قررت جمهورية صرب البوسنة أمس "تقليص" تعاملها مع قوات حفظ السلام الدولية التي يقودها حلف شمال الأطلسي إثر اعتقال قائد عسكري صربي رفيع المستوى وترحيله إلى لاهاي لمحاكمته بتهم ارتكاب جرائم حرب. ويعكس هذا الاستياء قلقاً صربياً من قيام الإدارة الأميركية بتخصيص خمسة ملايين دولار مكافأة لمن يساعد في القبض على زعيم صرب البوسنة السابق رادوفان كاراجيتش وقائده العسكري الجنرال راتكو ملاديتش المطلوبين لدى محكمة لاهاي لجرائم الحرب. وأعرب نائب المنسق المدني لعملية السلام في البوسنة هانز شوماخير عن أمله في أن "تساعد المكافأة التي قررها الرئيس بيل كلينتون في تشرين الأول اكتوبر الماضي، في القبض على كل من كاراجيتش وملاديتش". وأضاف شوماخير في تصريح في ساراييفو انه "لا يتوقع أن يؤدي اعتقال الجنرال الصربي إلى تدهور الوضع الأمني في البوسنة". وكانت خطة للحلف الأطلسي سميت "عملية النجم الكهرماني" لاعتقال كاراجيتش في نيسان ابريل الماضي، أخفقت عندما كشف الضابط الفرنسي ايرفو غورميلون مضمونها لكاراجيتش نفسه. ورأى مراقبون أن تخصيص المكافأة استهدف بالدرجة الأولى الضغط على الصرب للتعاون مع الخطط الدولية لترسيخ السلام في البوسنة، خصوصاً أن الجنرال ملاديتش معروف بوجوده في بلغراد وتنقلاته فيها بصورة طبيعية، فيما نشرت صحيفة "داناس" المستقلة الصادرة في بلغراد ان كاراجيتش "لم يشاهد منذ حزيران يونيو الماضي، ويرجح أنه استقر في روسيا البيضاء". ونقلت تقارير صحافية من بلغراد ان مبعوثاً أميركياً حمل أخيراً اقتراحاً إلى الرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوشيفيتش بوقف ملاحقة كاراجيتش في مقابل التزام كل الأطراف الصربية بتنفيذ اتفاق "دايتون" للسلام في البوسنة واستقرار الوضع هناك. ويذكر ان الانتخابات البوسنية الأخيرة رسخت نفوذ ميلوشيفيتش على زعامة صرب البوسنة، إذ فاز عضو حزبه الاشتراكي جيفكو راديتش بعضوية هيئة الرئاسة البوسنية رئيسها الحالي، فيما أصبح الراديكالي المتشدد نيكولا بوبلاشين رئيساً للكيان الصربي. وأثار اعتقال قائد الفيلق الخامس لجيش صرب البوسنة الجنرال راديسلاف كرستيتش موجة غضب واسعة في مختلف الأوساط الصربية من القوات الدولية التابعة للحلف الأطلسي التي اعتقلته أول من أمس وهو في طريقه إلى مدينة برتشكو بسيارته العسكرية. وأعلن رئيس الجمهورية الصربية البوسنية بوبلاشين تقليص التعامل إلى أدنى مستوى مع القوات الدولية في البوسنة، التي وصف أفرادها في بيان نقله تلفزيون بانيالوكا أمس الخميس بأنهم "قطاع طرق". ودان رئيس برلمان صرب البوسنة بيتار تشوكيتش قريب من الرئيسة السابقة المعتدلة بيليانا بلافيتش اعتقال الجنرال كرستيتش، مشيراً إلى أن الحادث "أثار الذعر لدى كافة مواطني الجمهورية الصربية الذين يمكن ان يُعتقلوا في أي وقت من دون أن تكون اسماؤهم معلنة في لوائح المطلوبين لدى محكمة لاهاي، كما حصل مع الجنرال كرستيتش". وأضاف ان "الجمهورية الصربية لا يمكن ان تقبل أبداً بمثل هذه الممارسات". ورد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي خافيير سولانا على البيان الصربي بأن "عملية القبض على الجنرال كرستيتش تمت في إطار الصلاحيات التي منحتها قرارات مجلس الأمن لقوات حفظ السلام الدولية في البوسنة". وحسب بيان صدر عن رئيس اركان القوات المسلحة للجمهورية الصربية الجنرال مومير تاليتش، فإن عملية الاعتقال "كانت مدبرة إذ كانت القوات الدولية نشرت نقاط مراقبة على الطريق التي يمر فيها، وأعدت ثلاث طائرات عمودية لهذا الغرض وتم نقله في إحداها إلى مقر قوات حفظ السلام في توزلا". وكان الجنرال كرستيتش القائد الميداني للوحدات الصربية التي اقتحمت مدينة سريبرينيتسا في شرق البوسنة التي كانت ملاذاً آمناً في تموز يوليو 1995. وبلغ عدد القتلى والمفقودين فيها أكثر من 8 آلاف من سكانها المسلمين. وكان الجنرال راتكو ملاديتش رقى كرستيتش إلى رتبة جنرال وعينه قائداً للفيلق الخامس "تقديراً لنجاح خططه في السيطرة على سريبرينيتسا".