يبحث زعماء وقادة ست دول خليجية في اجتماعهم نهاية الشهر الجاري بالعاصمة العمانية مسقط ، تأثيرات الأزمة العالمية على اقتصاديات الخليج، في وقت يهدد فيه ركود عالمي وشيك بكبح طفرة اقتصادية تشهدها المنطقة. ويتوقع أن تخرج القمة الخليجية التاسعة والعشرين في مسقط التي تأتي وسط ظروف دولية متذبذبة اقتصادياً، بتطمينات مستفيضة للأسواق تؤكد متانة وقوة الاقتصاد الخليجي وتبيان تحركات الدول الست للحدّ من آثار الأزمة على المنطقة . وأبلغت "الرياض" مصادر خليجية مطلعة على جدول أعمال القمة الخليجية التي ستعقد في مسقط ، أنه أصبح من المؤكد إدراج ملف الأزمة المالية العالمية على أجندة القمة ، وأن الملف سيحظى بنقاش موسع من قادة الخليج ، في الوقت الذي أكدت فيه هذه المصادر أن إدراج هذا الملف يأتي متابعةّ لاجتماع الرياض في أكتوبر الذي بحث فيه صناع السياسات المالية آليات التنسيق والتعاون لحماية الاقتصاد الخليجي من آثار الأزمة المالية العالمية . وشددّت مصادر خليجية بالرياض لم ترغب الإفصاح عن اسمها ، إن قمة مسقط ستناقش - إلى جانب القضايا الخليجية الأخرى ، سبل المحافظة على الوتيرة الإيجابية لنمو دول المجلس ، وطمأنة الأسواق بالاقتصاد الخليجي ومتانته ، لكنّ هذه المصادر لم تكشف بالتفصيل نوعية الخطوات الفعلية التي قد تتخذها دول الخليج لتعزيز الثقة في الأسواق الخليجية . ولم تخف المصادر الخليجية التي تحدثت ل"الرياض" عبر الهاتف ، قلقها من تأثر دول الخليج سلباً بالأزمة العالمية ، مضيفةً :" بلا شك دول الخليج ستتأثر سلباً في 2009 .. التوقعات تشير إلى انخفاض أسعار النفط وتراجع الطلب العالمي على البترول في العامين المقبلين" ، إلا أن هذه المصادر اعتبرت أن هناك حلولاً ناجعة يمكن تنفيذها لتفادي هذه التأثيرات أبرزها اتخاذ إجراءات داخلية في دول الخليج لإبقاء معدلات النمو مستمرة بشكل صحي ، طمأنة الأسواق بالاقتصاد الخليجي وقوته لتعكس هذه الاسواق متانة دول التعاون . وقالت :" دول الخليج لديها تراكم قوي للفوائض المالية خلال السنوات الخمس الماضية والذي قد يفيد الدول الست في تخفيف آثار الأزمة المالية العالمية خلال العام المقبل ، لافتةً إلى أن استخدام هذه الفوائض سيساعد في استمرار معدلات النمو الاقتصادي في دول المجلس ، لكن بشكل صحي ودون معدلات النمو في 2008 ". ولأكثر من مرة طمأن وزراء مالية ومحافظو البنوك المركزية في دول الخليج المستثمرين بسلامة الأنظمة المصرفية وعدم وجود مخاوف على ودائع العملاء ، في حين سارعت كثير من الحكومات الخليجية إلى ضمان ودائع العملاء في البنوك ، غير أن أسواق دول خليجية مثل الامارات والكويت شهدت تأثر الشركات الخاصة وقيام هذه الشركات بتسريح عدد كبير من الموظفين على خلفية الأزمة العالمية . ويبدو أن قضية التأثيرات السلبية التي يتوقع أن تضرب الدول الخليجية بسبب الأزمة العالمية ، ستكون محل جدل خلال الأشهر المقبلة ، وسط تباين الآراء حول نوعية هذه التأثيرات ومدى حدوثها في المستقبل ، حيث يميل الرأي الغالب إلى أن الربع الأول من العام المقبل سيشهد بدء آثار الأزمة العالمية في الاقتصاد الخليجي ، فيما يرى الرأي الآخر أن التأثير لن يكون كبيراً على أعتبار وجود فوائض مالية قوية لدى دول الخليج. والأزمة المالية العالمية أدخلت المستهلكين الخليجيين أنفسهم في دائرة جدل آثار لازمة ، حيث يتطلع الكثيرون إلى أن تؤثر الأزمة العالمية إيجابياً في خفض معدلات التضخم ، وأسعار السلع وإيجارات العقارات . ووفقاً لاقتصاديين إستطلعت "الرياض" آراءهم ، فإن المتفائلين بانخفاض أسعار السلع خلال الفترة القريبة سيخسرون الرهان على اعتبار أن القاعدة الاقتصادية التي ثبتت نتائجها لسنوات طوال تؤكد أن الأسعار دائماً تعتبر سريعة في الصعود وبطيئة في الانخفاض . وقال الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالعزيز العويشق :" الأسعار تتضاعف إذا أحكم الاحتكار قبضته على السوق ... لا يزال التنافس بين الوكلاء والموزعين معدوم في السوق الخليجي وهذا قد يؤدي إلى تأخر انخفاض الأسعار في السوق المحلي ". وضرب الدكتور العويشق مثلاً على غياب التنافس في السعودية بما حدث لشركة جنرال موتورز التي يصل عدد موزعيها في الولاياتالأمريكية الخمسين إلى نحو 6450 موزعا، في حين أن عدد الموزعين في السعودية يبلغ 3 موزعين فقط ، موضحاً أن شركة جنرال موتورز عندما بدأت في التخفيض أصبح هناك تنافس شديد بين الموزعين في الولاياتالأمريكية انعكس على المستهلك النهائي ، في حين أن المنافسة قد تكون غائبة في السوق المحلي لمحدودية عدد الموزعين . وأضاف :" غالبية السلع المستوردة تأتي عن طريق وكلاء محدودي العدد في السوق المحلي .. هذا أمر يمنح الوكلاء قدرة أكبر على التحكم بالأسعار ، مشيراً إلى أن قرار خفض أسعار السلع في السعودية على اختلاف أنواعها سيتوقف على الظروف المحلية واستمرار ارتفاع الأسعار في حال زيادة الطلب ". واعتبر الدكتور العويشق أن التضخم في دول الخليج الذي تقبع معدلاته فوق 10 % لا يزال يشكلّ هاجساً لدى المسؤولين الخليجيين ، مبيناً أن معدلات التضخم قد تستقر بدلاً من القفزات الماضية ، إلى جانب إنخفاض وتيرة الارتفاع في أسعار السلع لعدة أسباب تراجع أسعار المواد الغذائية عالمياً وانخفاض أسعار مواد البناء والطلب العالمي وهبوط أسعار النفط والركود الاقتصادي المتوقع الذي يصاحبه تراجع في الطلب ". وذكر أن بصيص الأمل في انخفاض الأسعار سيحدث في حال تنافس الموزعين بعد نشر الأسعار ومقارنتها مع بعضها البعض وتشديد دور وزارة التجارة والصناعة لمراقبة الأسواق ومطابقة الأسعار المحلية مع الأسعار العالمية ، واتخاذ تدابير لحماية المستهلكين من ارتفاع الأسعار. وينظر المستهلكون بعين الحذر لما ستؤول إليه الأشهر المقبلة حيال انخفاض الأسعار أو بقائها عن المستويات الحالية ، وهو الأمر الذي يتوقع أن يثير في حال حدوثه مزيداً من سخط المستهلكين على التجار وبدء سجال جديد من الاتهامات نشب الجزء الأكبر منها خلال العام الجاري ، لكنهّ لم يثمر عن أي نتائج داخل السوق السعودي ، حيث واصلت الأسعار الارتفاع خاصة أسعار المواد الغذائية والإيجارات .