إذا كان من تعليق على إعفاء الدكتور رفعت الأسد من منصب نائب الرئيس السوري، فهو ان هذا القرار الصائب تأخر سنوات. وفي حين ان بين الأسباب إزالة عقبة رئيسية أمام تقدم الدكتور بشّار الأسد، فإن السبب الأهم محاولة الدكتور رفعت وابنه الدكتور سومر الأسد بناء ما يشبه معارضة سورية من الداخل والخارج. ومع ان المعارضة مطلوبة في كل بلد، فإن معارضة الدكتور رفعت الأسد اثارت قلقاً كبيراً داخل سورية وخارجها، لأنه رشح عن نائب الرئيس انتقاده التوجه القومي للرئيس الأسد، ودعوته الى التنازل والاتفاق مع اسرائيل على حساب الآخرين. ومثل هذه التصريحات لا يؤخذ حرفياً، فقد يكون "فشّة خلق"، إلا ان الرئيس الأسد بنى سمعته السياسية كلها على صلابته القومية، وعدم تفريطه في أي حق عربي الى درجة الحرب على المفرطين. وهكذا رفع قرار الرئيس عبئاً ثقيلاً عن صدر كل وطني صمت محرجاً لأن الدكتور رفعت الأسد أخو الرئيس، ولأننا نعرف ان أميركا واسرائيل تفتشان عن متعاون، حتى لا نقول عن عميل، في سورية، بعد ان أحبط حافظ الأسد اطماعهما طويلاً. الرئيس الأسد صبر على أخيه صبراً يحسده عليه أيوب، مع انه سجّل التالي: - حاول الدكتور رفعت الأسد اجراء اتصالات تعيد له شعبيته فزار منطقة عسكرية في كانون الثاني يناير 1997 عندما مرض الرئيس، واستقبله ضباط موالون له في السابق باطلاق النار ابتهاجاً، واعتقل هؤلاء وأقيلوا. - حاول في الفترة نفسها الدكتور سومر الأسد جعل مطعم "اوركيد" في وسط دمشق مكاناً لعقد لقاءات وكسب الموالين، إلا ان السلطة أغلقت المطعم بحجة انه "خالف المواصفات التموينية والأسعار مرتفعة جداً". وغادر الدكتور سومر بعد ذلك دمشق الى لندن، عبر قبرص، ثم عمل على تأسيس حزب الشعب الديموقراطي العربي، واصدار مجلة "الشعب العربي" وتأسيس محطة تلفزيون ANN في لندن. - في شهري ايلول سبتمبر وتشرين الأول اكتوبر الماضيين، تكررت حادثتان هما عبارة عن تبادل اطلاق نار مع جماعة الدكتور رفعت الأسد، وقيل ان جرحى كثيرين سقطوا. وبما ان الرئيس الأسد لم ينس تجربة 1977، وموقف أخيه عندما عانى من مرض القلب، فهو بعد ان قرر دخول المستشفى لاجراء عملية في غدة البروستات في كانون الثاني يناير من السنة الماضية اتخذ خطوتين لضمان الاستقرار، فأولاً رتب مع الحكومة الفرنسية ارسال أخيه الأكبر الدكتور جميل، وهو عضو في مجلس الشعب، الى باريس بحجة المرض، وثانياً وضع الدكتور رفعت تحت الاقامة الجبرية. وفي التاسع من كانون الثاني أعلن الناطق الرئاسي جبران كورية ان الرئيس الأسد غادر المستشفى بعد عملية ناجحة. في المقابل، كان الدكتور بشّار الأسد، رقي الى رتبة مقدَّم في تموز يوليو الماضي، ضمن الترفيعات الدورية التي تصدر كل ستة أشهر. وأهم من هذا انه نال قدماً مدة ثلاث سنوات ونصف سنة، أي انه سيرفع في منتصف العام الجاري الى رتبة عقيد ركن. وثمة توقعات لعقد مؤتمر عام لحزب البعث ينتخب فيه الدكتور بشّار الأسد عضواً في القيادة القطرية، ليرافق الارتقاء الحزبي الارتقاء العسكري. وإذا كان كل ما سبق داخلي بحت فإنه يبقى ان قرار الرئيس حافظ الأسد اعفاء أخيه من منصب نائب الرئيس قرار صائب كان يجب ان يتخذ منذ سنوات، فالدكتور رفعت الأسد أثار قلق كل وطني بتجاوزاته داخل البلد، وأهم من ذلك بحديثه الغريب عن مستقبل علاقة ممكنة مع اسرائيل، تناقض كل القناعات المعروفة للرئيس الذي أصبح يمثل خط الدفاع العربي الأخير ضد الهجمة الأميركية - الاسرائيلية المستمرة. وفي هذا المجال، فشبكة الأخبار العربية ANN التي يديرها الدكتور سومر الأسد من لندن التزمت خطاً من العملية السلمية أقل ما يقال فيه انه يخالف الخط الرسمي السوري، وهذا في حد ذاته ليس عيباً، ولكن الدكتور سومر تكلّم دائماً كمعارض، ثم ان المحطة في تعاملها مع مصر استعانت بكتاب أو صحافيين معروفين بموقف أقلية في الفكر السياسي المصري يدعو الى مهادنة اسرائيل، ويجري اتصالات معها تتجاوز الحدود التي رسمتها دولة مصر لنفسها. وهكذا يكون الرئيس الأسد حمى بقرار، لا بد انه يؤلمه شخصياً للجانب العائلي فيه، القضية العربية من خطر مستقبلي يتهددها، ومن تآمر أميركا واسرائيل مع أصحاب النفوس الضعيفة، ولعلّه يتبع خطوته هذه بخطوات تضمن عدم وصول انتهازيين متنازلين الى الحكم.