سجلٌ حافلٌ من الاعتراضات والتصعيد، ثم التراجع والرضوخ. بعضها يحدث من دون اطلاق طلقة واحدة، والآخر بعد حلول العقاب. وعقب كل حالة، تزداد شعبيته، ويلتف الشعب العراقي حوله، مرغماً، فلا يوجد، ولا يُسمح ان يكون هناك بديل غيره. ألِهذا يفتعل الأزمات، ويجلِب الضربات، فيدفع الشعب الثمن، ويعاني الويلات؟ من المؤكد ان الرئيس صدّاماً يعلم، بعد درس "عاصفة الصحراء"، واجباره على الانسحاب من دولة الكويت، ان المجتمع الدولي لن يسمح له، ولن يتهاون معه، عند الخروج على الشرعية الدولية. ولن يثق به، او بوعوده التي يقطعها على نفسه. وأن الولاياتالمتحدة الأميركية وبريطانيا لن ترضخا للمأزق، الذي وضع فيه نفسه أولاً والمنطقة والعالم بأسره ثانياً. ولن ترضيا بخروجه بمظهر المنتصر، ولو اعلامياً او دعائياً فقط. ولن تقبلا بالحلول الوسط، او بأقل من تحرك فِرق التفتيش على أرض العراق كله بحرية كاملة، من دون قيد او شرط. ولن ترضيا بأن يتمتع، من جديد، بأي وضع اقليمي، يمنحه القدرة على التحرك والمناورة، وبسط النفوذ والتأثير في الأحداث والقرارات. ولن تسمحا ان يعود العراق قوة اقليمية، يدخل ضمن معادلة التوازن في المنطقة. فَلِم التحدي في كل مرّة، والتراجع في آخر لحظة، او التلذذ بالضربة، إذا حدثت؟ هل تهون أرواح الشعب العراقي عليه الى هذه الدرجة؟ وهل هو سعيد ببقائه متربعاً على سدة الحكم، آمناً مطمئناً، بعد ان أُغلقت الحدود، وأصبح لا يُسيطر إلا على ثلاث او أربع درجات عرض في بلاده، وتُنتهك أراضيه من الشمال، ويحظر عليه الطيران فوق الجنوب والشمال؟ ولنستعرض معاً جزءاً مختصراً من وقائع السيناريو المُمِل، الذي تتكرر مشاهده، من دون تغيير، في الماضي والحاضر. المشهد الأول، ديسمبر 1992 - يناير 1993 في 27 ديسمبر، يتحدّى صدام منطقة الحظر الجوي باختراق طائرتين عراقيتين لها، فتُسقط له واحدة، وتهرب الأخرى. فتُرسل الادارة الأميركية حاملة الطائرات "كيتي هوك" والسفن المرافقة لها، على عجل، من الصومال الى منطقة الخليج، بغية "تأمين قوة ردع اضافية في مواجهة الأنشطة العراقية". وفي 28 ديسمبر، يُعيد اختراق منطقة الحظر الجوي، ثلاث مرّات. وفي مطلع يناير 1993، يحرّك وحدات صواريخ أرض - جو قريباً من منطقة الحظر. فيوجه اليه انذار، مدته 48 ساعة، لسحب الصواريخ او التعرض للاجراءات العسكرية الحاسمة. تنتهي المدة المحددة، ويرفض العراق الاذعان، ويصعّد الموقف، ويمنع طائرات الأممالمتحدة، التي تُقل المفتشين الدوليين، من الهبوط في بغداد. فتحشد الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا قواتها في المنطقة، جاهزة لتوجيه الضربة العسكرية، تأديباً لصدام، وأخيراً، وبعد هذا الحشد، يذعن لطلب الحلفاء، ويسحب صواريخه المضادة للطائرات الى شمال خط العرض 32. في ليلة 10/11 يناير، تُصعد بغداد الموقف، مرة أخرى، بشنّها غارتين عبر الحدود مع الكويت، وتستولي على أسلحة، بينها صواريخ سلكوورم، كان يحرسها مراقبون تابعون للأمم المتحدة. ويستمر الحشد الأميركي - البريطاني - الفرنسي. وفي اليوم التالي، يعيد العراقيون التوغل، مرتين، داخل الأراضي الكويتية. فتُعلن الولاياتالمتحدة انها حددت الأهداف العراقية، والضربة قادمة، تنتظر القرار السياسي. وفي 13 يناير، تشن مئة طائرة تابعة للقوات الأميركية والبريطانية والفرنسية، غارات جوية واسعة على أهداف في جنوبالعراق. وفي 16 يناير، تتراجع بغداد وتسمح لطائرات الأممالمتحدة بالهبوط، ولكنها تُعلن تشغيل صواريخها، بعد رفضها منطقتي الحظر الجوي. وفي 17 يناير، تطلق البحرية الأميركية صواريخ كروز، من نوع توماهوك، من سفن في الخليج العربي والبحر الأحمر، على منشأة نووية في "الزعفرانية" تبعد 50 ميلاً الى الجنوب من بغداد. وفي اليوم نفسه، يُسقط الأميركيون طائرة ميغ 29، ويدمرون موقعاً للدفاع الجوي، شمال خط العرض 36. وفي 21 يناير 1993، يستهل الرئيس كلينتون فترة رئاسته بغارة أميركية على مواقع لرادارات الصواريخ، بعدما شغّلها العراقيون ضد طائرات دول التحالف، في شمالي البلاد. وبعد 24 ساعة، تُغير الطائرات الأميركية على مواقع للدفاعات الجوية في شمالي العراق. وينتهي المشهد الأول، الذي استمر شهرين، بتراجع العراق، واذعانه لكل ما طُلب منه. المشهد الثاني، ابريل 1993 أربع طائرات أميركية تتعرض لنيران المدفعية العراقية المضادة للطائرات، فتردّ الطائرات الأميركية على اطلاق النار بإلقاء أربع قنابل عنقودية على مواقع هذه المدافع. ثم تُغير طائرة أميركية على موقع رادار عراقي، جنوب خط العرض 36 في شمالي العراق، لأن طاقم الطائرة، شعر بأنه مهدّد نتيجة لتشغيل الرادار العراقي، الذي يقع قرب مطار "القيّارة" العسكري جنوب مدينة الموصل. وينتهي المشهد الثاني، بتعهد عراقي بعدم تشغيل الرادارات في منطقة الحظر. المشهد الثالث، يونيه ويوليه 1993 ضربة عسكرية أميركية قوامها ثلاثة وعشرون صاروخ كروز، من نوع توماهوك، ضد مقر الاستخبارات العراقية، تحت زعم رعاية بغداد محاولة اغتيال الرئيس السابق جورج بوش، خلال زيارته الكويت. ثم تتوجه حاملة الطائرات الأميركية "تيودور روزفلت" الى الخليج، تحسباً لرد عراقي. ثم يتحدى العراق الحظر الجوي، ويتابع، رادارياً، طائرتين أميركيتين، كانتا تحلقان في سماء منطقة الحظر، فتطلق طائرة أميركية صاروخاً من نوع "هارم"، على رادار في جنوبيالعراق. ثم تتكرر الأحداث، في 24 يوليه 1993، فتقصف بطارية صواريخ عراقية في منطقة الحظر الجوي جنوبيالعراق. وتتكرر مرة ثالثة، في 29 يوليه 1993، فتُطلق طائرتان أميركيتان من البحرية الأميركية صواريخ جو - أرض على موقعين عراقيين للصواريخ المضادة للطائرات في جنوبي البلاد. ثم تهدأ الأمور، ويستجيب العراق للمطالب الدولية. المشهد الرابع، اكتوبر 1994 يحشد العراق 150 ألف جندي بالقرب من حدوده مع الكويت، وسط مخاوف من حدوث غزو جديد. فيُواجه صدام حسين بانذار شديد اللهجة من الولاياتالمتحدة الأميركية. فيُصعد الموقف، بفتح باب التطوع أمام الشعب العراقي، ويصرّ على حقّه في تحريك ما يشاء على الأراضي العراقية. فتحشد القوات الأميركية نحو أربعين ألف مقاتل من الوحدات البرية، و28 قطعة بحرية، وأكثر من 650 طائرة. وتعلن استعداد 155 ألف آخرين للانضام الى القتال، عند نشوبه. ويعلن الرئيس كلينتون: "ان أهدافنا واضحة، وقواتنا قوية، وقضيتنا عادلة، وعلى صدام الانسحاب الكامل، وعدم تهديد جيرانه في المستقبل". وفي 10 اكتوبر، يتراجع العراق عن التصعيد، ويبلغ مجلس الأمن قراره سحب قواته من منطقة البصرة، القريبة من الحدود الكويتية. المشهد الخامس، سبتمبر 1996 في الأول من سبتمبر 1996، يرسل الرئيس صدام حسين قواته الى شمال خط العرض 36، لتهاجم مناطق كردية، مخترقة بذلك منطقة الحظر. فتوجه الولاياتالمتحدة ضربة صاروخية، مستهدفةً مواقع عسكرية في جنوبيالعراق، وتقرر توسيع منطقة الحظر الجوي فوق الجنوبالعراقي. ورأى وزير الدفاع الأميركي، آنذاك، وليم بيري، في هجوم القوات العراقية على أربيل، تهديداً لمصالح الأمن القومي للولايات المتحدة الأميركية. وكالعادة، يتراجع صدام حسين، ويبدأ سحب قواته من شمالي العراق. وفي 11 سبتمبر، يطلق العراق صواريخ سام - 6 في اتجاه طائرتين أميركيتين، تحلقان فوق شمالي البلاد، وتخرق طائرة عراقية الحظر الجوي في الجنوب. فتستعد واشنطن لتوجيه ضربة أخرى، ويصل المزيد من الطائرات الأميركية الى المنطقة. ومرة أخرى، يتراجع العراق، ويتعهد بعدم التصدي للطائرات الأميركية. وهنا، نصل الى المشهد الأخير، الذي بدأ في نهاية اكتوبر 1997، مع بوادر المشاكل مع فرق التفتيش. فتتصاعد الأحداث، وتُحشد الآلة الحربية الرهيبة، من منظومات أسلحة ومعدات، بالغة التعقيد، من الولاياتالمتحدة الأميركية وبريطانيا. ونسأل ألا يكفي خمسة مشاهد، تكررت على مدى سبع سنوات، عانى خلالها الشعب العراقي ويلات الجوع والمرض والموت؟ ولا أحد يدري، لمصلحة منْ تستمر هذه اللعبة، التي تستهين بحياة الشعوب ومقدّراتها! من الطبيعي، ألا يترك نتانياهو الفرصة تمرّ من دون ان يستغلها لمصلحته ومصلحة اسرائيل. ويوهم الغرب ان صداماً قادر على اطلاق صواريخه البيولوجية والكيماوية على تل أبيب، وأنه، أي نتانياهو، كان على حق في رفعه شعار "السلام الآمن"، و"السلام مقابل السلام". وأن الحل هو ابقاء اسرائيل أقوى من جيرانها مجتمعين. ولم يجد نتانياهو، ومن خلفه الصهيونية العالمية، فرصة أفضل من هذه للتعبئة النفسية ازاء العرب، وتصوير الأزمة كأنها خطر داهم ضد أمن اسرائيل. مما حدا بوليم كوهن وزير الدفاع الأميركي ان يؤكد أمام زعماء اليهود الأميركيين انه "سيفعل كل ما هو ضروري للدفاع عن اسرائيل، وحماية أمنها القومي". ولنتساءل، ألا يثير هذا التوقيت علامات استفهام عدة؟ لقد توارت خلف هذه الأحداث قضايا رئيسية مهمة. فأين الحديث، الآن، عن مسيرة السلام المتعثرة، التي نجح رئيس الوزراء الاسرائيلي في ايصالها الى طريق مسدود؟ وأين قضايا الاستيطان في القدس والضفة الغربية والجولان؟ وأين القضايا، التي أفرزتها الاتفاقيات التركية - الاسرائيلية؟ وأين الحل في قضية لوكربي، وحصار ليبيا؟ وما مصير جزر حنيش، بين اليمن واريتريا؟ توارت هذه القضايا جميعها خلف مقولة واحدة "صدام حسين يتحدّى الشرعية الدولية، ويجب ان يُؤدّب"، ولكن وسيلة تأديبه، ليس بعقابه هو، بل بضرب شعبه وتدمير بلده. وهل التقارب الايراني - العربي، والتقارب العربي - العربي، وتحسن المواقف المالية، ونجاح الاصلاح الاقتصادي، وتقليص العجز في ميزانيات بعض الدول العربية، لها علاقة بتوقيت اثارة هذه الأزمة؟ وهل الفضيحة، التي أججها حشد من اليهود الأميركيين، ضد الرئيس كلينتون، جاءت مصادفة، عندما همّ - همّ فقط - باظهار ضيقه وتبرّمه بتصرفات نتانياهو، او ان لها علاقة، هي أيضاً، بما يجري حالياً؟ ان المتتبع للمشاهد المتكررة، يرى انه كلما فقد الرئيس صدام شعبيته، لجأ الى افتعال أزمة، ليُشعر الشعب بالخطر الخارجي، فيلتف العراقيون حوله. وتتظاهر واشنطن بالتقاطها الطُعم، وتنساق وراءه، راضية، لأنه يحقق مصالحها في المنطقة. فإذا تراجع، وتظاهر بالاذعان لقرارات الشرعية الدولية، في آخر لحظة، اكتسب شعبية، وأظهر ان تنازله كان من أجل الشعب. وفي المقابل، لم تخسر الولاياتالمتحدة، بل تأكدت سيطرتها، كقوة عظمى وحيدة. وإذا جلب الضربة الى شعبه، اكتسب شعبية ايضاً، لأنه سيغدو رمزاً للصمود أمام الدول الكبرى، ومنْ غيره يستطيع البقاء، على الرغم من كل ما عصف بالعراق؟ أين جورج بوش؟ وأين تاتشر؟ وأين ميتران؟ وأين غورباتشوف؟ وأين الرموز السياسية والعسكرية الرئيسية في حرب الخليج الثانية؟ ألَمْ يختفوا جميعاً من على المسرح السياسي، لسبب او آخر، وبقي هو، من دون ان يهتز؟ ألا يدل ذلك، من وجهة نظره، على قوّته وقدرته على الصمود والتصدّي؟ والسؤال، هل يوجد تناغم هارموني بين افتعال الأزمات من قبل الرئيس صدام، وما يدور على المسرح السياسي، الأميركي والاسرائيلي؟ هذا التناغم الذي يحقق مصالح الولاياتالمتحدة واسرائيل ومصالح صدام معاً. لقد ذكرتُ، غير مرة، انه لو أقامت الدولتان تمثالاً من ذهب لصدام حسين، لما كافأتاه المكافأة التي يستحقها، لقاء خدماته المنظورة وغير المنظورة لهما. وبعيداً عن الانفعال او العواطف، فلنفكر في الهدف من توجيه هذه الضربة الى العراق؟ لقد أعلن وليم كوهن، وزير الدفاع الأميركي: "ان الضربة ستُلحق أضراراً بالغة، وستدمر القوات العراقية، ولكنها لن تُسقط صداماً، او تجبره على الالتزام بقرارات التفتيش". إذاً، لِمَ الضربة من أساسها؟ وإذا كان العراق، حقيقةً، لا يزال يمتلك أسلحة كيماوية وبيولوجية، او امكانية تصنيعها وتطويرها، فإن تدميرها بهذا الأسلوب، يحمل أخطار انتشارها في أجواء المنطقة كلها. وهذا، بطبيعة الحال، سوف يؤدي الى كوارث بيئية، وخسائر رهيبة، بشرية واقتصادية، للعراق ولكل ما حوله. ان معظم الدول العربية، وعدداً لا يستهان به من دول العالم، تعارض توجيه ضربة الى العراق، ليس حبّاً في صدام حسين ونظامه، ولكن كراهةَ ايذاء شعبٍ، ابتُلي بقيادةٍ أذلّته وجعلته أضحوكة القرن العشرين، ومثار شفقة الشعوب. والسؤال الذي يفرض نفسه، بعد ما استعرضناه، ما هي احتمالات المستقبل، الذي لا يعلمه إلا الله وحده؟ ان الاحتمالات عديدة، ولكن أكثر الاحتمالات توقعاً هي ثلاثة: الأول، يرضخ صدام حسين لمطلب المجتمع الدولي، ويوقف هذه المهزلة، التي تكررت على مدى سبع سنوات، ويقبل شروط التفتيش وازالة أسلحة الدمار الشامل، من دون قيد او شرط. وكما عوّدنا، يكون الرضوخ والاذعان في اللحظات الأخيرة، او بعد بدء الضربة، والتأكد ان الخصم جاد في ما أعلنه. الثاني، ان تأخذه العزة بالإثم، ويستمر في عناده. وهنا، تكون الفرصة مواتية، ويكون قد أهدى الذرائع الضرورية لتأديب شعبه. وتعلن الولاياتالمتحدة ان الجهود الديبلوماسية قد استُنفدت. وتبدأ الضربة، مستندة الى التفويض السابق صدوره عن مجلس الأمن، لأنها عاجزة عن استصدار قرار جديد، إذ ان الفيتو الروسي والفيتو الصيني، سيكونان لها بالمرصاد. ثم يتدخل المجتمع الدولي، لايقاف الضربات الساحقة، وتعلن واشنطن انها لن تكرر أخطاء "عاصفة الصحراء"، وستستمر في تأديب حاكم العراق، الى ان يذعن ويتعهد بعدم التكرار. الثالث، ان يتم التوصل الى حل وسط، يحفظ ماء الوجه لصدام حسين، ويحقق مطالب المجتمع الدولي. وذلك، بموافقة صدام على الشروط الدولية، مقابل حصوله على وعد برفع العقوبات، ورفع الحصار عن العراق، وتغيير رئيس لجنة التفتيش، ريتشارد بتلر، والتوازن في الجنسيات في لجان التفتيش، وغير ذلك من المكاسب. إذا أمعنّا النظر في الاحتمالات الثلاثة، نجد انها تصبّ في خانة مصلحة الرئيس العراقي نفسه. فإذا تحقق الاحتمال الأول، بعد مناشدات معظم الرؤساء، والزيارات القائمة على قدم وساق، والتوسلات من جميع الهيئات، وهي اجراءات تُرضي صدّاماً، نفسياً. أقول، إذا تحقق، فسيخرج صدّام مكتسباً شعبية كبيرة في بلده، وخارجه، ومكتسباً تعاطفاً دولياً أكثر من قبل. وفي المقابل، لم يخسر شيئاً. ولكن هل ستقبل الولاياتالمتحدة الأميركية وبريطانيا، ان تعودا، بعد هذا الحشد الهائل، من دون اجراء يضمن لهما الهيبة، ويؤكد سيادة واشنطن على العالم، من دون منازع، لا سيما ان حشدهما تمّ غير مرة في الماضي. الاحتمال قائم، ونسبة حدوثه تزيد على 50 في المئة. أما إذا تحقق الاحتمال الثاني، فستزداد شعبية صدام، ايضاً، فهو البطل الذي قال: "لا"، للاذعان للولايات المتحدة، ووقف في وجه القوة العظمى الوحيدة، وتحدّاها. وماذا عن التدمير والهلاك، اللذين سيصيبان الشعب العراقي؟ ان أمر الشعب لا يهمه، ما دام باقياً في الحكم، وما دام سالماً من الأذى. وماذا عن الولاياتالمتحدة؟ من المؤكد انها سترسخ زعامتها وقدرتها على التصرف بمفردها. وستسعد اسرائيل، أيما سعادة، فكل تدمير لقدرة عربية، يمثل زيادة في ميزان القوى لمصلحتها. اما إذا حدث الاحتمال الثالث، فسيكون، ايضاً، انتصاراً سياسياً لصدام، الذي حقق ما لم يستطع تحقيقه منذ غزوه الكويت عام 1990. وسيصبح بطلاً، مُفترى عليه، في نظر شعبه المغلوب على أمره، وفي نظر بعض الشعوب المغرر بها، والتي لا تزال تفتتن بالشعارات، وتنسى الخسائر المدمرة، التي تنتج من الأفعال غير الواعية. ولكن، هل ستقبل الولاياتالمتحدة الأميركية هذا البديل، وتدع صداماً يخرج مرفوع الرأس من هذه الأزمة، تطنطن أجهزة اعلامه بانتصار وهميّ وبطولة زائفة؟ هل تقبل ان تعود أدراجها، من دون اجراء يحفظ هيبتها؟ لا اعتقد ذلك. فهذا الاحتمال، من وجهة نظري، لا يتجاوز امكان تحققه نسبة 10 في المئة. إذاً، فحدوث أي من هذه الاحتمالات الثلاثة، سيؤدي الى مكاسب لصدام وللولايات المتحدة ولاسرائيل، بنسب متفاوتة لكل منها. اما الخسارة، فستكون من نصيب الشعب العراقي وحده، ومعه الشعوب العربية والاسلامية. وهكذا، قدّر لهذه الشعوب ان تدفع ثمن أخطاء قادتها - ولا حول ولا قوة إلا باللّه! نأمل ان يستمع الرئيس صدام حسين الى صوت العقل والحكمة. ويستجيب لنصح المخلصين من زعماء الأمة، فيُجنب شعبه المزيد من الويلات، وأرضه المزيد من الانقسامات. ويفوت فرصة ضربه وتدمير بلده. ويدير الأزمة ادارة ناجحة، مستغلاً التأييد، العربي والدولي، وممتثلاً لقرارات مجلس الأمن. ويمكنه، بعد ذلك، تحقيق عدة مكاسب للشعب العراقي المطحون. هذا ما نأمله، ونرجو تحققه في الأيام القادمة.