لم يكن اجتماع أعياد اللبنانيين في شهر واحد مناسبة لالتقائهم كما قد يوحى فولكلورياً بذلك، وسيكون من المبالغة الإدعاء أنه مناسبة لاختلافهم. لكن المناسبة تحمل مفارقات قد يكون من الصعب اختبارها في مناسبات اخرى. فللمناسبتين، اي شهر رمضان وعيدي الميلاد ورأس السنة، طقوس وشعائر مختلفة حاول البعض دمجها، كأن يضعون فانوساً رمضانياً على شجرة الميلاد، أو أن يضمّنوا سلة الحلوى الميلادية بعض الحلويات الرمضانية، وفي السياق نفسه تأتي زيارة "بابا نويل" للخيم الرمضانية التي تعمر مساء بمئات الزائرين. ولكن يبدو ان هذه المحاولات ليست موفقة كثيراً، فاختلاط الزينة الرمضانية في الشوارع بزينة الميلاد، كان تهجيناً أفقد الزينتين شيئاً من رونقهما. حصل هذا الامر في شوارع رأس بيروت التي يطمح تجارها الى محاكاة مشاعر الزبائن المختلطين. اما في شوارع كالمزرعة والأشرفية، وهي من الشوارع التي تحولت بفعل الفرز الذي احدثته الحرب ولم يشفَ اللبنانيون منها بعد، شوارع غير مختلطة، فإن زينتها كانت ميلادية في الأشرفية ورمضانية في المزرعة، وعلى رغم ان عدم اختلاط الزينتين أكسبهما انسجاماً وتناسقاً، إلا أن ثمة من لاحظ مبالغة في التزيين بما يشبه التباري. وتقارب الأعياد اثار إرباكات من انواع اخرى، كأن يمتنع كثر عن مشاركة مواطنيهم من الطوائف الأخرى اعيادهم ومناسباتهم بسبب انشغالهم بأعيادهم التي صادف حلولها في الوقت نفسه. فتراجع هذه السنة عدد الخيم الرمضانية، وهي ما درج اللبنانيون منذ اكثر من خمس سنوات على قصدها والسهر فيها في مساءاتهم الرمضانية. وكذلك تخوّف اصحاب الملاهي الليلية من ان تكون قاعاتهم هذه السنة غير عامرة بالساهرين ليلة رأس السنة. التجار وأصحاب المؤسسات الذين اضطروا الى مراوجة الزينة وتهجينها وخلطها، لم يتمكنوا من الاتفاق في ما بينهم على تحديد موعد بدء التنزيلات على الاسعار اوكازيون التي تعقب الاعياد عادة. فانقسموا على اختيار العيد الذي ستليه التنزيلات، أيكون عيد رأس السنة أم عيد الفطر؟ وأقامت شركة "سوليدير" سوقاً في شارعي فوش وأللّنبي، سمّته سوق الأعياد، وزيّنت الأبنية القديمة الفرنسية والإيطالية الطراز المعاد ترميمها بأضواء رمضانية وميلادية. وفي السوق هذه افترش البائعون حاجيات قالوا انها رمضانية، وانتشرت في أنحاء السوق عربات بيع العصير والفول السوداني، وعلى طرف الأسواق صعوداً في اتجاه ساحة الشهداء نصبت شجرة ميلاد عملاقة، قالت "سوليدير" في بيان صحافي "انها اكبر شجرة ميلاد في لبنان"، لكن عابرين بقربها قالوا ان شجرة الميلاد التي وضعها تجار محلة ساسين الأشرفية في ساحتهم تفوقها طولاً وإضاءة!