الاضطرابات المتجددة في الأراضي الفلسطينية سببها الأول استمرار اسرائيل في احتجاز أسرى فلسطينيين نص اتفاق واي على اطلاقهم. ما فهم رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتانياهو من الاتفاق هو أن عليه اطلاق مئة مجرم عادي، معظمهم من لصوص السيارات، ثم اختبأ وأركان عصابته، مثل وزير الأمن الداخلي افيغدور كاهالاني، وراء عبارة "دماء على أيديهم"، وهي عبارة غوغائية تحريضية تخاطب غرائز منحطة هدفها تقويض أسس السلام. إذا كانت هناك دماء على أيدي رجال المقاومة الفلسطينية في السجون، فهناك دماء على أيدي اسرائيليين خارج السجن، بعضهم غسل يديه بدماء النساء والأطفال منذ الخمسينات، ثم انتهى اليوم وزير خارجية اسرائيل. بل ان رئيس الوزراء السابق شمعون بيريز يدخل ضمن رجال من الطرفين على أيديهم دماء، بعد أن لطخ يديه بدماء مئة امرأة وطفل في قانا قبل سنتين فقط. وشخصياً لا أعرف تاريخ كاهالاني كله، ولا أعرف هل لطخ يديه بدماء الفلسطينيين أو لا، مع تقديري انه يتمنى ذلك. ما أعرف عنه هو أنه كان زعيم عصابة من الطلاب في الجامعة يحمل سلاسل حديد لضرب الطلاب الفلسطينيين، وأي طلاب يهود من أنصار السلام. اليوم لا هدف لإبقاء السجناء الأمنيين في سجون اسرائيل غير تسميم الأجواء عشية زيارة الرئيس كلينتون غزة، وضرب السلام كله. ونحن نستطيع أن نتجاوز جدلاً موضوع الأيدي الملطخة بالدم، ثم نجد أن حكومة نتانياهو تكذب عن سابق تصوّر وتصميم. واختار من مقال كتبه ب. مايكل في "يديعوت اخرونوت" فهو قال: هناك في اسرائيل اليوم، حسب آخر الاحصاءات المتوافرة، 3200 سجين أمني فلسطيني، ومن هؤلاء هناك 1200 عضو في فتح وألف عضو في حماس والجهاد الاسلامي، ومن أصل هؤلاء جميعاً هناك مجموعة من 430 رجلاً يوصفون بأن أيديهم ملطخة بالدماء، أي رجال قاموا شخصياً بعمليات قتل هذا مستحيل عملياً لأن اسرائيل لم تقل يوماً ان 430 اسرائيلياً قتلوا في عمليات ارهابية، بل لم تعترف بنصف هذا العدد، ما يعني ان المعتقلين المدانين اسرائيلياً لا يمكن أن يكونوا ارتكبوا كل "الجرائم" التي ادانتهم اسرائيل بها. وحتى لو كان الاربعمئة والثلاثون كلهم من فتح، وهذا مستحيل لأن أكثر العمليات "الارهابية" أخيراً ارتكبه مقاتلو حماس والجهاد، فإنه يبقى في السجون حوالى 800 عضو في فتح ليس على أيديهم دماء. وبكلمات أخرى، هناك عدد كاف من السجناء لتنفيذ التزام واي بشكل مباشر وحقيقي. وهكذا فنحن نقول بتهذيب ان بيبي عمل مرة أخرى ما يحسن عمله من دون ان يرف له جفن. مع ذلك لا نزال نستغرب ونسأل لماذا أصرّ نتانياهو على الافراج عن حثالة المجرمين؟ يبدو أن الجواب العلمي هو انه يحبّ أن يتصرف بهذا الشكل، وأن أنصاره يحبّون تصرفه هذا، فهكذا هو مصنوع، وإذا كان بالإمكان التصرف مواربة فلماذا يتصرف بشكل مباشر؟ واكتفي بالسطور السابقة من مقال للكاتب الاسرائيلي يملأ نصف هذه الصفحة، وكله من النوع نفسه في ادانة نتانياهو. وان دلّ على شيء فهو ان في اسرائيل جمهوراً كبيراً يعرف كذب نتانياهو وتطرفه ولا يوافق عليه. غير أن الحكم في أيدي نتانياهو وأفراد عصابته، وهؤلاء يدفعون الأمور في الضفة الى انفجار لتعطيل عملية سلمية دخلها نتانياهو مرغماً، ومضى فيها مرغماً، وهو يخبط الأرض برجليه كولد صغير. في مثل هذا الوضع نسمع ان ارهابياً مثل شارون يهدد السيد محمد دحلان رئيس الأمن الوقائي في غزة بالاعتقال، ثم نسمع تسريبات من نوع ان السيد جبريل رجوب والسيد أمين الهندي، وهما من أركان أجهزة الأمن الفلسطينية، شاركا في عمليات من السبعينات وحتى الانتفاضة، أي ان هناك دماً على أيديهما. إذا كان هذا صحيحاً فهو أوسمة على صدور المتهمين، فقد كانوا يقاومون الاحتلال، ما أوصل الطرفين الى طلب السلام. وأهم من هذا ان التهم تأتي من أطراف تسبح في دم الأبرياء إذا كان دحلان ورجوب والهندي لطخوا أيديهم فقط. المسألة ليست من لطخ يديه، أو من حافظ عليهما نظيفتين، بل السلام نفسه، فنتانياهو هيأ أوضاعاً تؤدي للغليان، وعندما ضرب شبان فلسطينيون في شارع المسؤولية الأمنية عنه اسرائيلية، سيارة بالحجارة، وجد نتانياهو في ذلك سبباً كافياً لوقف تنفيذ اتفاق واي. وهو سيجد غداً سبباً آخر، كما سيجد سبباً غيره بعد غد. وتقديرنا أنه سيخسر المواجهة هذه بالذات ويتراجع، فالمؤسسة العسكرية أعلنت صراحة انها قلقة من موضوع السجناء، وانها تخشى أن يؤدي الى انفجار أمني من حجم الانفجار الذي تلا حفر النفق تحت قبة الصخرة المشرفة والمسجد الأقصى قبل سنتين. غير أن نتانياهو يتراجع عن جبهة، ثم يفتح جبهة أخرى في محاولة متواصلة لتعطيل العملية السلمية.