أجهزة الاتصالات الحديثة مكشوفة لمعدات التنصت واستراق السمع الألكترونية. بعض الأجهزة يقوم بدور مزدوج لرصد الأشخاص الذين يستخدمونها وتحديد مواقعهم وابلاغها الى الجهة المطلوبة. وأحدث الشبكات الرقمية للخدمات المتكاملة، التي تستوردها معظم البلدان تحمل داخلها معدات مبنية أصلاً للتنصت ليس على المتكلم فحسب، بل على الأحاديث التي تجري في موقع الهاتف دون أن يشعر أحد بذلك. وأجهزة الهاتف الرقمي النقالة تبث حال بدئها العمل، ولسنتين لاحقتين معلومات عن موقع مستخدمها إلى جهاز كومبيوتر لدى الجهة المسؤولة. كشف عن ذلك تقرير صادر عن البرلمان الأوروبي وجاء فيه أن المعلومات عن تكنولوجيا التنصت واستراق السمع ما تزال قليلة رغم أن عدد العمليات في فرنسا وحدها يزيد على 100 ألف عملية. وحذّر تقرير عنوانه "تكنولوجيا السيطرة السياسية"، أشرفت على اعداده "لجنة العلوم والتكنولوجيا" في البرلمان الأوروبي من وجود شبكة ألكترونية دولية تتجسس على مكالمات الهاتف والفاكس والتلكس والبريد الألكتروني والانترنت في كل مكان من العالم. تشرف على الشبكة "وكالة الأمن القومي في الولاياتالمتحده"، وهي غير "سي آي أي"، وتعتبر من أكثر أجهزة الاستخبارات الأميركية سرية ولا تتوافر أي معلومات عن ميثاقها ومهماتها رغم وجود موقع لها على شبكة الانترنت. وتدير الشبكة أكبر محطة تنصت في العالم في "منويث هيل" Menwith Hill شمال بريطانيا. وتقوم هذه المحطة التي تشبه بقبابها البيض الضخمة كرات الغولف بشفط المعلومات من أجهزة الاتصالات في أوروبا والعالم العربي والصين وبثها الى مركز قيادة الشبكة في "فورت ميد"، ولاية ميريلاند. وذكر التقرير، الذي حصلت عليه "الحياة" أن عمليات التنصت المنتظم والشامل أوسع بكثير مما تتصوره معظم البرلمانات الأوروبية، إذ أن محطات الشبكة منتشرة حول العالم وتستخدم فيها معدات تقدر كلفتها بالبلايين، وتبلغ طاقتها في الرصد نحو 10 ملايين مكالمة هاتفية في اليوم الواحد. وتضخ المعلومات الى عقل اصطناعي يحتوي على قواميس بلغات عدة ويلتقط كلمات دالة على المعلومات التي تخص كل بلد. ويحلل العقل الاصطناعي أتوماتيكياً مضمون مكالمات الهاتف والفاكس والبريد الألكتروني. ويستطيع التعرف على أصوات الديبلوماسيين ورجال الأعمال والأشخاص المستهدفين الآخرين. واعترف تقرير البرلمان الأوروبي للمرة الأولى بوجود جهاز سري يطلق عليه اسم "إشيلون" Echelon، أو النسق الذي يشكله صف الطائرات، أو السفن العسكرية. يعمل الجهاز بموجب اتفاق أمني عقد عام 1948 بين الدول الأنغلوسكسونية الخمس الولاياتالمتحدةوبريطانيا وكندا واستراليا ونيوزيلندا. ويقسم الاتفاق الذي يحمل اسم UKUSA العالم الى خمس مناطق تشرف على كل منها واحدة من الدول الخمس. وتشمل نشاطات التنصت الجوانب غير العسكرية، إذ ترصد الحكومات والمنظمات والأعمال في كل بلدان العالم. ولا يخضع عمل جهاز "إشيلون" إلى مراقبة أو اشراف من الحكومات أو البرلمانات حتى في الدول المنضمة الى الاتفاق. وهذه ليست المرة الأولى التي تبدي الحكومات الأوروبية قلقها من عمليات التجسس الألكتروني التي اتسع نطاقها بعد انتهاء الحرب الباردة باتجاه جمع المعلومات الاقتصادية التي تهم الولاياتالمتحدة. لكن التقرير نبه الى أن أقمار الاتصالات والتكنولوجيا الرقمية الجديدة جعلت الوسائل المعروفة للتنصت واستراق السمع وكأنه عفا عنها الزمن. وذكر التقرير أن الولاياتالمتحدة تلعب دور الرئيس في هذه الشبكة، في ما تعتبر بريطانيا وكندا واستراليا ونيوزيلندا "مستخدمي جمع المعلومات". ويقدم كل بلد من هذه البلدان "قواميس" إلى الشركاء الأربعة تتضمن الكلمات المفاتيح والعبارات والأشخاص والأماكن التي ينبغي رصدها وترسل المعلومات المتجمعة الى الشريك الذي يطلبها. والى جانب التنصت على نشاطات ارهابية محتملة تجري عمليات كثيفة لجمع المعلومات الاقتصادية. لكن الأولوية دائماً للمعلومات العسكرية والسياسية. ووجه تقرير البرلمان الأوروبي انتقاداً لنشاطات الشبكة واقترح اجراءات عدة لمواجهة نشاطات التجسس المتزايدة، ودعا الى رفض المقترحات التي تقدمها الولاياتالمتحدة لفتح اتصالات "الانترنت" لوكالات الاستخبارات الأميركية، وطالب بتحديد نشاطات هذه الوكالات في أوروبا. واعترف تقرير "تكنولوجيا السيطرة السياسية"، الذي لم يكرس لجهاز "إشيلون" سوى خمس صفحات بالحاجة الى بحث ونقاش واسعين. وهذه هي المرة الاولى التي يلقى فيها ضوء على التحالف الأمني للبلدان الأنغلوسكسونية. ويعتبر من هذ الجانب وثيقة نادرة. ففي حين توجد عشرات، بل مئات الكتب عن أمم أقل نفوذاً بكثير، مثل العرب والهنود تخلو المكتبات تقريباً من أي مصدر جدي عن القومية الأنغلوسكسونية.