعد به اخواننا الأعزاء في لبنان في هذا المجال، نحن مستعدون للقيام به. ألم تعطوا "الضوء الأخضر" لضرب الطفيلي؟ - لا، هذا ليس شأننا. نحن لا نتدخل في الشؤون الداخلية للدول ولبنان له حكومته وجماعاته السياسية، وهذه ليست قضية نتدخل فيها.