} لندن - علي الشوك اقدم ذكر ادبي للصابون جاء في لوح سومري على لسان إنانّا عشتار، حبيبة دوموزي تموز: اختاه لمَ اغلقت عليك الباب؟ يا صغيرتي لم اغلقت عليك الباب؟ تجيبه إنانّا كنت استحم، كنت اغتسل بالصابون. اغتسل بالابريق المقدس. اغتسل بالصابون في الطست الابيض. كنت ارتدي ثياب الملكية، ملكية السماء لهذا اغلقت على نفسي الباب. وجاء في ابتهال بابلي: "عسى ان تنظفني الطرفاء، حيث تنمو اوراقها عالياً، عسى ان تحررني النخلة، التي تصد كل ريح، عسى ان تنظفني نبتة "المستكال"، التي تملأ الارض، عسى ان يحررني كوز الصنوبر، المليء بحب الصنوبر". يقول ر. كامبل تومبسون في كتابه "معجم النبات الآشوري": "في هذا الابتهال نلاحظ ورود مادة القلي، والملح، والراتنج، بوضوح. فالقلي يأتي من رماد الطرفاء، الذي كان يستعمل في العراق حتى في ايام دخول الانكليز بغداد". ولعل ام جلجامش استعملت نبات تُلال tulal اي الصابونية المخزنية: عرق الحلاوة: نبات تحتوي اوراقه وجذوره على عصارة تستخدم بمثابة الصابون عندما كانت تزين نفسها وتصعد الى سطح المنزل لتصلّي من اجل ابنها. وتعني نبتة تُلال الاكدية: "انت ستغتسل". اما "مُستكال" فلعلها تتألف من المقطعين "مستا" و"كل"، اي: غاسول الجميع. ثم ان كلمة "أُخُلو" الاكدية، التي تقابلها بالسريانية "اخلا"، تعني "محلول القِلْي الذي يستعمل عند الغسل وصنع الصابون"، ويقابله بالعربية الشنان. قال الشاعر العباسي ابن حجاج: واغسل يديك من الزمان واهله بالماء والصابون والاشنان والنباتات الصابونية توجد ايضاً في الصحراء شرقي تدمر، وفي نجد. وكان العرب يحصلون على مادة القلي من رمادها. والشنان الذي كان يباع في اسواق العراق اشبه بالشُعيرية الجافة فتائل من عجين تشبه المعكرونة، وكان يؤتى بها من سوق الشيوخ جنوبالعراق. والجلو هو رماد الشنان. والجلو كتل غير منتظمة، خفيفة الوزن، رمادية فاتحة اللون. ويحدثنا كامبل تومبسون في معجم النبات الآشوري، نقلاً عن الميجور ولسون في العراق في ايام الاحتلال البريطاني، ان العرب يأخذون مقدارين من الشنان ومقداراً من الجلو، ويطحنون الاول ثم يضعونه في قماش موسلين خفيف، ويُغمر الكل اي مع الجلو في ماء مغلٍ لبضع دقائق. وبعد ذلك يضاف ماء بارد الى الرغوة، ثم تغسل بها الملابس. وكان "الأُخُلو قرنو" القِلْي المقرّن يستعمل في بابل لتنظيف المرء من غضب رجل آخر كان بصق عليه، وتُتلى معه تعويذة: "أيها القلي، القلي المقرّن، ان هذا الماء الذي ستصبه على هذا البصاق …الخ". وذُكر الصابون في سومر في ايام الملك غوديا 1241 - 2122 ق.م. كما ذكر في مرحلة اور الثالثة في نِسب المواد التي يصنع منها: قا واحد من الزيت وخمسة ونصف قا من القلي. ومن الالفاظ الآشورية الاخرى الدالة على القلي: شام قلتو، المقابلة للقلي العربية، والمقصود بذلك الشنان المحروق، وشام ساجلاتو، وتقابلها بالآرامية shalga، وهو نبات قلوي، وهناك "عسلج" العربية. ومن الالفاظ الآشورية الاخرى pirkalbi، ويراد به فس الكلاب، او براز الكلاب. ومن الالفاظ الاخرى ايضاً: شام مانجو الجيم على الطريقة المصرية، وشام شاميطو، وشام قاقُلُو. والقاقلو يقابله بالعربية القاقُلاّ في العراق، وكانت تؤكل مع الحليب، وتشبه اوراقها ورق الرشّاد الحُرْف المنزلي. اما شام شاميطو فتذكرنا بكلمة السويدي العربية، كما جاء في معجم النبات الآشوري. وفي موسوعة كوليرز الاميركية: ان البابليين كانوا اول من استعمل الصابون منذ حوالي 2800 ق.م. وعرف الفينيقيون صناعته في حدود 600 ق.م. وربما استعمل المصريون الرواسب الطبيعية لأملاح الصودا بعد مزجها بزيوت حيوانية او نباتية وعطور، لانتاج صابون معطر. ومع ذلك يعتقد معظم المؤرخين بان طين Sapo، الذي اكتشف في منطقة تلّية قرب روما قبل حوالي 3000 سنة، كان اصل الصابون، وهناك اشارات نادرة الى الصابون في القرون الوسطى بين 500 - 1500 في اوروبا. وفي القرن الثامن انتقلت صناعة الصابون من الشرق الى موانيء ايطاليا ثم الى فرنسا واسبانيا، وبعد ذلك بقرن الى بريطانيا. ويعود بعض القواميس بأصل كلمة soap صابون الى اللاتينية sapo، ولعل هذه ترجع الى sebum وتعني "الودك" باللاتينية، او الشحم الحيواني. لكن هذه الكلمة اللاتينية تعود اما الى جذر جرماني او كلتي. وفي الموسوعة البريطانية ان الصابون عُرف على الاقل قبل 2300 سنة. ويقول بلينيوس الأرشد، مؤلف "التأريخ الطبيعي": ان الفينيقيين انتجوا الصابون منذ 600 ق.م.، كما جاء اعلاه، واستعملوه للمقايضة مع الغاليين سكان بلاد الغال. وكان الصابون معروفاً على نطاق واسع في الامبراطورية الرومانية، ولا نعلم هل تعلم الرومان استعماله وصناعته من سكان البحر المتوسط ام من الاقوام الكلتية، سكان بريتانيا؟ على ان الكلتيين الذين كانوا يصنعون صابونهم من الشحوم الحيوانية ورماد النباتات اطلقوا على المنتوج اسم saipo، التي يرى البعض انها اصل كلمة soap. وفي معجم الالفاظ الفارسية المعرّبة للباحث أدي شير ان كلمة "صابون" تلفظ هكذا بالفارسية والتركية والكردية ايضاً. وتلفظ sapon باليونانية، وsapo بالرومية، وseife بالجرمانية، وsapone بالايطالية، وsavon بالفرنسية، الخ. ويقول: "فذهب قوم الى انها فارسية راجع فرانكل: 291. وقيل ان اصلها لاتيني… ويحتمل ان يكون سريانياً. فان الصابون مصنوع لتنظيف كل ما وسخ من الثياب وغيرها. فيكون اذاً مشتقاً من شفن، اي صفّى ونقّى، او من صفت ومعناه ارتفع الى فوق، وذلك من رغوته. هذا فضلاً عن ان صيغة الصابون آرامية. والعلم عند الله". ص 106 ووقفت على رأي آخر حول اصل الصابون في اطروحة للدكتوراه للسيدة Ida Babula الاميركية من اصل مجري بعنوان "صلة قربى سومرية" تحاول البرهنة فيها على وجود علاقة بين اللغتين المجرية والسومرية ولم تكن الاولى في هذه المحاولة. تقول السيدة إيدا بابولا: "ليست هناك اشارة مباشرة كذا! عن استعمال السومريين للصابون. لكننا نرجح انهم استعملوه من القرينة الآتية، وهي ان الرجال كانوا يحلقون وجوههم ورؤوسهم، وهي عملية تبدو مؤلمة جداً من دون استعمال الصابون. وهناك نقطة اخرى جديرة بالاعتبار، هي ان لفظة soap مشتقة من اللاتينية sapo، وتذكرنا بكلمة zeeb السومرية التي تعني جميل. ولما كان الصابون منظفاً، فهو مجمّل مزيّن ايضاً". ومن المعروف ايضاً ان كلمة sep المجرية تعني جميل… ودعماً لرأيها اقول اننا نستعمل في العربية كلمة "مزيّن" للحلاق. ومع هذا خطر في ذهني المثل العربي القائل: من حُلقت لحية جارٍ له فليسكب الماء على لحيته ترى لماذا لم يذكر الشاعر الصابون، ألأنَّ حلق اللحية يمكن ان يتم بمجرد بلّها بالماء؟ ام ماذا؟