في مناسبة المعرض الأثري "اليمن: في بلاد ملكة سبأ" الذي يقام في "معهد العالم العربي" في باريس، عملت خديجة السلامي على إخراج فيلم وثائقي عن المواقع الأثرية في اليمن 52 دقيقة كي يرافق التحف الأثرية ويعطي خلفية عنها ويبرز المحيط الذي وجدت فيه، من شمال اليمن الى جنوبه. وفي شهر تشرين الثاني نوفمبر الماضي، توجهت خديجة الى جزيرة سوقطرى برفقة بعثة علمية فرنسية لوضع فيلم وثائقي للتلفزيون الفرنسي عن الجزيرة المنعزلة في المحيط الهندي. والى جانب هذين الفيلمين، اخرجت سبعة أفلام وثائقية عن اليمن عالجت فيها مواضىع مختلفة كوضع المرأة والتراث العالمي والبناء المعماري في الجبال… وعن تجربتها ونشاطها في مجال الاخراج، تحدّثت خديجة السلامي الى "الحياة" في باريس حيث تقيم وتعمل كمستشارة اعلامية في سفارة اليمن. تقول: "بدأت العمل في التلفزيون اليمني في برامج الأطفال، وأنا في الحادية عشرة من العمر، واستمريت حتى نهاية دراستي الثانوية. وبعد ذلك توجهت الى الولاياتالمتحدة للتخصص في مجالي الاخراج السينمائي والتلفزيوني فدرست في واشنطن ثم في جامعة كاليفورنيا الجنوبية. والشيء الجميل في أميركا هو ان الدراسة عملية، وبالتالي تمكنت من متابعة مراحل تدرّج في قنوات تلفزيونية عدة". وتضيف: "عندما أكملت شهادة الماجستير عدت الى اليمن وعملت في مجال الأفلام الوثائقية لأن السينما غير موجودة عندنا. وعلى رغم انشاء "مؤسسة السينما" في صنعاء، بعد الوحدة، فلم يُنتج أي فيلم روائي سينمائي حتى اليوم. صحيح ان هناك مخرجين يمنيين بعضهم درس في الاتحاد السوفياتي سابقاً أو في دول أوروبا الشرقية، لكن عملهم يتركّز على المسرح أو على التلفزيون. ومن جهتي، آمل في إخراج فيلم روائي طويل وأفكّر دائماً بهذا المشروع. الا ان ذلك يتطلب وقتاً طويلاً لأنني أريد كتابة السيناريو بنفسي، وهذا يتطلب الامكانات طبعاً". انتقلت خديجة الى باريس في العام 1994، والى جانب عملها في الوسط الاعلامي راحت تخرج الأفلام الوثائقية، بعضها للتلفزيون الفرنسي وبعضها الآخر كمشاريع فردية تنجزها خلال اجازتها اليمنية وتعرضها لاحقاً على المهتمين. ففيلم الآثار مثلاً الذي أخرجته خصوصاً للمعرض الباريسي اشترته حتى الآن ثلاث قنوات فرنسية وقناة المانية وأخرى ايطالية. وعن هذا الفيلم بالذات، تقول: "استمر التصوير حوالى الشهر تقريباً، وكنت جمعت نبذة عن اهم المناطق الأثرية التي يمكن التصوير فيها من الدكتور يوسف محمد عبدالله، رئيس دائرة الآثار في اليمن. صوّرت في عشر مناطق، في مأرب وحول صنعاء وظفار وقرب ذمار وحضرموت وصعدة. وهناك مناطق لم استطع الوصول اليها مثل الجوف وشبوه حيث لا تزال معالم الآثار واضحة أكثر من أي مكان آخر. والتقيت بشخصيات طريفة لم أتمكن من ادخالها في الفيلم بسبب ضيق الوقت، مثل ذلك الرجل الذي أسّس متحفاً في ظفار التي كانت مقر الممالك الحميرية. ويحتوي مخزنه على نحو 500 قطعة أثرية لم يعرضها كلها بسبب عدم توافر المكان الكافي. وكنا نشعر بأن كل قطعة قريبة من قلبه، اذ انه اشترى معظمها على مدى السنوات. وهو يعمل منذ ست ّ سنوات على المتحف ولم يستلم أي راتب، الا انه يؤمن بأن المكان جزء منه". وفي آخر فيلم صوّرته في جزيرة سوقطرى خلال تشرين الثاني نوفمبر الماضي، والذي ينتهي المونتاج له في آذار مارس المقبل، ركّزت خديجة على نشاط شخص يدعى الشيخ ابراهيم من اجل فهم تطورات الانسان في سوقطرى وهي "تطورات بسيطة، بشكل عام، وانما جاءت سريعة". تقول: "زرت سوقطرى ثلاث مرات وكانت الأولى بعد الوحدة مباشرة، أي منذ ثماني سنوات، فبدت لي الجزيرة وكأنها تخرج من عصور ما قبل التاريخ. كان الناس على طبيعتهم، وكأنهم أطفال، أبرياء وطيبون. ولكن الأمر المخيف الذي وجدناه وما يزال هو انتشار الأمراض، فجميع السكان يعانون من الملاريا و95 في المئة مصابون بمرض السل. وتشير احصاءات الدولة الى ان 125 الف شخص يسكنون الجزيرة وهم ينقسمون الى قسمين: الصيادون الذين يسكنون السواحل، والبدو في الجبال الذين يسكنون الكهوف وهم رعاة متنقلون". وتضيف: "عدت الى سوقطرى بعد ثلاث سنوات وكانت التحوّلات بدأت تظهر. وفي آخر زيارة بدا التغيّر واضحاً. ففي العاصمة - القرية، حديبو، مثلاً لم يكن موجوداً في السابق سوى بعض المنازل ومتجر ومطعم. اما اليوم، فقد جاء الناس اليها من مناطق يمنية اخرى، خصوصاً من تعز، وفتحوا متاجر مختلفة، وانشئت المدارس أيضاً. أصبح الهاتف موجوداً وكذلك الكهرباء وإن لفترة ثلاث أو أربع ساعات في النهار". وتتابع خديجة: "الأمر الجيد لهذا الانفتاح هو تشجّع الأهالي على العمل، خصوصاً الصيد: صيد القرش وصيد الكركند بكميات كبيرة يبيعونها بشكل خاص الى بواخر تأتي من دبي وبدأوا ينفتحون على العالم الآخر، وقد أصبح السفر سهلاً مع المواصلات الجديدة، فالطائرة تذهب مرتين وتعتمد في ذلك على الرياح الموسمية. ولكن العمل على بناء مطار في الجزيرة سيسمح للطائرات الكبرى بأن تتجه اليها في جميع الأحوال الجوية". وكانت البعثة الفرنسية التي رافقتها خديجة الى سوقطرى عملت على دراسة الاسفنجيات في البحر، ووجدت 72 نوعاً بينها ثلاثة أنواع لم تكن معروفة في أي مكان آخر. وركّز جزء آخر من العمل على الطيور واكتشف العلماء ستة أنواع نادرة. كما رافق البعثة طبيب حاول أخذ عينات من الدم لمعرفة أنواع الأمراض المنتشرة وأسباب مرض الملاريا. وتوضح خديجة: "كان عملي مستقلاً عن البعثة، وامضيت معظم الوقت مع الشيخ سلمان وهو رجل بدأ حياته في الجبال، يسكن الكهوف مع أهله. وبعد فترة، قرر ان يكون صياد لؤلؤ فنزل الى البحر وتعلّم الغطس واستمر عشر سنوات في هذا العمل. ومع الوحدة، أصبح في امكانه ان يدخل عالماً جديداً هو عالم التجارة. انه يملك اليوم دكاناً في العاصمة يبيع فيه منتوجات الجزيرة كالبخور و"دم الأخوين" وهو السائل الذي يستخرج من شجرة تحمل الاسم ذاته ويستخدم لمعالجة أمراض مختلفة ولتلوين الفخار أيضاً لأن لونه أحمر. وفي الوقت نفسه يجمع سمك القرش المجفّف من سواحل سوقطرى وينقلها الى حضرموت. كما انشأ مزرعته الخاصة للخضار والفاكهة، وهذه بداية جيدة لأن الزراعة، ما عدا النخيل، لم تكن موجودة في الجزيرة… ومن خلال هذه الشخصية التي لم تعد فريدة، اذ يوجد أشخاص كثيرون بدأوا ينفتحون على العالم ويتاجرون ويبحثون عن ماضيهم، حاولت اظهار التحوّل السريع الذي طرأ على سوقطرى في السنوات الأخيرة".